مرة أخرى يستفيق سكان المدينة القديمة على فاجعة إضافية، ولكنْ هذه المرة لا علاقة لها بمسلسل انهيار المنازل، بل بحريق اندلع في حي "موحا وسعيد" ليلة الأربعاء -صبيحة الخميس في محل لبيع الخشب يطلق عليه سكان المدينة القديمة "الفندق". وقد تسبب هذا الحريق في أضرار مادية جسيمة بالنسبة إلى السكان وفي وفاة سيدة في حي "الرماد"، المتاخم لزنقة موحا وسعيد. ويطالب مجموعة من السكان بضرورة إزالة سوق الخشب من وسط الحي، لأنه يُشكّل خطورة على حياتهم. قبل أن تصل إلى زنقة «موحا وسعيد» في المدينة القديمة للدار البيضاء، تدرك أنّ أمرا جللا وقع في هذه الزنقة والأحياء المجاورة لها، فقد رُكنت سيارات رجال الأمن والقوات المساعدة قرب المكان، بينما يمر مواطنون من زنقة «موحا وسعيد» وهم يتهامسون في ما بينهم حول ما وقع ليلة الأربعاء -الخميس.. حكايات كثيرة لسكان هذه المنطقة حول ما وقع، لكن النتيجة واحدة، وهي أنه اندلع حريق في «سوق لْخشب» وأن ألسنة النيران تجاوزت السوق لتصل إلى مجموعة من المنازل الموجودة بزنقة «خليفة» ودرب «الرماد» وباقي الأزقة المجاورة. رائحة الرماد بمجرد ما تصل إلى زنقة موحا وسعيد تشم راحة الرماد ومخلفات الحريق.. نساء من أعمار مختلفة تجمّعن للحديث عن سيناريو مفزع في ليلة رعب حقيقية. كان كل شيء على ما يرام في تلك الليلة، حرارة الجو دفعت بعض السكان للسهر قليلا خارج البيوت، في حين غالب آخرين النومُ ليستفيقوا على وقع كابوس مفزع لم يكن يدور في مخيلتهم. عودة الماضي عادت ليلية الأربعاء -الخميس بسكان زنقة موحا وسعيد، والمدينة القديمة عموما، سنوات إلى الوراء، وبالضبط إلى عامي 1982 و1994، السنتين اللتين شهد فيهما الحي حريقين مماثلين، حيث اندلعت النيران في سوق الخشب، متسببة في وقوع خسائر كبيرة. حينها، اعتقد سكان هذه المنطقة أن السلطات ستتدخل من أجل إيجاد بديل لمحلات الخشب، لكي يتجنب الحي حرائقَ مشابهة، لكنْ لا شيء من ذلك حدث، فالماضي قادر على العودة من جديد، لكنْ بتفاصيل وواقع جديدة، إنّما بالنتيجة نفسها: خسائر كثيرة بالنسبة إلى السكان وأصحاب محلات بيع الخشب. الحزن الكبير تقرأ في عيون نسوة زنقة «خليفة» ودرب الرماد حزنا كبيرا بسبب الخسائر التي تكبّدتها أسرهم. ففي حدود الواحدة صباحا اندلعت النيران، وبسرعة انتشرت في بعض الأزقة المجاورة للسوق، لم يصدق السكان الخبر في البداية، لكنهم أيقنوا في الأخير أن سيعيشون كابوسا مفزعا وسيكونون مضطرين إلى ترك جميع ما يملكون ويفرّون بجلودهم خوفا من وقوع ضحايا في الأرواح، لاسيما أن منظر النيران وهي تلتهم الأفرشة كان مخيفا جدا، حسب روايات متعددة لمجموعة من مواطني الحي. كن يتجادبن الحديث في زنقة خليفة، وبمجرد ما علمن بمهمتنا الإعلامية تسابقن للحديث عن هذه ليلة الرعب: «راه في الوحدة تاعْ الليل بدات واحدْ السيدة تتغوت وتتقول طفيو الضو هبطو المكانات».. تقول إحدى السيدات، في حديثها إلى «المساء». كانت هذه السيدة تريد أن تحكيّ تفاصيل هذه الليلة منذ البداية إلى النهاية، لكن ْفي كل مرة كانت جاراتها يقاطعنها، فالجميع يريد أن يتحدث ويسرد حكاية الحريق: «راه شي وحدين كانو ناعسين وفاقو عْلى الغوات تاعْ هاذيك السيدة، وخرجنا من الديورْ ديالنا، لأننا ما قدرناش نبقاو فيهوم، راه تخلعنا بزاف.. كاينين شي عائلات كلشي ضاع ليهوم، ما بقا عاندهم والو». كانت السيدة تتحدث بعصبية، وحينما كانت توجه كلامها إلى «المساء»، ردت عليها جارتها قائلة: «راه كانو شي وحدين فايقين باش يتسحرو، حيث باقيين الناس تيصومو شوال». العديد من النساء اللواتي تحدثن إلينا بغضب شديد على القنوات العمومية، لأنها لم تغط الحديث بشكل جيد، وقالت إحدى تلك النساء: «شوف أخويا، راه التلفزة ما بيّنات والو، قالو غير سوق تاعْ الخشب تحرق وْصافي.. لم يظهروا ألسنة النيران وهي تلتهم المنازل المجاورة».. في درب الرماد لم يكن المشهد مختلفا عن زنقة «خليفة».. النساء يتحدثن وبعض الأطفال يحاولون نسيان ما وقع عن طريق اللعب. لم تكن شهادات تلك النساء وحكاياتهن عن هذه الليلة مخالفة لرواية نساء زنقة «خليفة»، وكانت كل واحدة منهن تلحّ على «المساء» على ضرورة الوقوف على حجم الخسائر، ويطالبن بإزالة السوق بشكل نهائي من هذا المكان. قالت إحداهنّ: «شوف أخويا، باغيين هاذ السوق يْحيّد منّ هنا، راه ماشي معقولْ سوق تاع الخشب يْكون وسط الديورْ.. وهادي ماشي المرة الأولى الليي وقعاتْ هذه الكارثة.. عشناها في 1981 و1994». «السلم» الخشبي في زخم الحديث حول مأساة ليلة الأربعاء -الخميس، كانت إحدى السيدات تصرّ على صحافي المساء» من أجل الصعود إلى سطح منزلها في زنقة «خليفة» للاطّلاع على حقيقة ما جرى. لم نتردد كثيرا في الاستجابة لهذا الطلب، خاصة أن آثار الحزن كانت بادية عليها بشكل كبير. وتطلب الصعود إلى السطح من هذه السيدة توفير «سلم» خشبي، لأنه لا يمكن الصعود إلى السطح إلا عن طريق هذه الوسيلة.. رغم أن مخلفات الحريق تفوق بشكل كبير أي تعليق، فإن هذه السيدة وباقي جيرانها كانوا يتحدثون عن الأضرار الناجمة عنه: «راه ما بقى عندنا والو.. كلشي ضاع، حْتى حاجة ما بْقات، والأكثر من ذلك أن الدّيور ولاتْ مهددة بالاهنيار».. وزكى شهادة هذه السيدة أحدُ جيرانها، الذي أكد الأمر قائلا: «لم يتبقّ للعائلات المتضررة من هذا الحريق شيء من ممتلكاتها، لقد فقدنا في لحطة كل شيء، فالأثاث المنزلي أصبح في خبر كان، ولم تعد سوى رائحة الرماد المنبعثة من كل مكان.. لم يعد سكان هذه المنطقة يعرفون ما يفعلون، لقد تفرقت بهم السبل، كما جاء في شهادة العديد منهم: «لا نعرف أي طريق نسلك، كل شيء ضاع، ولم نعد قادرين على الرجوع إلى منازلنا خوفا من أن تنهار فوق رؤوسنا.. لم نعد نتحمل هذا الأمر، كما أننا نرفض المكوث في أي خيمة، لا بد أن يبحثوا لنا عن حل موضوعي وأن يُزيلوا هذا السوق من منطقتنا». ورغم أن مجموعة من السكان قرروا ترك منازلهم، فإن آخريين أكدوا أنهم لن يغادروا مقرات سكانهم وأنهم مستعدون للموت فيها، كما هو الحال سيدة تقطن في حي الرماد، حيث ظلت هذه السيدة في منزلها، رغم إلحاح جيرانها عليها بضرورة اخلاء المنزل خوفا من أن يكون قد تعرّضَ لأي تشققات يمكن أن تؤدي إلى اهنياره. التعزية المأساة التي عاشها سكان درب الرماد لم تُنسهم واجب تقديم التعازي لعائلة السيدة التي وافتها المنية جراء هذا الحريق، وقالت إحدى بناتها، في تصريح ل»المساء»: «كنا نياما، وفجأة، فوجئنا بالدخان يتسرب إلى منزلنا، فهرولنا نحو الخارج.. كانت الوالدة معنا، وبعد لحظات من خروجها، بدأت تشعر بضيق في التنفس ونُقلت على الفور إلى المستشفى، وهناك سلمت الروح إلى باريها». قرب منزل المرحومة مليكة البحيري جلس مجموعة من أهالي درب «الرماد»، لتلقي العزاء في هذه السيدة ولمحاولة التخفيف عن أبنائها وغيرهم من أبناء الحي من هول الفاجعة التي حلّت بحيّهم دون سابق إنذار.