شمس حارقة.. غبار خانق.. وجوه مكفهرة... تلك هي المعالم التي تنبئ الزائر بأنه على مشارف سوق الغنم بإنزكان، الذي يعتبر واحدا من أشهر أسواق الأغنام بجهة سوس ماسة درعة وملتقى كل تجار البهائم على اختلاف أنواعها من أغنام وأبقار.كما أنه السوق الفريد من نوعه الذي يزود الجهة بمختلف الحيوانات المنتجة للحوم الحمراء في عيد الأضحى. يكتسي هذا السوق صبغة خاصة، حيث يتربص به التجار من أجل غفلة عابرة، كما أنه السوق الذي يحدد رواجا كبيرا ويستقطب أعدادا كبيرة من التجار ومن الكسابة و»الشناقة» واللصوص أيضا، رغم أن المصالح البلدية قامت بنقل مكانه من قرب السجن المدني إلى المنطقة الجنوبية الشرقية حيث مساحة شاسعة، وتمت إحاطته بسياج وتوفير رجل الأمن بالمكان وتنظيم مرابد السيارات. طاح «الشناق»على خوه تكاد لا تجد داخل سوق إنزكان للبهائم كما هو معروف أثرا للكسابة، الذين نقلوا ما لديهم من أغنام وماعز من أجل بيعها، بل يصدمك منظر جيش من «الشناقة» لا يخفون على أحد، إذ لا يحتاج الزائر إلى ذكاء كبير من أجل اكتشافهم، فأولى العلامات الدالة عليهم «الحذق» الذي يبدونه وطلاقة اللسان التي يحاولون بها إقناع الزبناء، وعباراتهم المسكوكة التي قد ينخدع بها من دخل السوق لأول مرة، أما من خبر أساليبهم فلن تطلي عليه حيلهم. وهم عادة ما يحملون في أيديهم «هراوة» وفي اليد الأخرى هاتفا نقالا لا تكاد تظهر أرقام لوحته يستخبرون به أحوال الأسواق المجاورة ويتصيدون أي «غفلة»، وقد تفاجئك السرعة التي يقررون بها الانتقال من سوق إلى آخر لوجود شاحنة صغيرة من نوع بيك آب في الانتظار. ربح فاحش من المناظر المزعجة داخل سوق الأغنام بإنزكان منظر «شناق» يتشاجر مع «شناق» آخر حول ثمن بعض الخرفان والمعركة كلها مصطنعة من أجل الإيقاع بزبون متردد لازال يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وينتظر لعل قلب البائع يحن لحاله ويتنازل عن 100 درهم أو أقل يطمع فقط أن يصرفها في نقل الخروف إلى بيته، وأن يشتري بما تبقى بضعة كيلوغرامات من العلف فيما تبقى من الأيام لعيد الأضحى. وكلما ارتفع الشجار بين الطرفين زادت رغبة المشتري، لكن فجأة يختفي «الشناق»الذي كان «يزايد» فيضطر الزبون المتردد للتوكل على الله خوفا من عودة ذلك «الشناق»، الذي رفع الثمن عاليا. وهكذا يتكرر المنظر ليكتشف الزبون أن مبالغ مالية تمت إضافتها عليه بين مزايدة وأخرى، ويعود «الشناق»لاقتسام الأرباح مع صديقه في انتظار زبون «مغفل» آخر. كما أن تحالف «الشناقة» يظهر بشراسة عندما يتعلق الأمر بأحد «الكسابة» الذين يدخلون السوق ويحذوهم الأمل في أن يبيعوا ما بحوزتهم من أغنام وأن يشدوا الرحال إلى قراهم، حينذاك يسيل لعاب «الشناقة» فيستعملون كل أنواع الضغط والإغراء والمساومة والتهديد أحيانا لاقتناص الفرصة. منظر الهاتف النقال الذي يرن بكل رنات الشعبي والعصري داخل سوق الأغنام بإنزكان بات مؤلوفا، فأغلب المكالمات تتبادل المعلومات حول أثمنة الأكباش بالأسواق المجاورة. يتم ذلك على مدار الساعة، حيث إن أثمنة جميع الأسواق أصبحت متقاربة، وهو ما أضحى نوعا من التحكم في السوق بطريقة ماكرة، فحتى الزبون الذي يرغب في الانتقال إلى سوق آخر لعله يجد ضالته لا يستطيع ذلك لأن الهاتف أصبح يوحد الأثمنة كأننا في بورصة محكمة التنظيم ودائمة التواصل، مما تسبب في ارتفاع أثمنة الأضاحي، رغم وفرة العرض لأن «الشناقة» وحدهم من أحكموا قبضتهم على السوق وأصبحوا يتحكمون في الأسعار ويرفعونها وفق مزاجهم، ومن خلال حالة رصدهم لحال الأسواق، متتبعين حركة الزبناء. ضيعات اشتوكة بسبب الحالة غير الواضحة التي أضحت عليها أغلبية أسواق الجهة، فإن بعض الأشخاص أصبحوا يلجؤون إلى العلاقات الشخصية والقرابات العائلية من أجل توفير أضحية العيد عن طريق أشخاص أغلبهم من الفلاحين و»الكسابة»، الذين يعدون مجموعة من رؤوس الأغنام للعيد ويقومون بتسويقها داخل ضيعاتهم بأثمنة مناسبة ويتم الاحتفاظ بها داخل هذه الضيعات إلى حين حلول ليلة العيد ليتم توزيعها على أصحابها. ويتم ترويج هذه البضاعة عن طريق العلاقات الخاصة وزبناء خاصين يفضلون عدم الخروج إلى الأسواق وأن لا يرتهنوا لتعسفات «الشناقة»، بل يقبلون بالثمن مقابل بضاعة جيدة. وقد أجمعت التصريحات التي استقتها «المساء» من داخل السوق أن جميع المواطنين استسلموا للأمر وأصبحوا يخففون عن أنفسهم لوعة ارتفاع ثمن الأضحية بأن الأمر قضاء وقدر وما عليهم إلا مزيد من التحمل من أجل القيام بهذا الواجب الديني المتمثل في أضحية العيد، ممنين النفس على أن هذه المحنة زائلة لا محالة بما مرت بها غيرها من المحن السالفة، والأمر لله من قبل ومن بعد. من الحوادث التي سجلت بسوق إنزكان للبهائم المثير للجدل حادث أحد «الكسابة»، الذي تعرض لعميلة نصب واحتيال، حيث قام ببيع قطيع من الأغنام بالجملة لأحد «الشناقة»، وبعد التفاهم على الثمن الذي بلغ ثمانين ألف درهم تسلم «الكساب» المبلغ كاملا وبعد أن خلا بنفسه وقام بإعادة النظر في المبلغ الذي تسلمه وقام بإعادة عدته اكتشف أن المبلغ المالي مجرد أوراق مالية مزورة فكانت صدمته قاسية.