يسجل المتتبعون لشؤون المنظومة التربوية أن هناك نوعا من التوتر بين وزارة التربية الوطنية وهيئة مفتشي التعليم، وظهر ذلك في عهد الوزير السابق والحالي، كيف تعلقون على الأمر؟ من المعلوم أن الاختيارات العامة للدولة وطريقة تدبيرها الشأن العامّ ينعكسان على صيغة تعاطيها مع المجالات الحيوية، كالأمن والقضاء والتعليم وغيرها، ممّا يعد المحدد الأساس لتوجه الدولة نحو التنمية وتحقيق العدالة وإشاعة ثقافة المسؤولية والمحاسبة أو عكس ذلك.. والواقع أن الدولة المغربية بعد الحصول على الاستقلال لم تخط الخطوات المطلوبة والكافية المنتظرة في الاتجاه الصحيح، حيث سادت المقاربة الأمنية على حساب الاختيارات الديمقراطية والتوجهات التنموية وربط المسؤولية بالمحاسبة عقودا من الزمن، ما ترتب عنه لزوما -على مستوى قطاع التربية الوطنية على سبيل المثال- ضعف ثقافة التقويم والمراقبة والشفافية، وبالتالي تردي المردودية وضعف الكفاية الداخلية والخارجية للمنظومة التربوية. وقد انعكس هذا الوضع بقوة على الوجود الوظيفيّ لهيئة التفتيش في المنظومة التربوية، حيث وجدت نفسها في إطاره عضوا بغير وظيفة، ما حذا بها إلى مواجهة الوضع، فكانت سمة التوتر أساسَ العلاقة مع الوزارة من أجل تمكين هيئة التفتيش من استقلالية وظيفية. كما نصّت على ذلك المادة ال135 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وهي السمة التي طبعت تلك العلاقة منذ تأسيس النقابة سنة 2003، وإن عرفت بعض الهدنة حاليا بسبب التوجهات الجديدة للوزارة الحالية والرامية إلى إعادة تنظيم جهاز التفتيش بما يكفل له أداء أدوار الافتحاص الداخلي للمنظومة التربوية. يتهم البعض هيئة المفتشين بكونها جهازا لم يعد يؤدي المهمة المنوطة به في التأطير والتكوين والمراقبة، كيف تردّ على أصحاب هذا الطرح؟ بالفعل، ما هو منتظر من هيئة التفتيش أكبر بكثير مما تقوم به حاليا، وما هي مؤهلة له، لكنّ الدولة تتحمل، في اعتقادي، المسؤولية الكبرى في هذه النتيجة، إذ هي التي عطلت الأدوار الإستراتيجية لجهاز التفتيش في مرسوم 2003، وهي التي قلصت عدده من 6700 مفتش سنة 2005 إلى حوالي 3300 مفتش حاليا، بسبب المغادرة الطوعية وإغلاق مركز تكوين المفتشين لأكثر من عشر سنوات، رغم الارتفاع الكبير لأعداد المؤسسات والأساتذة، وهي التي همّشت أطر التفتيش واعتبرتهم جسما غيرَ مرغوب فيه، لأنّ اشتغاله وفق القواعد المطلوبة سيُخرج الضعف في الأداء، كما في المنتوج، إلى الرأي العام، كما كشفت ذلك بعض التقييمات الدولية للمردودية، وآخرها «TIMSS et PIRLS 2011». ماهي أهم المرتكزات التي ترى أنها باتت ضرورية لتمكين هيئة المفتشين من أداء دورها الحقيقيّ كأحد أهمّ الشركاء في المنظومة التربوية وتجاوز تلك النظرة المرتبطة بالهيئة واعتبارها جهازا «للضبط»؟ لا مناص من تصحيح وضع هيئات التفتيش في مختلف القطاعات الحكومية ومراجعة أدوارها وفق ما جاء في البرنامج الحكوميّ بخصوص الشق المتعلق بثقافة المساءلة والمحاسبة إذا أرادت الدولة إرساء اختيار يزاوج بين الحقوق والواجبات وربط المسؤولية بالمحاسبة.. ولتحقيق ذلك نلحّ على مراجعة اختصاصات هيئة التفتيش، التي عرفت اختزالا مطّردا في العقود الثلاثة الأخيرة، بما يمكنها من تأطير شامل للمنظومة، وأيضا مراجعة تنظيمها مركزيا وجهويا وإقليميا في ارتباط تنظيميّ مع المفتشية العامة، مراجعة تمكنها من فك الارتباط الإداريّ عن جهاز التدبير لضمان تأطير وتقويم حقيقيين يمَكّنان من تشخيص دقيق لواقع القطاع واقتراح البدائل تخطيطا وتتبعا وتقويما من أجل تجاوز واقع الهدر وضعف النجاعة وتحقيق الأداء والمنتوج المُنتظرَين، علاوة على توفير الشروط القانونية واللوجيستيكية لأداء الوظائف الجديدة جيدا. الكاتب العام لنقابة المفتشين