تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي، المختص في أمراض النساء والتوليد، يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. -سؤال : عمري 28 سنة، متزوجة منذ 5 سنوات. ليس لدي أطفال، وزوجي له تحليلات سليمة، فأنا من يعاني من العقم، حيث إنني أشكو من تأخر العادة الشهرية منذ ال16 من العمر، والتي كانت لا تزورني إلا كل شهرين وأحيانا تتعطل لمدة ثلاثة أشهر بدون حمل طبعا. مؤخرا شخص طبيب النساء لدي عدة أكياس بالمبيضين (Ovaires polykystique). لقد وصف لي عددا من الأدوية لكني أسعى لديكم إلى مزيد من توضيح هذا المرض. جواب : يصيب تكيس المبايض 5 إلى 10% من النساء في طور الخصوبة ويؤدي إلى تأخر الحمل والإنجاب وأحيانا إلى العقم. اكتشف هذا المرض في سنة 1935 حين تمكن العالمان ستين (Stein) وليفنتال (leventhal) من فرز متلازمة (syndrome) حملت اسمهما: متلازمة (Stein et leventhal) وتعني وجود أعراض متلازمة ومتماهية فيما بينها مرتبطة بعدم حدوث الإباضة. تتميز هذه المتلازمة بثلاثة أعراض: انقطاع العادة الشهرية، زيادة الشعر على الوجه والجسم، سمنة أو بدانة، بالإضافة إلى تضخم في المبيضين. لكن مؤخرا تم اكتشاف جانب أيضي للمرض يتعلق بمقاومة جسم المريضة للأنسولين وميلها بالتالي إلى رفع نسبة السكر في دمها. لابد لنا قبل أن نسترسل في الحديث عن مرض تكيس المبايض أن نشير إلى أن هناك فرقا كبيرا جدا بين أن تعاني المرأة من التكيس أو أن يوجد لديها كيس أو أكياس فوق أحد المبيضين، والتي تطرح في هذه الحالة استفهاما حول طبيعتها، حيث يكون هاجسنا معرفة هل هي أكياس حميدة أو على العكس من ذلك هل هي أكياس خبيثة؟ إن تكيس المبيضين يعني وجود عدد من البويضات صغيرة الحجم لا يتعدى حجمها 10 مم، تتوزع تحت الغلاف الخارجي لكلا المبيضين كتعبير عن اختلال واضطراب هرموني معيق للإباضة. كما أنها تكون عادة مترافقة مع الأعراض آنفة الذكر. أما الأكياس فتتميز بكونها لا تهم في الغالب إلا واحدا من المبيضين. كما أنها كبيرة الحجم مقارنة مع بويضات التكيس، حيث يصل قطرها إلى عدة سنتيمترات، بل قد تملأ أحيانا منطقة الحوض أو البطن، كما أنها قد تضم أحيانا بعض النتوءات (Végétations) التي قد تشير إلى طبيعتها السرطانية. لحد الآن، لم يستطع العلم أن يحدد سببا واضحا لنشوء المرض. كل ما هناك مجرد نظريات وفرضيات لا غير. حيث إن هناك اختلافا في تحديد نقطة انطلاق المرض. وهكذا فإن البعض يتهم الغدة النخامية التي توجد بالمخ والتي تتسبب من خلال زيادة إفرازها لهرمون إل أتش (LH) في انخفاض هرمون الأستروجين، مما يؤدي إلى سوء استجابة البويضات، مما يجنح بالمبيضين نحو التكيس. لكن علماء آخرين يعتبرون الخلل كامنا في المبيضين اللذين يقاومان الهرمونات الآتية من الغدة النخامية كما تفعل المبايض الطبيعية غير المريضة، في حين أن فريقا ثالتا فسر هذا المرض بإفراز غير طبيعي للهرمونات الذكرية من طرف المبيضين أو الغدد الكظرية، مما يمنع تطور البويضات التي في طور النمو ويجعلها تصطف على شكل حلقة تحت الغشاء الخارجي للمبيض، دون أن تتمكن أي منها من إنجاح عملية الإباضة. وهناك رأي آخر يرد المرض إلى خلل في إفراز هرمون الدوبامين من قبل المراكز العليا للمخ. لكن هذه النظريات ليست ذات أهمية من الناحية التطبيقية، إذ لا يؤثر الاختلاف بينها على خطة العلاج التي تتم باستعمال الأدوية المنشطة للتبويض أو من خلال الجراحة. ولكن ما هي أعراض مرض تكيس المبايض بالتفصيل؟ وما هي ظروف تشخيصه؟ في الغالب، يتم هذا التشخيص بمناسبة معاينة اضطرابات في العادة الشهرية تعود بدايتها إلى مرحلة البلوغ. وهكذا نكتشف لدى المرأة دورات شهرية يتباعد فيها موعد الطمث تدريجيا وعلى مدى عدة سنوات، حيث لا تعاين المرأة عادتها الشهرية إلا ست مرات في السنة إلى أن تختفي هذه العادة معلنة غياب ظاهرة التبويض لدى هذه السيدة. لكن مع ذلك، فإننا قد نسجل نزيفا من حين لآخر لديها بسبب تغير معدل الأستروجين فقط، دون أن يعني ذلك حدوث تبويض. كذلك قد نشخص مرض تكيس المبايض لدى سيدة غير قادرة على الإنجاب تشكو من العقم. وذلك بمناسبة زيارة لها للطبيب بحثا عن حل لمعضلة العقم لديها. ويساهم الفحص الطبي في تأكيد فراستنا أو تخميننا، حيث نلاحظ أن المرأة الماثلة أمامنا تشكو أيضا من ارتفاع الوزن ومن البدانة التي تكون أحيانا مفرطة وتتميز هذه السمنة المرتبطة بتكيس المبايض بتراكم الدهون في منطقة البطن، على عكس السمنة المرتبطة بالإناث عادة، والتي تتراكم في منطقة الأرداف. تؤدي هذه السمنة المرتبطة بتكيس المبايض إلى اضطراب في إفراز الأنسولين، وهو كما يعرف الجميع هرمون يقوم بتثبيت معدل السكر في الدم، حيث إن هذا الأنسولين يلاقي صعوبة في إنتاج آثاره. لذلك، فإن الأدوية المخفضة للسكر لها دور كبير في علاج تكيس المبايض، وهذا ما قد تستغرب له المريضة، حيث يصف لها الطبيب دواء يوصف عادة لمرضى السكري من النوع الثاني. كذلك نسجل لدى هذه العينة من المريضات ظهور الشعر في مناطق للجسم خاصة بالذكور كالبطن والذقن والفخذين، وذلك بصورة كثيفة كما قد يتسبب ارتفاع الهرمونات الذكرية في بروز مناطق من الصلع في الرأس وفي ظهور بثور حب الشباب فوق بشرة ذهنية. هذا بالإضافة إلى أننا نسجل أحيانا ارتفاعا في ضغط الدم. أمام هذه العلامات، يؤكد الطبيب التشخيص من خلال فحص بالصدى لمنطقة الحوض بحثا عن الشكل المميز للمبايض، والذي يظهر في هذه الحالة عددا كبيرا لأكياس محتوية على بويضات لم تصل جميعها إلى النضج. إذ عادة وفي الحالات الطبيعية، تصل بويضة واحدة فقط إلى هذه المرحلة ويتم تحريرها من خلال عملية التبويض. لكن ما يحصل في حالة الإصابة بمرض تكيس المبايض هو نمو عدد كبير من الأكياس تتوقف جميعها قبل الأوان، فلا يبلغ أي منها القطر أو الحجم الذي يمكنها من اجتياز عتبة التبويض. وغالبا ما تأخذ هذه البويضات شكل عقد من حبات اللؤلؤ خلال الفحص بالصدى، أي مجموعة أكياس مبيضية يقل قطرها عن 10 مم. كما أن هذا الفحص يسجل أيضا تضخما في حجم المبيض، الذي يتضاعف 3 مرات. بالنسبة للاختبارات البيولوجية، فإنها ليست دائما ضرورية لوضع التشخيص، وتتم من خلال حساب معدل بعض الهرمونات في الدم، حيث نسجل زيادة في هرمون LH وهرمون البرولاكتين وبعض هرمونات الذكورة، التي تكون أحيانا مرتفعة، كما نعاين انخفاضا حادا في هرمون البروجسترون وارتفاعا في هرمون الأنسولين. بالنسبة للعلاج، فإنه متعب وشاق يتطلب مثابرة وصبرا من المريضة، إلا أنه علاج ممكن، وهذا هو المهم. كذلك فإن هذا العلاج يختلف بحسب ما إذا كانت المرأة راغبة في الإنجاب أو زاهدة فيه، إلا أن ما ينبغي معرفته هو أن الجزء الرئيسي من العلاج يقع على عاتق المريضة نفسها، التي يتعين عليها التخفيض من وزنها. إذ أن استعادة الوزن الطبيعي يؤدي إلى انتظام إفراز الهرمونات وإلى تراجع الأعراض وحدوث الحمل من خلال تدابير علاجية بسيطة. بالنسبة للعلاج الطبي فهو يختلف حسب رغبة المريضة. فإذا كانت راغبة في الإنجاب فإنه يتم بالاعتماد على الأدوية المنشطة للمبايض لإطلاق وتحفيز عملية التبويض، بالإضافة إلى أدوية السكري، خصوصا في حالة مقاومة خلايا الجسم للأنسولين. بالنسبة للعلاج الجراحي، فهناك تقنيتان: وتتمثل الأولى في استئصال جزء صغير من كلا المبيضين لاستثارتهما وهذه تقنية فعالة، إلا أنها أصبحت متقادمة بعد أن نسختها تقنية كي وتثقيب المبايض بالمنظار الجراحي، ويتم اللجوء إليها في حالة عدم حصول حمل بالعلاج الطبي. ثم هناك أخيرا تقنيات الإنجاب المدعوم طبيا والتي ينصح بها كخيار أخير. أما إذا كانت المريضة غير متزوجة أو غير راغبة في الإنجاب، فيتم إجبار المبايض على الراحة من خلال وصف حبوب منع الحمل أو أدوية مخفضة لهرمونات الذكورة إذا كانت هذه المرأة تشكو من نمو الشعر في مناطق غير طبيعية. وأخيرا، أشير إلى أن حدوث الحمل قد يشكل شكلا من أشكال علاج تكيس المبايض، لكنه لا يمنح شفاء تاما، كل ما يحصل هو حدوث انتظام في العادة الشهرية بعد نهاية الحمل. لكن هذا الحمل لا يكون دائما حملا صحيا. إذ أن حمل المصابة بتكيس المبايض يكون مهددا بالإجهاض الذي تصل نسبته إلى 40% عند هؤلاء النساء، حيث تشير بعض الأبحاث إلى مسؤولية الأنسولين الذي يؤثر بارتفاعه على انغراس الجنين ونموه، كما أن هؤلاء الحوامل اللواتي يتعرضن لسكري الحمل بنسبة أكبر، مع ما يعنيه ذلك من مضاعفات وعواقب. أرجو أن يشفي هذا الجواب غليلك لمعرفة هذا المرض، الذي سنعود بالتأكيد لتناوله، لأنه سيعود إلينا في استفسارات مريضات أخريات، نظرا لانتشاره ومضاعفاته التي تعني شريحة مهمة من النساء.