سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سيناصر: لم أطلب تمويل التظاهرة الثقافية من البصري مباشرة بل لجأت إلى الحسن الثاني حكى أنه رفض عرض الحسن الثاني بالترشح لانتخابات 1993 حفاظا على مصداقيته
في هذه الحلقات، يسرد محمد علال سيناصر، المثقف والمفكر، محطات من حياته انطلاقا من طفولته التي عاشها بمدينة وجدة في كنف أسرة تنتمي إلى الحركة الوطنية، كانت وراء تعرفه على كبار الشخصيات المغربية كعلال الفاسي و المهدي بنبركة ومحمد بلحسن الوزاني وغيرهم. وقد استهوت الفلسفة سيناصر، الذي تابع دراسته في ثانوية مولاي يوسف بالرباط، وواصلها بباريس وألمانيا، مما أهله لتدريس المنطق في جامعة السوربون والعمل في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، كما ترأس قسم الفلسفة والعلوم الإنسانية في منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو). ويقدم سيناصر، فوق «كرسي الاعتراف»، شهادته على مواقف وأحداث عايشها خلال حياته، سواء عندما تقلد منصب وزير الثقافة سنة 1992 وهو يقول «اللهم لا تجعلني وزرا على وزارة الثقافة» أو عندما عين مستشارا للملك الراحل الحسن الثاني وبعدها مستشارا للملك محمد السادس قبل أن يتم إعفاؤه سنة 2003 رفقة المستشارين أحمد بن سودة ومحمد عواد، وتوشيحه بوسام العرش من درجة ضابط كبير. «صبر واجتهاد»، هكذا يلخص سيناصر رحلة حياته التي جمع فيها بين الإنتاج العلمي والمعرفي المتنوع وبين التدبير اليومي لعدد من الملفات، سواء في «اليونسكو» أو في الديوان الملكي. - عُينتَ وزيرا للشؤون الثقافية ضمن حكومة محمد كريم العمراني سنة 1992، وهي الحكومة العشرون في تاريخ المغرب؛ كيف حدث ذلك؟ كنت قد قدِمت إلى المغرب خلال عطلة الصيف، لأنني كنت أحرص على أن تظل لأبنائي صلة بوطنهم الأم. وأثناء عودتي كنت على متن باخرة من طنجة في اتجاه «سيت» بفرنسا، تلقيت اتصالا من وزير الداخلية آنذاك، إدريس البصري، أخبرني فيه بضرورة العودة إلى المغرب بناء على أمر ملكي؛ لكن لم يكن بالإمكان العودة وقتها، بل أكملت سفري إلى باريس وتركت أسرتي عند أحد الأصدقاء الفرنسيين في الطريق بين باريس ووسط فرنسا، ثم عدت إلى المغرب، فأخبرت بضرورة التوجه إلى الديوان الملكي للقاء المستشار الملكي المرحوم رضى اكديرة؛ وعند لقائي به أخبرني بأن الملك الراحل الحسن الثاني يرغب في أن أكون وزيرا للشؤون الثقافية، فاعتذرت إليه بدعوى أنه لدي التزامات تجاه منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، غير أنه قال لي: «شأنك مع اليونسكو نحن سنتكلف به»، فقبلت المنصب تأدبا وتحملت المسؤولية وأنا أقول «اللهم لا تجعلني وزرا على هذه الوزارة». - تحملت المسؤولية رغم اعتذارك في البداية؛ كيف وجدت واقعها وقتها؟ وكيف كنت تنظر إلى الشأن الثقافي؟ لقد كنت أومن بأن الثقافة لا يمكنها أن تتقوى وتزدهر إلا بالمثقفين وبأن لا علاقة لها بالبيروقراطيين، لذلك كان أول عمل قمت به هو الاتصال بالمثقفين العاملين المجتهدين، وساعدتني في ذلك تجربتي في منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)؛ وعلى أساس ذلك، شرعت أشجع الموظفين على العمل والانخراط في الفعل الثقافي بكل جدية، وعلى استقطاب المثقفين كيفما كانت هوياتهم واتجاهاتهم المختلفة. - هناك من آخذك، خلال توليك مقاليد وزارة الشؤون الثقافية، على عقدك شراكة مع وزارة الداخلية التي أصبحت شريكة في عدد من التظاهرات التي نظمتها رغم أن لا علاقة للداخلية بالثقافة، ما رأيك؟ هذا غير صحيح، كل ما في الأمر أنني كنت أرغب في تنظيم تظاهرة في تطوان حول الثقافة، ولم أجد تمويلا كافيا، وبحكم أن وزارة الداخلية، التي كان يرأسها إدريس البصري، كانت تحظى بميزانية ضخمة، فقد فكرت في تمويل التظاهرة منها، ثم إني لم ألجأ إلى الداخلية مباشرة، بل وجهت مذكرة في الموضوع إلى الملك الراحل الحسن الثاني واستأذنته في طلب التمويل من وزارة الداخلية حتى أوفر الدعم المالي للتظاهرة. - أسستَ المجلس الوطني للثقافة، غير أنه لم يحقق أهدافه المسطرة؛ ما سبب ذلك؟ لم يحقق ما سطر له لكون الذين يعملون في وزارة الثقافة لم يكونوا جديين. والمثير للانتباه أن من تتبع المجلس باهتمام هو الراحل عز الدين العراقي رغم أنني لم أكن أتفاهم معه كثيرا. - من هم الوزراء الذين كانوا أقرب إليك من غيرهم؟ كانت لي صحبة خاصة مع عبد الله بلقزيز، الذي كان وزيرا للشبيبة والرياضة، والطيب الشكيلي، الذي كان وزيرا للتربية الوطنية، وعبد الرحيم الهاروشي، الذي كان يشغل منصب وزير الصحة العمومية، وإدريس جطو، الذي كان وزيرا للتجارة والصناعة. - في سنة 1993، طلب الملك الراحل الحسن الثاني من عدد من الشخصيات أن تترشح للانتخابات، مثل محمد القباج وعبد العزيز مزيان بلفقيه، وأنت كنت من ضمن هؤلاء، لكنك امتنعت؛ لماذا؟ رفضت الترشح لأنني كنت ضد الذين يجعلون الانتماءات السياسية في خدمة مصالحهم ومن ثم يغيرونها بحسبها. أما أنا فلم تكن لدي مصلحة بل كانت تهمني مصداقيتي، ولم أكن أرغب في أن أصبح مثل الآخرين الذين يتم التلاعب بهم حسب الظروف. - ما هو الحزب الذي اقتُرح عليك الترشح باسمه؟ اقترح عليّ أن أترشح باسم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي أسسه السيد أحمد عصمان. - هل كانت الدعوة إلى الترشح بصفة رسمية؟ نعم، كان الأمر تقريبا بشكل رسمي. - كنت محسوبا على الاتحاديين، هل كنت تنتمي إلى الاتحاد الاشتراكي؟ كان لدي إعجاب ببعض السياسيين المغاربة المختلفين، على رأسهم محمد بلحسن الوزاني الذي كانت تعجبني كتاباته في الرأي العام، علاوة على أنه، كما قلت من قبل، كان موضع إعجاب من طرف والدي، قبل تكوين الحركة الوطنية وكانت له علاقات قوية بقيادة الحزب. كنت أتعاطف مع حزب الاتحاد الاشتراكي وكنت أنفذ كل ما من شأنه أن يساعده، لكني لم أكن عضوا نشيطا، بينما كثيرون كانوا يحسبونني على الحزب، ولم يسبق لي أن نفيت ذلك. أضف إلى ذلك أنه كيفما كان الموقع الذي أكون فيه، أعتبر نفسي ملزما بتيسير الأمور للناس، بالضبط كما كان يفعل أخي الحبيب، رحمه الله، الذي كان منخرطا في الحزب منذ البداية، وكان متأثرا بالعمل الاجتماعي، لذلك لم أكن أبدا أعتبر منصبي، كيفما كان، وسيلة لشيء آخر غير خدمة الذين هم في حاجة إلى ذلك.