الرباط .. لقاء تواصلي لتقديم المضامين الرئيسية لمقترحات مراجعة مدونة الأسرة    أزمة عميقة في شباب بلوزداد بعد "سداسية" الأهلي: اشتباك بين نجم الفريق ومدربه    المغرب فكك 123 شبكة إجرامية تنشط في الهجرة السرية خلال سنة 2024    حصيلة: العقوبات التأديبية بحق موظفي الأمن الوطني تراجعت ب50 في المائة هذا العام    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث            احتفالا بالصناعة التقليدية المغربية.. حفل انطلاق النسخة الثانية من برنامج" الكنوز الحرفية المغربية"    الفصائل السورية تتفق مع أحمد الشرع على حل نفسها والاندماج مع وزارة الدفاع    التوفيق يقدم رؤية عميقة حول العلاقة التي تجمع إمارة المؤمنين بالعلماء ويُبرز آليات إصدار الفتوى في حالة مدونة الأسرة    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    النسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين بالفوج 39 للقوات المسلحة الملكية بجرسيف        الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة    توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي            "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    تركيا: مقتل 12 شخصا على الأقل في انفجار في مصنع ذخيرة    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي            مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة    مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المساء» ترصد محنة المتقاعدين في المغرب
جلهم يصاب بأمراض مزمنة ويضطر للبحث عن عمل بديل تجنبا لتهميش الأسرة والمجتمع
نشر في المساء يوم 01 - 11 - 2012

تشير الإحصائيات إلى أن عدد المتقاعدين في المغرب وصل إلى مليونين و800 متقاعد، 16 % منهم فقط،
هم الذين يحصلون على التقاعد، بأجر لا تتعدى قيمته 1000 درهم، حيث تتنوع أنظمة التقاعد لكنها تبقى ضعيفة، و لا تمثل إلا 30 %. من الساكنة النشيطة، بالرغم من أن كلفتها تقدر ب3 % من الناتج الداخلي الخام. أرقام وإحصائيات تؤكد ضعف التغطية الاجتماعية التي تبدو جلية في الواقع، إذ يجد المتقاعد المغربي نفسه عند نهاية عمره الوظيفي وسط مشاكل اجتماعية واقتصادية، تجعله يبحث عن عمل وإن كان هامشيا من أجل توفير مستلزمات الحياة.
تختلف معاناة المتقاعدين المغاربة، الرجال منهم والنساء أثناء مرحلة التقاعد، تبعا لاختلاف طبيعة العمل الذي كانوا يشتغلون فيه، فكثير من العاملين السابقين سواء في القطاعين الخاص أو العام يتناسون في لحظات ما يعرف بنهاية الخدمة «التقاعد»، مما يجعل الكثير منهم، عندما يحالون وفي غفلة منهم على التقاعد يصابون بصدمة نفسية، ناتجة عن عدم تصديقهم للأمر ومباغتة العمر لهم، وعدم تقبلهم لأن يتحولوا من معيل للأسرة إلى عالة عليها، وقد يتأثر البعض إلى درجة إصابتهم ببعض الأمراض المزمنة، كأمراض القلب والشرايين، لإدراك المتقاعد أو المتقاعدة ما ينتظره حين نهاية الخدمة، والتحول من شخص منتج إلى غير منتج، اللهم القلة منهم ممن يشتغلون في القطاع العام، حيث يخططون مسبقا للتقاعد، بخلق مشاريع تحميهم من الحاجة المادية في أرذل العمر.
تهميش أسري ومجتمعي، مصير يطارد غالبية المتقاعدين المغاربة، خاصة منهم العاملون في وظائف بأجور متدنية وفي سلالم إدارية متوسطة أو في القطاع الخاص، حيث يجدون أنفسهم أمام راتب هزيل، يجعلهم يندمون على سنوات العمر التي أفنوها في العمل، الذي لم يقهم حاجة البحث عن آخر جديد، كيفما كان نوعه، المهم أنه يكفيهم مد اليد والسؤال من أجل توفير احتياجاتهم الحياتية والصحية، شأن «با الحاج» كما يحلو للأطفال المناداة عليه، حيث اضطر للعمل كسائق حافلة في مؤسسة تعليمية خاصة، بأجر لا يتعدى 2000درهم، بعدما أفنى العمر كسائق في شركة خاصة لما يزيد عن 40 سنة، ليضطر للبحث عن عمل، بعد نهاية خدمته بالشركة، رغم معاناته من مرض مزمن يرتبط بالجهاز التنفسي، ويقول «بعدما بلغت من العمر 66 سنة، اشتغلت سائقا لحافلة نقل مدرسي للأطفال، لأجل توفير دخل إضافي لأسرتي، خاصة أن راتبي من التقاعد لا يتعدى 500 درهم شهريا، لا تكفي حتى لتأدية مصاريف كراء منزلي المتواضع.
معاناة «با الحاج» لا تختلف عن معاناة العديد من المتقاعدين الذين استقت «المساء» آراءهم، كما هو الحال بالنسبة إلى مصطفى البالغ من العمر 60 سنة، والذي يشتغل حارسا للسيارات ليلا وبائعا للسجائر نهارا، يحكي مصطفى -الذي كان يشتغل في الفصالة في معمل للخياطة في البيضاء- «لم يستطع يوما شاب منافستي في عملي الذي أجيده وأتقنه، لكني لم أدرك أن الزمن سيكون منافسي الأول والأخير، بعد أن باغتني المرض وأصيبت يداي بالرعاش، مما دفع مدير الشركة إلى الاستغناء عن خدماتي، بدعوى عجزي عن أداء عملي بنفس الجودة والإتقان كما في السابق، خاصة أني لم أعد أقوى على التحكم في آلة الفصالة الكهربائية التي تقص الثوب».
أما الحاج عمر، جندي متقاعد، فاضطر للعمل كسائق سيارة أجرة، من أجل تغطية مصاريف أسرته، حيث لا يتعدى راتبه من التقاعد 500درهم شهريا، إذ يكشف عن معاناته مستنكرا «كيف سأعيش براتب شهري لا يكفي لاقتناء مستلزمات يوم فبالأحرى شهر، حيث أصرف ضعفه فقط على العلاج، ومن أين سأدفع واجب الكراء وفاتورة الماء والكهرباء،إن لم أشتغل بالرغم من أن صحتي لم تعد تسعفني لذلك، وأنا على مشارف السبعين من عمري.
المرأة المتقاعدة.. معاناة مضاعفة
إذا كان الرجل المتقاعد يستطيع إيجاد بدائل لتزجية الوقت إما بمرافقته الأصدقاء أو العمل -وإن كان في مهن هامشية- فإن المرأة المتقاعدة لا تستطيع ذلك، إذ يحكم عليها بأن تقضي ما تبقى من عمرها بين أربعة جدران، حيث تصبح في نظر الكل «منتهية الصلاحية» إلا من وظيفتها في المطبخ وتربية الأحفاد.
وتلخص عيشة نظير (موظفة سابقة في شركة خاصة) معاناتها في انعدام المرافق المخصصة للمتقاعدين من أجل مزاولة بعض الأنشطة الحيوية بعيد إحالتهم على التقاعد، لحمايتهم مما يلاقونه من المجتمع الذي ينظر للمرأة المتقتعدة خاصة، كونها مجرد مسنة، انتهت أيامها ولا تفعل شيئا، سوى الاستهلاك والتذمر وتضييق الخناق على زوجها وأولادها وزوجاتهم، بخلاف ما هو موجود مثلا في أوروبا، حيث تستعين كبريات الشركات بذوي الخبرة من المتقاعدين بتشغيلهم كمستشارين أو مدربين للجيل الجديد من الموظفين، أما في المغرب، تضيف عيشة، فلا أحد يفكر في الاستفادة من تجارب المتقاعدين والمتقاعدات، وببساطة تصبح المرأة والرجل، اللذين أفنيا العمر في العمل بجد على هامش المجتمع، بل وعبئا عليه.
سجينة المطبخ ومربية للأحفاد
تعبر شاشاوني فاطمة (منظفة متقاعدة) عما لاقته بعد نهاية خدمتها في الشركة التي أفنت العمر كله في خدمة موظفيها قائلة: «وجدت نفسي فجأة سجينة المطبخ بعد أن عملت لأكثر من 26 سنة في مؤسسة عمومية، أقوم بأشغال المنزل كل يوم، وأعد ساعات الأسبوع وعدد أيامه، في انتظار راتبي الذي لا يتعدى 400 درهم على رأس كل شهر».
وتواصل قائلة: «كنت أعيل أبنائي الذين لم أبخل على أحدهم بالتعليم الجيد، إيمانا مني بأن أحسن استثمار يكون في الأبناء، وليس في الشقق والمحلات، لكني اكتشفت أنني كنت مخطئة، حيث أعاني اليوم من إهمال أبنائي الستة، الذين جعلوا مني خادمة لزوجاتهم ومربية لأبنائهم، مما جعلني أستغل بعض الوقت، لربط علاقات مع نساء الحي اللائي أبيع لهن الملابس وكذا مواد التجميل من أجل توفير مبلغ مالي محترم يكفيني مد اليد للأبناء.
ولم تسلم (خ.ب) وهي سيدة مسنة تبلغ 74 سنة من عمرها، من جحيم ما بعد التقاعد، إذ اضطرت إلى العمل في بعض مقاهي البيضاء ليلا، وبيع الخبز قرب السوق المركزي «باب مراكش» مساء، لتوفر دخلا إضافيا إلى معاشها الذي يبلغ 350 درهما. (خ.ب) قضت 30 سنة عاملة في مؤسسة تعليمية، لتجد نفسها بعد التقاعد ضحية وضعية مادية مزرية لا تساعدها على العيش حياة كريمة . «أنا شرفت ومازال في الشارع كنلقط رزقي باش نعيش».
«عفريت ولامول لانتريت»
حينما يتقاعد الزوج من وظيفته ويصبح بلا عمل، يقضي ساعات طويلة في البيت، حيث تبدأ معاركه اليومية، خاصة مع الزوجة، على أتفه الأمور بسبب ملاحظاته الكثيرة على كل ركن وزاوية في البيت، حيث تجده يتذوق هذا الطعام ويشم الآخر، وينادي بأعلى صوته: «أطفئوا الأضواء وافتحوا الشبابيك» ..الخ.
صراخ وأوامر لا تنتهي تجعل الزوجة تشعر بالحسرة على الماضي، وتعتبر التقاعد سجنا لها وتقييدا لحريتها وتدخلا صرفا في مسؤولياتها كامرأة في بيتها.
لخصت مينة حديثها بالقول: «عفريت ولا مول لانتريت»، حيث بدأت معاناتها مع زوجها بعد إحالته على التقاعد، ومكوثه في البيت لساعات طويلة، مما يجعله كثير الملاحظات، والأوامر التي لا تنتهي.
وتشاطرها الرأي الحاجة السعدية قائلة: «لم يعتد زوجي طوال عمره أن ينتبه لصغائر الأمور مثل عدم ترتيب غرفة النوم، أو التأخر في تنظيف الحمام وغسل الأواني بعد وجبة الفطور وسقي النباتات المنزلية.. إلخ.
وهذا ما تعتبره المتحدثة ذاتها شيئا طبيعيا بالنسبة إلى رجل اعتاد قضاء 12 ساعة من يومه خارج البيت، أمّا وقد اختلف وضعه المهني، فلم يعد أمامه غير تلك المهام لكي ينتبه إليها ويلاحظ أوجه التقصير فيها، لكن الأمر ليس من السهل علي تقبله، تضيف، «حيث أصبت بمرض السكري بمجرد تقاعده، نتيجة عدم قدرتي على تحمل مشاحناته ومناقراته اليومية، وتدخله في علاقاتي مع الجيران ورغبته الملحة في قطعها لأنه يراها لا تناسبني وتشغلني عنه وعن بيتي، علما أنها ليست صداقات وليدة اليوم، بل لدي صديقات منذ ثلاثين سنة، مما جعلني أعتبرهن مثل قريباتي».
الحاجة فاطنة تؤيدها قائلة: «أقلق التقاعد راحتي وحرمني من النوم ومتعة اللقاء بصديقات العمر، وكذا من أداء الصلوات الخمس في المسجد.
فبعدما كنت أستيقظ متى شئت، أصبحت مجبرة على الاستيقاظ في الخامسة صباحا، وتحضير وجبة الفطور والتي يلزمني بتناولها معه، كما حرمني من الجلسات المسائية مع الجيران، والذي يزعجني أكثر أنه يلزم الجميع أن يخلدوا للنوم عند الساعة التاسعة مساء».
«المتقاعد» رأسمال تجارب يستغنى عنه
وفي السياق ذاته، أكد سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، أن التقاعد مرحلة طبيعية يدخل معها ملايين البشر في مرحلة استراحة جزئية ومستحقة من وتيرة العمل المرتفعة والدائمة، لكن ما يحدث هو أن المتقاعد في المغرب يقع ضحية الصورة الاجتماعية المشوهة التي رسمت للمتقاعد، والتي ارتبطت بها مخططات التنمية البشرية الاجتماعية، حيث أنتجت لنا صورة المتقاعد «الموت قاعد» كما يطلق عليه المتقاعدون في فكاهاتهم المرة، المتقاعد «الذي لا فائدة منه»، والذي يضيق من وجوده الجميع، فلا يجد إلا زوايا الأزقة لتمضية ساعات النهار في لعب «الضاما»، فهل هذه هي حقيقة المتقاعد الذي أفنى حياته في العمل والعطاء لبلده، والذي هو في الواقع محل تقدير واحترام في أسرته، ومحيطه الاجتماعي لسنه وخبرته الاجتماعية التي تؤهله للقيام بأدوار لا يستطيع القيام بها غيره، أين هذه الصورة الإيجابية في الواقع وفي وسائل الإعلام، في مقابل تلك الصورة الأخرى البائسة التي تسوق عن المتقاعدين فتصنع الرأي العام بموقفه السلبي من هذه المرحلة ومن أصحابه، لذلك يفترض تغيير هذه النظرة السلبية عن المتقاعد وجعله محل رعاية وتكريم، ليس فقط من الجانب المادي والاجتماعي، بل كذلك من حيث الاستفادة من خبراته وتجاربه، فبمراجعة لسياسات الموارد البشرية في العالم اليوم، نجد تركيزا على الخبرة، واستثمارا في الرأسمال البشري المؤهل، واستفادة من ذوي التجربة في مواقع الاستشارة وإفادة الأجيال الجديدة من العاملين، فهل يعقل أن الطبيب الجراح أو الأستاذ الجامعي أو القانوني يحال على التقاعد في سن محددة، يكون فيها غالبا قد وصل مرحلة التمكن واكتساب الخبرة العالية كمرجع في مجال تخصصه، ليدفع به إلى الراحة الإجبارية فتحرم الأجيال اللاحقة من زملائه في المهنة من خبراته؟! لماذا نجد في الدول المتقدمة أن العامل، وخاصة المؤهل كالتقني أو الخبير، يعاد استثماره في صيغ تعاقدية تستفيد من كفاءاته ما دام قادرا؟ فضلا عن «ذوي الياقات البيضاء» من الأطر العليا التي لا تكاد تعرف هناك تقاعدا مهنيا ما دام بإمكانها العطاء.
أما عن الإجراءات الحكومية، فقد تضمن البرنامج الحكومي إشارات تعبر عن النية في الإصلاح المندمج لنظام التقاعد، وتوسيعه ليشمل المهن الحرة، وتحسين حكامة صناديق التقاعد التي تمثل مشكلا حقيقيا، فنرجو أن تترجم هذه الإجراءات على أرض الواقع، ويعاد للمتقاعد المغربي اعتبراه بتحسين واقعه المعيشي الذي يضمن كرامته الإنسانية والإجتماعية.



الهاكش: نظام التقاعد مشتت وموقف الحكومة غير واضح
- كيف تقيّم الواقع الحالي لنظام التقاعد المغربي؟
أصبح التقاعد، كوضعية نهائية في المسار الوظيفي والمهني للأجراء والطبقة العاملة بصفة عامة، يحظى باهتمام متزايد من طرف كل المتدخلين من أجراء ونقابات وكذا المؤسسات المسؤولة عن نظام التقاعد، بحكم ما يعرفه هذا الأخير من اختلالات قد تقوده إلى أزمة خطيرة في غياب إصلاح حقيقي، يراعي مصالح الأجراء ومكتسباتهم، ومن ثمة فالتعبئة حول التقاعد تزيد أهمية باعتباره عنصرا أساسيا من الحماية الاجتماعية، إلى جانب التغطية الصحية والتعويضات العائلية والتأمين عن حوادث الشغل والتعويض عن البطالة (غير موجود حاليا بالمغرب)، مما يتطلب من القوى السياسية والنقابية والحقوقية التقدمية والديمقراطية المدافعة عن الطبقة العاملة العمل على التصدي لكل المخططات الرامية إلى التراجع عن مكتسبات الأجراء، ولملامسة الواقع الحالي للتقاعد لا بد من الوقوف على بعض المعطيات المرتبطة بنسبة التغطية التي لا تتعدى 30 بالمائة، وعدد المسنين الذي وصل إلى 2.8 مليون سنة 2012:
- عدد السكان النشيطين المشتغلين لا يتعدى 10.3ملايين.
- عدد المتقاعدين 554.461، موزعة حسب الصناديق:
- الصندوق المغربي للتقاعد 164.030.
- الصندوق المهني المغربي للتقاعد 93.666.
- صندوق الضمان الاجتماعي 221.885
- النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد74.880.
- عدد الأرامل : 297.683.
- معدل المعاش حسب الصناديق:
- الصندوق المغربي للتقاعد 4730 درهما.
- الصندوق المهني المغربي للتقاعد 2186 درهما.
- النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد1694درهما.
- الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 1115 درهما.
أما فيما يتعلق بطبيعة نظام التقاعد المغربي فيمكن وصفه ب:
-التشتت: فبالإضافة إلى انقسامه إلى نظام خاص ونظام عام أو عمومي ووجود صندوقين في كل منهما، هناك مجموعة من الصناديق الداخلية لبعض المؤسسات والمنشآت العمومية كقطاعي الطاقة والفوسفاط، مما يدفعنا إلى الحديث عن أنظمة التقاعد بصيغة الجمع بذل نظام التقاعد.
وتجدر الإشارة إلى أنه رغم تنوع أنظمة التقاعد تبقى نسبة التغطية ضعيفة وتمثل 30 بالمائة من الساكنة النشيطة, لكن كلفة النظام تقدر ب3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام, ويرجع ضعف التغطية جزئيا إلى هيكلة سوق الشغل وإلى تملص الباطرونا من التصريح بالعمال.
-عدم التجانس: هناك اختلافات مهمة ملحوظة في نسب الاقتطاعات والمساهمات وطريقة صرف المعاشات والتمويل، مع الإشارة إلى أنه من أجل اكتساب الحق في المعاش، بالنسبة للأجير المنخرط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يجب أن يراكم 3240 يوم عمل، وفي هذا الصدد تم خلال الحوار الاجتماعي الأخير الاتفاق على مراجعة هذا الوضع وعلى المجلس الإداري للصندوق إيجاد الصيغة المناسبة، بالإضافة إلى غياب التمثيلية النقابية وتعدد الوصاية.
بوصفك مهتما بملف التقاعد، ما معالم الأزمة التي يتخبط فيها نظام التقاعد بالمغرب؟
ظهرت بوادر الأزمة الحالية منذ عدة سنوات، لكن القائمين على الأمور واجهوها بالتجاهل واللامبالاة، رغم إلحاح الاتحاد المغربي للشغل منذ 1988 ومطالبته بالوقوف على أبعاد الأزمة وعلى سبل معالجتها، وتأتي المناظرة الوطنية حول إصلاح أنظمة التقاعد بعد 15 سنة.
فإذا كنا نعني بالأزمة عجز الصناديق، بمعنى اضطرارها إلى استعمال احتياطاتها في أداء المعاشات إلى حدود نفادها، فالأمر يشير إلى أن هناك أزمة داهمة في الوقت الحاضر، باستثناء نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد، الذي يهم 18 في المائة من المساهمين، لتستثنى المعاشات العسكرية التي لم تتم دراستها.
وهكذا يتضح أن الأزمة التي يتم تداولها بشكل كبير ومعمم محددة في الوقت الراهن على مستوى نظام المعاشات المدنية، الذي ينخرط فيه إجباريا الموظفون المرسمون والمتمرنون ورجال القضاء وقضاة المجلس الأعلى للحسابات والمتصرفون والمتصرفون المساعدون بوزارة الداخلية والموظفون.
- وما تقييمك لعمل الحكومة الحالية في تدبيرها لملف التقاعد وتحسين وضعية المتقاعدين؟
موقف الحكومة غير واضح إلى حد الساعة، إذا استثنينا بعض التصريحات المتناثرة هنا وهناك، والتي تطرح بالأساس أزمة الصندوق المغربي للتقاعد. وقد لاحظنا أن الحكومة عبر تصريحها أمام البرلمان لم تطرح معاناة المتقاعدين والمتقاعدات، ولم يتم التنصيص على تحقيق معاش، يضمن عيشهم الكريم واقتصرت على ما تعتبره مهما، وهو التوازن المالي وديمومة الصناديق. إن موقف الحكومة لن يتضح مادامت لم تعقد اللجنة الوطنية اجتماعها لمناقشة خلاصات اللجن التقنية، لإصلاح أنظمة التقاعد التي تابعت الدراسات التي تمت في هذا الإطار واتخاذ الموقف السياسي الذي يجيب عن: أي تقاعد نضمنه للمواطن المغربي والمواطنة المغربي ليعيش كريما في بلده المغرب الذي يملك من الخيرات ما لا يحصى( البحار، الرمال، المناجم، الأراضي الفلاحية، الغابات...)؟
- وما تعقيبك على مشروع قانون المالية لسنة2013 والذي يقال إنه لم يتضمن إصلاحات جذرية في نظام التقاعد؟
لا أعتقد أن مشروع الميزانية يتضمن حلا جذريا لإشكالية التقاعد، وكل ما يمكن أن يتطرق إليه هو معالجة ظرفية لأزمة الصندوق المغربي للتقاعد على ضوء ما قد يقترحه المجلس الإداري لهذا الصندوق، والذي لم ينعقد بعد.
وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن الممثلين النقابيين باللجنة التقنية يرفضون هذه المعالجة الجزئية ويحملون مسؤولية مشكل الصندوق للدولة المشغلة التي على كاهلها ديون كثيرة يجب أداؤها قبل التوجه إلى الموظف والموظفة لتحميلهم أسباب الأزمة.
- وماذا تقترح للخروج بنظام التقاعد من أزمته وإنصاف المتقاعدين ومساعدتهم لتجاوز محنهم الاجتماعية والاقتصادية؟
فعلا، المتقاعدون والمتقاعدات وذوو الحقوق يعيشون أوضاعا مزرية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وأن ما يحصلون عليه من معاشات لا يكفيهم حتى لتسديد واجبات الماء والكهرباء. إن هذه الفئة قليلة بالمقارنة مع المحرومين من الاستفادة من التقاعد، الذين يعيشون في كنف عائلاتهم إن كانت لهم عائلات، الشيء الذي يبدو جليا في امتهان الشيوخ لحراسة السيارات أو التسول أو التشرد. إن تحقيق إصلاح حقيقي للتقاعد ومنظومة الحماية الاجتماعية بصفة عامة تقتصي إرادة سياسية حقيقية تجعل مبدأ التوزيع العادل لخيرات البلاد هدفها، و محاربة الفساد والريع الاقتصادي والتملص الضريبي آلياتها، لأن محاولة معالجة التقاعد بمعزل عن الأجور والتغطية الصحية والتعليم العمومي لن ينتشل المتقاعدين والمتقاعدات من ظروفهم المعاشية المتدهورة. إلى جانب تعميم التقاعد ليشمل أكبر نسبة من الساكنة النشيطة، لكون ذلك شرط أساسي في مجال الإصلاح المنشود.
محمد الهاكش الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي الاتحاد المغربي للشغل وعضو اللجنة التقنية لإصلاح انظمة التقاعد





حسناء زوان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.