بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي، وزير الخارجية السابق لبيرو: الجمهورية الصحراوية المزعومة لا وجود لها في القانون الدولي    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قال إن تهجير اليهود المغاربة جرح مفتوح وأكبر خطأ ارتكب على يد أهله ويد الصهيونية (1/2)
شحلان: الدراسات التي لا تعتبر اليهود المغاربة مغاربة أقحاحا تحركها غايات سياسية
نشر في المساء يوم 23 - 02 - 2013

يعد الدكتور أحمد شحلان من الخبراء القلائل، الذين اهتموا بالتراث العبري اليهودي بالمغرب، حيث حفر بحرفية الأكاديمي في هذا التراث، الذي يعد مكونا أساسيا في النسيج الثقافي والهوية المغربية، ومن ثم غدا الرجل مرجعا ليس
على المستوى المحلي، بل العالمي. وقد لقي التقدير من زملاء أكاديميين وجامعات دولية معروفة. في هذا الحوار مع "المساء" يكشف شحلان أن الدراسات التي تردد بأن اليهود المغاربة ليسوا يهودا مغاربة أقحاحا تحركها غايات سياسية ف"نسبة يهود المغرب وغيرهم من اليهود إلى الكنعانيين وإلى مسبيي بابل أسطورة"، مضيفا أن يهود المغرب أسهموا بفضل سماحة الحضارة الإسلامية في كثير من المعارف الإسلامية في الغرب الإسلامي، مشيرا إلى أن أكبر فلاسفة اليهود، موسى بن ميمون، تعلم ونضج وبرَّز في فاس، ورضع كل معارفه اليهودية العربية والإسلامية في المغرب. وأضاف بأن يهود المغرب كان لهم تشريعهم المتميز في اليهودية، بعد أن تأثروا باجتهادات علمائهم الأندلسيين، الذين هم في البدء من أصول مغربية. وزاد مدللا بأن جنوبُ المغرب عرف كثيراً من أطبائهم في القديم، خصوصاً في منطقة "درعا"، مشيرا إلى أن رئيس مَجْمَع اللغة العبرية اليوم، هو من قصر السوق- مولداً وتربية وتعليماً- وأن كبار علماء التفسير والنحو واللغة يهود مغاربة. ويكفي، يقول شحلان، أن أغلى مخطوط في العالم اليوم هو مخطوط التوراة المكتوب على الرَّق أو الجلد، واشتهرت به مدينة دبدو، التي كان يهودها يسمونها إشبيلية الصغيرة. وعلى ذلك لم يفته التنبيه إلى ضرورة توقيف نزيف التفريط في التراث الثمين كما كان الحال مع مكتبة يوسف بن نئيم التي وجدت بقدرة قادر في أمريكا. وقال في هذا الصدد: "كنت نبهت وزيرين من وزراء الثقافة إلى هذا النزيف المؤلم، ولم أتلق منهما جواباً، ولا أعلم أنهما فعلا شيئاً لوقف هذا النزيف. إنها مأساة اللامبالاة، وأخاف أن يبقى الحبلُ على الغاربِ. وآمل من وزير الثقافة الحالي أن يتخذ ما من شأنه أن يحفظ ما بقي من هذا الموروث، مخطوطات وكتباً وشواهد وأدوات، وكلَّ أثر مادي هو جزء من تراث المغرب". كما ثمّن شحلان إعادة ترميم كنيس صلاة الفاسيين، لكنه استدرك ملاحظا :"لي ملاحظة واحدة، هي خطأ في الكتابة التي رفعها من رفعها على باب الكنيس في فاس. ذاك أنهم كتبوا بالحرف العبري (صْلاطْ) ويجب أن تكتب (صلاة) بالتاء لا بالطاء. ويجب تصحيحها". هذه بعض القضايا التي أثرناها مع الدكتور أحمد شحلان، إضافة إلى أخرى في هذا الحوار الشامل.
- أنتم واحد من القلائل الذين انخرطوا منذ زمن طويل في التنقيب في تاريخ اليهود المغاربة، فما الخلاصات التي استنتجتم؟ وهل قُدرت تضحياتكم في هذا الباب؟ وهل أزلتم الغموض عن بعض المُخَفَّيات؟ وهل كشفتم عن حقائق جديدة؟
عَرَفَتْ الكتابات المغربية منذ القديم عنايةً بالتأريخ لليهود عامة، وليهود المغرب خاصة، ولعل الفرق بين مناهج التأريخ السابقة وما سعدتُ بأن أقوم به، يتجلى في اختلاف المرجعيات والمنهج والمقاصد، ثم التخصص في حقل معين واضح أَبْذُل الجهد من أجل إبرازه، ذاك هو تبيانُ مدى تأثير الثقافة العربية الإسلامية في الفكر اليهودي في الغرب الإسلامي، ومدى امتداد هذه الثقافة في يهود المغرب الذين هم من أصول أندلسية كانت قبلها مغربية. وكذا تبيانُ الحظ الذي أسهم به اليهود في حضارة الغرب الإسلامي وفي مدار الحياة المغربية. ومن هنا أقول، إني لست مؤرخاً ليهود المغرب، فهذه مهمة أخرى، أنا معتنٍ بالتأريخ لثقافة يهود المغرب، والفرق واضح بين الحقلين. أما ما استنتُجه من جهدي هذا فهو كثير، الإجابةُ الكاملة عنه لا تظهر إلا في مراجعة كتبي، ولكن إذا كان لا بد من جواب مختصر، يناسب حيز الصحيفة الزمني والمكاني، فأقول: إن يهود المغرب، أسهموا بفضل سماحة الحضارة الإسلامية، في كثير من المعارف في الغرب الإسلامي. وكانوا بشكل من الأشكال، الواسطةَ في نقلها إلى الغرب. وأخذوا من هذه الثقافة في مغربنا هذا، في تشريعهم وآدابهم، وفي كثير من مظاهر حياتهم. وأسسوا لهم هنا معارفهم الخاصة بهم، وصارت موضع احترام، بل مطلباً من إخوانهم في كثير من الجهات، بما في ذلك فلسطين. وأن هذه الثقافة شهدت صراعاً قوياً مع وصول المدرسة العصرية التي كان مصدرها باريس، في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. وأن ما بعد استقلال المغرب، عرف هزة في المجتمع اليهودي، ساهمت في حدوثها قوىً متعددة. وأن على يهود المغرب ممن شط بهم المزار، أن يعيدوا النظر في ما كُتب عن تاريخهم، وأنه لا بد لهم، لكي يعيدوا هذا النظر، من أن يضيفوا إلى مصادرهم ومراجعهم، ما كتبه المؤرخون المسلمون المغاربة، في كثير من قضايا كانت مشتركة، عزلها الآخر عن سياقها، وأسقط عليها الذين كتبوا تاريخنا من غير أهلنا نحن وهم، إسقاطاتِ ما كان يروَّج في أوروبا، كلما تعلق الأمر باليهود. إن عملي في هذا الحقل ليس تضحية، إنه عمل باحث مغربي متواضع، علَّمه وطنه كيف يحبه ويخلص له. ومن هذا الحب، حب معارف وطنه، في كل جوانبها وأنواعها. ولو قدر لي أن أبقى مرتبطاً بالفلسفة التي كنت أحبها قبل أن أفهم كثيراً مما تعني، لكرست لها نفس الجهد. إن بحثي جزء من عملي، وأنا لا أنتظر تقديراً شخصياً، فإذا كان عملي الأكاديمي يستحق تقديراً فسيكون ذلك اليومَ أو غداً، وقد قدَّر أعمالي هذه أكاديميو المغرب بأكثر مما أستحق. ولعل من معالم تقدير عملي، استدعائي في الأسابيع المقبلة، لجامعة هَرْڤَرْد العتيدة، لأعرف بجهود الجامعة المغربية، في الحقل الذي أنا واحد من جنوده. غير أني أشعر بهذا الجزء من سؤالك يعني ما يعني. ولعلك تريد «التقدير من الذين يعنيهم اختصاصي من يهود المغرب» إذا كان هذا هو الأمر، فأقول لك، كما علمت من أكاديميين منهم، أو ممن يهتم بالثقافة العربية الإسلامية اليهودية، في جهات متعددة حتى الولايات المتحدة، أنه والحمد لله مُقَدَّرٌ، وأنهم يعتبرون أعمالي في قراءة المخطوط العبري الوسيط، والتأريخ للفلسفة العربية-اليهودية، وترجمة نصوصها، من الأعمال الرائدة. ولعلهم وسَمُوني بأكثر مما أنا هو. وهذا القسم من الجواب يجيب عن آخر مطلوبكم، لقد كشفتْ أعمالي، وأعمال المجموعة التي أشاركها هذا الهمَّ من طلابي وزملائي، بعضاً من حقائق، والحقيقة أكبر من أن يكشف عنها جيل واحد.
- إذن أنتم ترون، أن نسبة يهود المغرب وغيرهم من اليهود إلى الكنعانيين وإلى مسبيي بابل أسطورة؟
نعم، مادام الأمر لا يعتمد على وثائق، فهو أسطورة، و Shlomo Sandالمشار إليه، لم يجد ما يدل على جلاء اليهود كلا كاملا من فلسطين إلى بابل، ولم يجد ما يدل على جلائهم من القدس على يد الرومان سنة 70م. ولم يوجد ما يدل عليه بعد ثورة اليهودي بَرْخُورْبا على الرومان عام 132م. وقد ورد هذا الخطأ الشائع من خلط لغوي بسيط،، ذلك أن لفظ «َلوتْ» (جلاء)، كان يعني الخضوعَ السياسي لا الطرد من البلاد. كما أن مفهوم «لوتْ» جاء متأخراً زمناً، ويرتبط باعتقاد المسيحيين الذين يرون أن الله عاقب اليهود بالطرد، لصلبهم المسيح ورفضهم الإنجيل. ورُسخ هذا الاعتقاد في القرن الرابع، وصار جزءاً من المعتقد اليهودي. بالإضافة إلى ذلك، فقد وُجدت مجموعات يهودية في جهات مختلفة من آسيا الصغرى، ومصر، وشمال إفريقيا، قبل عام 70م. والسبب في وجود هؤلاء اليهود في هذه المناطق، منذ ذاك التاريخ، هو الطبيعة الدعوية للديانة اليهودية التي ينكرها صهاينة اليوم. وهو زعم كذبته مساهمة الهلينيين في نشر اليهودية في كثير من جهات البحر الأبيض المتوسط، مثل الإسكندرية ودمشق والإمبراطورية الرومانية، التي منها تسربت اليهودية إلى كافة أوروبا. ولم تنحسر الدعوة اليهودية، إلا في القرن الرابع، عند انتصار المسيحية. والمسيحية نفسها، هي التي تسببت في تنصير يهود منطقة «يهودا» في فلسطين، بعد أن استولى البزنطيون على المنطقة، وخليت أرض فلسطين من اليهود حتى مجيء الإسلام. وكانت اليهودية معروفة في بلاد حِمْيَر التي بلغت أوجها في القرن الثاني ق.م. فأسست لها عاصمة ظفار. فقد ترك أهل حِمْيَر ديانتهم، وتهودوا في القرن الرابع الميلادي، بعد أن امتدت فيهم اليهودية من أرض الحبشة. وظلت حِمْيَرْ يهودية حتى انهزم ملكها ذو نواس سنة 525م على يد الأحباش. فيهود حِمْيَر، هم أحفاد ذي نواس، ولا علاقة لهم بإبراهيم والعبرانيين. وكذلك تهود قسم من أهل الحرز. والخزر رُحَّل عاشوا في المناطق الغربية وتوسعوا في سهول الفولغا وشمال القوقاز. واعتنقوا اليهودية على عهد خلافة هارون الرشيد. وكان السبب في ذلك رغبتَهم في الحفاظ على استقلالهم في مواجهة قوتين عظيمتين: البيزنطيين والعباسيين. فكل هؤلاء، جماعات تهودت ولا علاقة لها بفلسطين، مثلهم مثل يهود المغرب. إن النفي البابلي أسطورة بالطريقة التي صُور بها، ما دامت الوثيقة غائبة. والأخبار التي وردت عنه في العهد العتيق، هي مجرد خيال أدبي باعتراف كبار نقاد التوراة.
- قلتم أيضاً إن الدراسات التي «لا تعتبر اليهود المغاربة مغاربة أقحاحاً» تحركها غايات سياسية. كيف ذلك؟
هو ذاك، إن الصهاينة، بعد ظهور الصهيونية الحديثة، على يد ثيودور هرتزل، سنة 1897، وبالأخص بعد وعد بلفور، بل وقبل ذلك، على إثر ما عرفه يهود الغرب، من مآسي وصفت ب«معاداة السامية»، قَرَّ عزمهم على تغيير مفهوم «الصهيونية» الذي كان لا يتعدى عند اليهود في القديم، الارتباطَ بأرض فلسطين روحياً، كما هو الأمر بالنسبة للبوذيين الذين يقدسون أرض النبال، والمسيحيين الذين يقدسون بيت لحم والناصرة، والمسلمين الذين يقدسون مكة والمدينة والقدس، وحوَّلوه هم «صهيونيةً سياسية» أرادوا بها نقل كل يهودي مهما كانت جنسيته وأصوله، إلى فلسطين، بدعوى أنها أرض بني إسرائيل- من هم بنو إسرائيل؟ ومن يدخل فيهم؟ وما وعْدُ رب التوراة لهم بهذه الأرض؟ ومن هم الموعودون؟ كل ذلك يصعب الحديث عنه في هذا الحوار الصحفي، مع أنه يفسر ما أريد قوله، ولعلنا نجد لهذا فرصاً أخرى للخوض فيه- أقول: أرادوا بذلك حل مشكلِ ما كان يسمى في الغرب «المسألة اليهودية»، وهو المفهوم الذي لم يكن له وجود في بلاد الإسلام. إن تحقيق هذا الغرض السياسي، لا يمكن إنجازه إلا بالتنكر لأصول يهود العالم. لقد كان الصهاينة في حاجة إلى حل مشكل «المسألة اليهودية» الغربي، كما كانوا في حاجة إلى نوع معين من اليهود، يتمثل فيهم الإيمان العميق باليهودية، وهو الإيمان الذي لم يكن عندهم، فقد كانوا كلهم شيوعيون ملحدون، وكانوا في حاجة إلى سواعد قوية، لبناء دولة على أعقاب شعب كامل، فيه من كانت أصوله يهودية فتمسح، أو من كانت أصوله يهودية فأسلم. ألم يكن عيسى رسول المسيحية هو نفسه يهودياً؟ إن عيسى أتى بالمسيحية ولم يأت بالمسيحيين. إن مسيحيي فترة عيسى وما بعدها يهود. وحقهم في فلسطين ثابت لا ينزع بالتنصر أو الإسلام. وتغاضت الصهيونية عن هذه الحقائق الدامغة، ولم ترع أحفادَ اليهود الذين تمسحوا أو أسلموا، ولم تحسبهم من ورثة أرض فلسطين. وكما أنها لم تعترف بالأصول اليهودية لهؤلاء لأنها لا تخدم مصلحتها، فإنها أرادت طمس أصول اليهود المغاربة أو غيرهم، لنفس الأهداف بشكل مقلوب. ومن الجهة الأخرى، ما أظن أن في المغاربة المسلمين الذين عاشوا وعياً حضارياً زيَّنَتْه أريحيةُ الإسلام، من يكون في الجانب الثاني، ويتنكر لأصول هؤلاء الناس. صحيح أن الصهيونية والاستعمار، أفسدا ما كان بين الطائفتين من وُدٍّ، ولكن المغاربة المسلمين لم يشغلوا أبداً بالهم بأصول هؤلاء الناس، وكان التساكن دوماً حميمياً حتى في أحرج الحالات، إلا ما كان من طبيعة الحياة. وظلت ثلة من يهود المغرب وفيةً لوطنها، مرتبطةً بتربته، مدافعة عن قضاياه. كما هيمن على مجموعات أخرى، التأثير الصهيوني فصاروا على هواه ونسوا تاريخهم الحقيقي.
- ذكرتمَ هاته الثلة من يهود المغرب وارتباطها بوطنها، فذكرتموني بالراحل إدمون عمران المليح، الذي قال إن أكبر خطأ اقترف في المغرب الحديث، هو تهجير اليهود. في رأيكم، هل يمكن أن يصل الأمر إلى هذا الحد؟ كيف؟
إدمون عمران المليح، كما قلتُ في الفصل الأخير من كتابي «المغاربة اليهود من منبت الأصول إلى رياح الفرقة: قراءة في الموروث والأحداث»، أديب مرهف، اعتبر تهجير اليهود المغاربة، «جرحاً مفتوحاً» و«مأساة». فقد عاش هذا الرجل بداية استقلال المغرب بنشوة، واعتبر عودة محمد الخامس عودة ميمونة، وشعر بالتغير العميق الذي حدث في ملامح المغرب، وآمن بأن التحولات والتقلبات تكون دوماً حُبْلى بالمجهول، وصدق ظنه. فلم يفهم مَن تحكم في مصير المغاربة اليهود في بداية الاستقلال، تقلبات المرحلة. بل أجرم في حق هؤلاء الناس- كما يقول إدمون المليح- من اعتبر هذه الفترة مرحلة خطرة هددت كيان المغاربة اليهود، فخلقوا «الاعتقاد بأن هؤلاء اليهود الذين تم اجتثاثهم من جذورهم التاريخية في هذه الأرض المغربية، كانوا مهددين بالموت، ويجب القيام بأعمال لإنقاذهم. وكمرادف لكل هذا، ذاك التزوير الفظيع للحقيقة: فكرة أن هؤلاء اليهود هم جسم غريب في هذا البلد». لقد خلق بعضٌ ممن خدم الصهيونية، هذا الوهمَ، وربما آمن به. وكرست إسرائيلُ الفكرةَ بعد قيامها، و«جعلت في كل الدول التي تسمى عربية، من المواطنين من أصل يهودي، أناساً تعرضوا لتدمير كبير». وقد رفض إدمون عمران المليح هذا التصور. ورده في مقالة كان قد نشرها في جريدة الاتحاد الاشتراكي، (2 يونيو 2009). إن إدمون عمران المليح، رد هذا الزيف، في مقالته هاته، وأبان فيها عن وهم بطولات من اعتبروا أنفسهم منقذين لمغاربة اليهود، كما يعتقد إدمون، حيث قال: «إننا نحن اليهود المغاربة، أو المغاربة اليهود، لم نتعرض أبداً لأي خطر... [وأننا] بالتحام تام مع مجموع الشعب المغربي، وبدون أدنى تردد، إلتأمنا في هذا الإعلان عن مصير جديد، حيث أخذ البلدُ أخيراً مصيره بيده بعد عهد الحماية....». إنها مقالة أكد فيها إدمون عمران المليح، نفس الشعور الذي عاشه قبل خمسين سنة من كتابة هذا المقال، وهو المفكر الأديب المتزن، الذي لم يزر إسرائيل أبداً، ولم يغادر المغرب أبداً، لأنه بلده ومنبته وليس له غيره. إدمون عمران المليح، يكتب بعد خمسين عاماً، بلسان قلبه، مديناً ما ارتكبه «البطل» الذي أسهم في إفراغ الوطن من مواطنيه «بشكل دنيء يضعه في صورة نخاس، متاجر في العبيد، متاجر في الأطفال...»، كما قال المليح، فخلق «مأساة هجرة اليهود المغاربة، أو المغاربة اليهود، الذين انتُزعوا من جذور قديمة». إن هذا الفعل هو حقاً أكبر خطأ ارتكب في حق المغرب على يد أهله ويد الصهيونية، وارتكب في حق فلسطين أيضاً. وما الأمر في حاجة إلى شرح.
- هل اعتباركم ما حدث ليهود المغرب ولثقافتهم نابع من نوع من التقدير ليهود المغرب، وخصوصاً الذين كان لهم نوع من الإسهام في معارفه، أم أنه مبدأ سياسي؟
لا يحتاج الأمر هنا إلى بحث عن تبرير. فأنا مغربي أحترم كل ما ومَن ينتسب إلى وطني...
- اسمحوا لي أن أوضح سؤالي. لقد قرأت بعضاً مما كتبتم، ولاحظت أنكم تفضلون يهود المغرب على غيرهم من يهود العالم من شرقيين وغربيين، وتقولون إن مذهبهم في قراءة التوراة أفضل من مذاهب أخرى، وبأن علومهم أفضل. كيف؟ وكيف تم لهم ذلك؟
لا وجود لأفضلية هنا أو تحيز، الأمر بسيط. كان يهود المغرب منذ القديم، ذوي عناية بالتوراة والتلمود وعلوم اللغة والتفسير، وصار كثير منهم من كبار علماء اليهود الأندلسيين. ولا ننسى أن أكبر فلاسفة اليهود، الذي هو موسى بن ميمون (1135 1204)، تعلم ونضج وبرَّز في فاس، ورضع كل معارفه اليهودية العربية والإسلامية في المغرب، لأنه لما ورد على فاس، لم يكن عمره يتجاوز أربع عشرة سنة، ولم يغادرها إلا بعد أن بلغ الخامسة والعشرين، أي بعد أن اشتد عوده في معارفه. فمعارفه مغربية بالأساس. وكان في يهود المغرب أكبر شعراء العبرية، بعد تمرسهم بفن الشعر العبري الأندلسي، الذي شرب من فنون الشعر العربي حتى الثمالة، وهذا ما يطلع عليه القارئ، في الأسابيع المقبلة، حيث سيصدر لي تحقيق لكتاب «المحاضرة والمذاكرة»، الذي يعتبر من أفضل ما كتب في تاريخ النقد العربي-العبري، وهو للشاعر الأديب الغرناطي موسى بن عزرا (القرن 11-12م). وكان ليهود المغرب تشريعهم المتميز في اليهودية، بعد أن تأثروا باجتهادات علمائهم الأندلسيين، الذين هم في البدء من أصول مغربية. وكانت لهم فتاواهم المشهورة التي كانت تعد مرجعاً سامياً لدى اليهود خارج المغرب وحتى فلسطين. وتميز يهود المغرب بمذاهب «قبالية» صوفية، كانوا هم أقطابها، وتركوا مؤلفات نفيسة فيها، خصوصاً في جنوب المغرب. وعَرَف الجنوبُ كثيراً من أطبائهم في القديم، خصوصاً في منطقة «درعا»- وبالمناسبة، فرئيس مَجْمَع اللغة العبرية اليوم، هو من قصر السوق، مولداً وتربية وتعليماً- وكبار علماء التفسير والنحو واللغة يهود مغاربة. وأغلى مخطوط في العالم اليوم، هو مخطوط التوراة المكتوب على الرَّق أو الجلد، واشتهرت به مدينة دبدو التي كان يهودها يسمونها إشبيلية الصغيرة. على أي، إن الأمر لا يتعلق بأفضلية، إنه تأريخ أكاديمي لمعارف يهودية مغربية أفتخر بنسبتها لوطني.
- تكرر على لسانكم ذكر الأندلس، فهل عرفت الأندلس حقاً تعايشاً دينياً وحضارياً بين كل مكوناتها؟ وهل كان اليهود حقاً مندمجين في المجتمع الإسلامي بهذا القدر؟ أم أن الأمر خرافة؟
عرفت الأندلس تعايشاً بين مكوناتها لا مثيل له، ولعله حتى اليوم. وقد أفسح الحكم الإسلامي المجال لكل المكونات في بناء الدولة، فلم يستغن أمراء الأندلس عن كتابهم ومقتصديهم اليهود والنصارى، خلال الحكم الأموي كله. واحتل المعاهدة النصارى مناصب كبيرة في الدولة والجيش، مثل عمر بن قومس (Comes) وأرطباص الذي عينه العرب بعد الفتح، حاكماً على طليطلة ورئيساً للنصارى وزعيماً لعجم الذمة ومستخرجاً خراجَهم لأمراء المسلمين. كما كان المظفر يستشير أبا الربيع النصراني في مهمات أمره. واعتمد الناصر لدين الله، سنة 329ه، عباسَ بن المنذر، أسقف إشبيلية، ويعقوب بن مهران أسقف بجاية، وعبد الملك بن حسام أسقف البيرة. وكان حسداي بن إسحق مترجماً للناصر ومدبراً لإدارته العامة وجمارك المملكة، كما كان سفيراً ويستقبل السفراء القادمين على قرطبة. وكلف الحكم الثاني أبرهام بن يعقوب الإسرائيلي الطرطوسي ببعثة وجهها لملوك الشمال. ووزر اصموئل بن النغريلة لدولة باديس بغرناطة، وكان رأس جيشها، وغير هؤلاء كثير. وظل المسيحيون يتمتعون في القواعد الرئيسية مثل قرطبة وإشبيلية وطليطلة باستقلال ذاتي، وكانوا يطبقون شرائعهم القوطية القديمة على يد قضائهم، وتحت مسؤولية قواميسهم. وظلت كنائسهم ودور عبادتهم، معالم بارزة في فضاء الأندلس. كما ظلت سلطة اليهود ومقاليد أمورهم الدينية الخاصة بهم بين أيديهم. فقد جرت العادة على أن تُعيِّن السلطةُ رأس الجالوت، «الناسي» (الأمير) أو شيخ اليهود، للقضاء في أمرهم وبتشريعهم. وتمتع اليهود، في ظل هذه الحرية، بالسماح لهم ببناء دور عبادتهم في أحيائهم الخاصة، وكذلك بين السكان المسلمين. وكُتُبُ الحسبة والفتاوى عامرة بأخبار هذه الدور والكنائس والبِيَّعِ. والتقت كل مكونات الأندلس وأهل الأديان، في مقعد الدرس أو في مجمع المناظرة. وقد نقلت لنا كثير من الآثار الإسلامية، كمؤلفات ابن حزم الأندلسي، صوراً من هذا اللقاء. واشتهر أعلام من اليهود في معارف متعددة، مثل آل حسداي وإسحق بن قسطار، خادم الموفق مجاهد العامري. واشتهر البعض منهم بتدريس المسلمين، كإبراهيم بن زرزار اليهودي، صديق ابن الخطيب، الذي كان يقرئهم الطب والتعديل. وظهر في يهود الأندلس ونصاراها، كثير من شعراء العربية، حتى خص لهم المقري في كتابه «نفح الطيب»، حيزاً خاصاً بهم. وقد بَيَّنَتْ لنا النصوص التي نقلها المقري، متانةَ العلاقات الإنسانية والأدبية التي كانت تجمع بين متأدبة اليهود والنصارى ورفاقهم المسلمين. وولع اليهود الأندلسيون بالشعر. وهم أول من نظم في الأشعار الدنيوية، على غرار الشعر العربي مضمونا وشكلا. وهم أول من استعمل بحور الخليل في الشعر العبري. ونظموا على غراره الموشحات والأزجال. وكتبوا فن المقامة الذي لم يكن لهم بها علم من قبل. أما تأليف يهود الأندلس في العلوم المختلفة، التي فقهوها في ظل الحضارة العربية الإسلامية، بالعربية أو العبرية، أو تلك العلوم الخاصة بهم، بالعربية والعبرية أيضاً، فالحديث عنها يطول، وكان الحديث عن هذه العلوم هو مُضَمَّن كتبي المتعددة. ولا أريد الحديث عن الاشتراك في السكن والأسماء والزواج والأعياد والعادات واللباس والصنائع والاتجار، فالحديث عنها لا يتحمله حيز الحوار. إن الأندلس مثلت العصر الذهبي للمعارف اليهودية، بشهادة كبار علمائهم وما تحفل به اليوم خزائنهم. إن علم أهل الأندلس، ومعارف يهود المغرب، هي أسطع ما يوجد عندهم حتى اليوم، وبها تفخر خزائنهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.