استئناف محاكمة عشرات المعارضين التونسيين بتهمة "التآمر على أمن الدولة"    "الكاف" .. خمسة مغاربة ضمن قائمة حكام مباريات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2025    ألطاف إلهية تنقذ سائق شاحنة من كارثة في أونان بإقليم شفشاون    الأمير مولاي رشيد: المهرجان الدولي للفيلم بمراكش منصة لاكتشاف المواهب وحوار الثقافات    الذهب يستقر عند أعلى مستوياته في أسبوعين    الأمم ‬المتحدة ‬تجهض ‬مناورات ‬جزائرية ‬لتحريف ‬الترجمة ‬العربية ‬لقرار ‬مجلس ‬الأمن ‬رقم 2797    "فيدرالية اليسار" تحذر من سياسة تكميم الأفواه والتعامل مع الإبداع الرقمي والفني بمنطق جنائي    الجيش الملكي ونهضة بركان في اختبار حاسم بدوري الأبطال الإفريقية            توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    مكتب الصرف يفك خيوط "خسائر وهمية" لشرعنة تحويلات نحو الخارج    تأجيل محاكمة الناصيري والبعيوي بسبب تعذر حضور أحد أعضاء هيئة الحكم    مراكش.. انتخاب الفرنسي لوكا فيليب رئيسا جديدا للأنتربول    البيرو.. السجن 14 عاما للرئيس السابق مارتن فيزكارا في قضية فساد    كتاب أبيض صيني جديد يحدّد ملامح سياسة بكين للسلام ونزع السلاح        إلياس المالكي يظفر بتنازل المشتكين    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الحسيمة.. وفاة أستاذ بعد تعرضه لنزيف على مستوى الرأس اثناء لقاء تربوي        الولايات المتحدة تعلق طلبات الهجرة من أفغانستان وترامب يصف إطلاق النار في واشنطن ب"العمل الإرهابي"            "الكاف" تطرح تعديلات تنظيمية أبرزها رفع عدد اللاعبين لكل منتخب    حجيرة يدعو إلى تفكير إستراتيجي في سبل تعزيز الأثر الاجتماعي لقطاع الكهرباء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    انقلاب عسكري في غينيا بيساو بعد أيام فقط من الانتخابات    "ميتا" تحدّث بيانات الملف الشخصي في "واتساب"    لقاء تواصلي لتبسيط التعديلات التي جاء بها "قانون المسطرة الجنائية" وضمان فعالية تنزيله    الدار البيضاء .. تفكيك شبكة إجرامية وحجز كمية مهمة من مخدر الشيرا    "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" يطلق حملة لمناهضة العنف الرقمي ضد النساء تحت شعار "منسكتوش"    مطالب بفتح تحقيق حول شبهات فساد وتبديد مال عام في مشاريع "مراكش الحاضرة المتجددة    كان بصدد تنفيذ مخطط إرهابي بالغ الخطورة.. توقيف موال ل"داعش" بتطوان    مؤسسة الدوحة للأفلام تُطلق برامج جديدة للتدريب المهني بالشراكة مع لافيميس وغوبيلان باريس والمعهد الفرنسي في قطر    إدارة مهرجان الدوحة السينمائي 2025: المهرجان يبرز حضور الأصوات السينمائية المهمة في عالمنا اليوم    المغربي دريوش يقود أيندهوفن لإذلال ليفربول ومبابي ينقذ الريال من أولمبياكوس    مصرع 44 شخصا اثر حريق مجمع سكني في هونغ كونغ    نقابات الطاكسيات بالجديدة تُقفل باب الجدل: ''لن نردّ على المتدخلين... والكلمة الفصل للقضاء!    مرجع لجبايات الجماعات من "ريمالد"    الذكاء الاصطناعي في ألعاب سحرية يبهر جمهور مهرجان الفنون الرقمية    المنتخب المغربي يتعرف رسميا على منافسيه في كأس العرب    كربوبي تودع الصفارة وتحرج الجامعة    دراسة علمية حديثة: المراهقة تستمر حتى الثلاثينات من العمر    كيف أنقذت كلبة حياة صاحبها بعد إصابته بتوقف قلبي أثناء النوم؟    بورصة الدار البيضاء تتدثر بالأخضر    قيوح يبحث التكوين البحري بلندن    سفيان أمرابط، لاعب أساسي في ريال بيتيس (وسيلة إعلام إسبانية)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يستقبل 82 فيلماً من 31 بلداً ونجوماً عالميين    بعد ‬تفشيها ‬في ‬إثيوبيا.. ‬حمى ‬ماربورغ ‬تثير ‬مخاوف ‬المغاربة..‬    علماء يكتشفون طريقة وقائية لإبطاء فقدان البصر المرتبط بالعمر    مهرجان الدوحة السينمائي يسلّط الضوء على سرديات مؤثرة من المنطقة    آلام الأذن لدى الأطفال .. متى تستلزم استشارة الطبيب؟    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبكتيتوس فيلسوف الخير
نشر في المساء يوم 31 - 05 - 2012

«ليس في العالم شر..! هات لي أي شيء وسوف أحوله لك بعصا هرمز إلى خير!.. (وهرمز في الأساطير اليونانية هو إله الحظ والرحلات والقمار).
سمِّ لي ما تشاء: العوز، الفقر، المرض، بل حتى الموت،.. إن نظرة بسيطة إلى عمق المسألة تظهر لك جانب الخير فيه!
إن الحياة يا أصدقائي مائدة عامرة بأطيب الطعام، يقدمها رجل خيّر عظيم؛ فإذا انقضى الأجل، وانتهت الحفلة علينا أن نغادرها ونحن نشكر من دعا وعزم وأطعم بكل سرور.
إن الألم يأتي من عدم الانسجام والاندماج مع هذه الحقائق الكبيرة؛ فإذا أردنا لأنفسنا أن نسعد، فعلينا أن نستسلم لهذه الحقيقة الراسخة بيقين».
يعد إبكتيتوس أهم فلاسفة المدرسة الرواقية، ولد عبدا ومات حرا، وطرد مع فلاسفة روما المشاغبين، في القرن الثاني الميلادي، في لحظة غضب إمبراطور حانق، يكره أهل الفكر والثقافة، كما يفر أهل الفكر من جمهوريات الخوف والفقر والبطالة، فنراهم في الدياسبورا يبدعون فكرا وقولا وكتابة، وينشرون فكرهم في مواقع إلكترونية، بعد أن كسر العلم الجغرافيا فلم يُبق حدودا، وأصبح البشر في كل مكان خارج قبضة الديكتاتوريات، عباد الله إخوانا.
ومدرسة الرواقية هي تلك الطريقة في فهم الحياة وتبادل الأفكار في (الأروقة)؛ حيث يتم تبادل الأفكار في الهواء الطلق، مشيا على الأقدام. وهي طريقة محببة إلى قلبي، أفعلها كل يوم مع من أحب المشي والتحدث إليه بحرية، والكثير من مفاهيمي جاءت من تلك اللحظات الرائعة، مثل برق في ظلمات من الإحباط العربي. وهذا هو عمل الفلسفة.
ولعل أهم أفكار فيلسوف التنوير إيمانويل كانط جاءته من «نزهة الفيلسوف»، حيث كان الناس في كوينيجسبرغ يربطون ساعاتهم على ساعة الفيلسوف التي ما كانت تخطئ بعد الظهر، يرافقه خادمه المخلص لامبيه. ومن هذه الخطوات المباركات ولد كتابه «نقد العقل الخالص»، ومن توسلات خادمه لامبيه ولد كتاب «نقد العقل العملي».
وإبكتيتوس كان عبدا، ولكن الفلسفة حررته. والرجل يقول إن الفلسفة إذا انقطعت عن الحياة لم تعد فلسفة، بل وجب أن تحرر الإنسان من ضغوطات الحياة وظلمها وتناقضها، فتقدم تفسيرا وراحة، وإلا كيف سنفسر طوابير القتلى في العراق ورواندا والبوسنة؟ كما رواها لي صديقي سالم البوسني في مونتريال، الذي هرب من تيتو، ثم لحقه ابن أخته بعد ثلاثين سنة هربا من الصرب!
وإذا كان إبكتيتوس علما في التفاؤل، فإن الفلسفة بؤس عند ماركس، وتشاؤم عند شوبنهاور؛ فالطبيعة تسحق الفرد ولا تأبه، في الوقت الذي تحافظ فيه على النوع بكل عناد وإصرار.
ومشكلة الشر والخير أعيت عباس العقاد، ومن قبل ابن سينا، كيف يفهم العالم؟ فخرجوا بنظرية (ملح العالم)، وفي اللحظة التي تختلط علينا فيها الأمور يجب فهم الشر والحرب والمرض والموت والشيخوخة والألم والنقص والضعف (ملحا) في تجديد الحياة، فلولا الشر ما عرفنا الخير. وكما كان الملح لوحده سما، فإذا فككنا مركبه عرفنا أنه كلور وصوديوم؛ يعتبر كلٌّ منهما لوحده سما زعافا، كذلك كان الشر في العالم حين ينفرد أو يختلط، وهكذا يجب فهم العالم وتحمله، إلى حين دخول عالم آخر ليس فيه هذا التناقض، كما قال القرآن «لا ظلم اليوم».
وعند هذه النقطة يسعفنا محمد كامل حسين في كتابه «وحدة المعرفة»، إذ يورد فيه أن هناك ثلاثة أخطاء رئيسية في التفكير عن (العلة) و(السببية) و(الثنائية)، يعتبر كلا منها خطأ قاتلا معيقا في التفكير، و(الثنائية) تشكل ضلالا مبينا، فوجبت رؤية العالم على شكل طيف متدرج، كل درجة في سلمه تعتبر خيرا في حد ذاتها، ولعلها شر لما قبلها أو بعدها.
وحسب التحدي الأرسطي فإن الغضب جيد إذا جاء في مكانه، شر إذا اختلف عن موضعه.
وحسب عالم النفس هدفيلد، فإن «الاندفاعات إن جاءت في موضعها كانت خيرا، فإذا اختلفت كانت شرا»، فليس هناك من شر خالص بذاته، ولكنها فضيلة في غير مكانها، كما يقول الشاعر العربي إن وضع السيف في موضع الندى مثل عكسه.
وهذه المسألة وضع لها الفلاسفة منذ زمن بعيد قانون الوسط الذهبي، ومفاده أن الفضيلة هي وسط بين رذيلتين؛ فوجب فهم العالم على هذه الشاكلة، مثل الشجاعة بين التهور والجبن، والكرم بين البخل والتبذير، والعفة بين الجمود والشره، وهكذا.
ومنبع الخطأ أننا نجعل من أنفسنا محور العالم، مثل قولنا إن الجو حار، لأن درجة حرارة الجو أصبحت ثلاثين، والطيور تتمتع بدرجة حرارة أربعين، ودماغنا يحترق إذا وصل إلى درجة حرارة اثنتين وأربعين، فوجب خفض حرارة الرأس بكل سبيل ممكن، بما فيها وضع الثلج مباشرة على الرأس، وهي إزعاج كبير للطيور؟
وكذلك في البرودة حين تنزل إلى الصفر فهي للسمك روعة، وفي كندا يكون الجو ربيعا حين تصبح درجة الحرارة عشرة تحت الصفر عند الناس، فيستبشرون بنزول الثلج.
وكالفن أنزل درجة الحرارة إلى 273,15 تحت الصفر، وسماها الصفر المطلق؛ أما الحرارة فلا سقف لها، فالانفجار العظيم كان أعلى من اثنين بليون درجة..
وصل كالفن إلى ذلك رياضيا وليس تجريبيا، لأن كل جزيء المادة يجمد عن الحركة في هذا الصفر الذي ما بعده صفر.
أما الحرارة فلا يعرف لها حدودا، فهي على سطح الشمس ستة آلاف درجة، وفي باطنها تقفز إلى مليون، وهو ما فعله الأشرار من الناس حين أشعلوا القنبلة الهيدروجينية على وجه الأرض بحرارة باطن الشمس، أو هكذا خيل إلينا؛ فلولا قنبلة هيروشيما لم يولد السلام العالمي، ولولا الأشرار من رجال البنتاغون، أو هكذا يخيل إلينا، ما كتبنا مقالاتنا في الأنترنيت وأرسلناها بوميض البصر أو هو أقرب إلى مراكز نشرها.
وفلسفة القرآن تحيل على أفكار من هذا النوع، فتقول عن الكوارث الاجتماعية أحيانا «لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم».
فوجب الانتفاع بهذه الفلسفة كي تصبح الحياة مقبولة ومتحملة وإلا فمقابلها الحيرة والشقاء والألم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.