دعا الملك محمد السادس جميع الهيئات المنتخبة، بمختلف مستوياتها، إلى الالتزام الدائم بالمفهوم الجديد للسلطة، بكل أبعاده؛ موضحا، في الخطاب الذي وجهه أول أمس، إلى المغاربة بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء، أن المنتخب «يجب أن يكون في خدمة المواطن، وأن يرقى إلى مستوى الثقة التي وضعها فيه، بعيدا عن أي اعتبارات شخصية أو فئوية ضيقة». وأهاب الملك بجميع الفاعلين والمسؤولين في مختلف المؤسسات أن يكونوا في مستوى الأمانة الملقاة على عاتقهم، بعدما ذكّر بالمكتسبات الهامة التي تم تحقيقها والمتصلة أساسا بالإصلاحات الجوهرية السياسية والمؤسسية العميقة، والأوراش التنموية الهيكلية، ومبادرات تعزيز التماسك الاجتماعي، وضمان العيش الحر الكريم.. وحمل الملك الجزائر والبوليساريو دون تسميتهما مسؤولية استمرار النزاع في الصحراء، مشيرا إلى حرص المغرب القوي على الدفع قدما بمسار المفاوضات، على «أساس ثوابت المفاوضات وأهدافها، كما حدد ذلك مجلس الأمن»، هذه المفاوضات التي اعتبر الملك أنها «لم تفض، إلى حد الآن، إلى التوصل إلى الحل السياسي التوافقي والنهائي المنشود، بفعل غياب الإرادة الصادقة لدى الأطراف الأخرى، وتماديها في خطة العرقلة والمناورة». وفي تعليقه على الخطاب الملكي، قال المحلل السياسي محمد ضريف، إن عودة الخطاب الملكي إلى الحديث عن المفهوم الجديد للسلطة يدخل في نطاق حث المؤسسة التشريعية على القيام بالأدوار المنوطة بها، بما يتطلبه تنزيل الدستور الجديد من فاعلية، وتكميلا لما جاء في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية قبل أسابيع. واعتبر ضريف، في اتصال أجرته معه «المساء» أن المفهوم الجديد للسلطة لم يغب في جوهره عن مختلف الخطابات الملكية منذ نونبر سنة 1999، وإن اتخذ أشكالا مختلفة، ارتبطت بالإدارة الترابية بعيد إبعاد إدريس البصري من وزارة الداخلية، وانتقل إلى إصلاح القضاء في خطاب 2008، الذي أكد على إعطاء مفهوم جديد للعدالة. من جهة ثانية، أشار المحلل السياسي إلى الجديد الذي حمله تناول الخطاب الملكي لقضية الصحراء، حيث حمل إشارات واضحة إلى تفهم الأممالمتحدة للموقف المغربي، الذي ظل دائما يؤكد على محورية دور الجزائر في حل النزاع، وهو ما جعل روس يصرح أمام الأحزاب المغربية بأن مهمته أصبحت تتضمن تحسين العلاقات المغربية الجزائرية، وإن بشكل غير رسمي. إلى ذلك ذكر الملك في هذا الخطاب بموقف بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، الواضح والذي عبر عنه مؤخرا، حيث قال «ونود التذكير بالموقف الواضح الذي عبر عنه مؤخرا السيد الأمين العام للأمم المتحدة، والذي يشدد على أنه من مهام الأممالمتحدة، بموازاة مع مواصلة المسار التفاوضي، التشجيع على تطوير العلاقات المغربية الجزائرية، التي ما فتئ المغرب يدعو إلى تطبيعها، بما فيها فتح الحدود، وذلك في تجاوب مع عدد من الدول والمنظمات الدولية». وأوضح الملك محمد السادس أن المغرب «يؤكد على ضرورة الالتزام بمعايير البحث عن التسوية٬ وخاصة التحلي بالواقعية وروح التوافق الإيجابي٬ وهو ما تجسده المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تحظى بالدعم المتزايد للمجتمع الدولي»، مجددا نداءه «للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين للقيام٬ بحكم مسؤولياتها في مجال الحماية٬ والالتزامات الدولية للجزائر٬ باعتبارها بلد الاستقبال٬ بتسجيل وإحصاء سكان المخيمات٬ تطبيقا لقرارات مجلس الأمن لسنتي 2011 و2012». ودعا الملك المجموعة الدولية إلى «الانخراط القوي لوضع حد للمأساة٬ التي يعيشها أبناؤنا في تندوف داخل التراب الجزائري٬ حيث يسود القمع والقهر واليأس والحرمان بأبشع تجلياته٬ في خرق سافر لأبسط حقوق الإنسان». وشدد الملك أن المغرب لن يسمح، «في كل الظروف والأحوال٬ بأن يكون مصير صحرائه رهين حسابات الأطراف الأخرى٬ ومناوراتها الفاشلة»، و»سيواصل مسيرات التنمية والتحديث في الصحراء بمزيد من العزم والجهد الدؤوب»، وذلك من «منطلق إيمانه القوي بعدالة قضيته٬ وصواب توجهاته٬ ووعيه الكامل بواجبه تجاه سكان صحرائه». وعبر الملك عن الالتزام بتفعيل الجهوية المتقدمة٬ وجعل الأقاليم الجنوبية في صدارتها، «لما تتيحه من مشاركة السكان في تدبير شؤونهم المحلية٬ ومساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة٬ ولما توفره من أجواء تعبوية٬ تقوم على حركية مجتمعية واعدة٬ تفرز نخبا جديدة٬ ولاسيما من النساء والشباب٬ في إطار تداول ديمقراطي مفتوح على السلطة». واعتبر الملك محمد السادس أن النظام المغاربي الجديد أصبح اليوم٬ وأكثر من أي وقت مضى٬ ضرورة ملحة٬ تتعين ترجمتها إلى واقع حقيقي وملموس٬ لبناء البيت المغاربي المشترك، وهو «ما يحتم على الدول المغاربية الخمس الالتزام بالقطيعة مع منطق الجمود٬ الذي يرهن مستقبل الاتحاد المغاربي٬ بل ويجعل منه المشروع الاندماجي الجهوي الأقل تقدما بقارتنا الإفريقية»، يقول الملك. وأشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب «سيواصل تعزيز علاقاته بالدول الإفريقية الشقيقة٬ سواء على المستوى الثنائي أو الجهوي٬ رغم تمادي البعض في التشبث بموقف متجاوز٬ يستند إلى أطروحات عقيمة وغير قابلة للتطبيق٬ في تجاهل وتناقض مع التطورات الموضوعية التي يعرفها ملف الصحراء المغربية».