ناقش جامع الأزهر في مصر، الأسبوع الماضي، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه أثارت جدلا واسعا وسط علماء الدين والفقهاء، خلص فيها صاحبها إلى أن الحجاب ليس فريضة إسلامية. وهي سابقة من نوعها تتبنى فيها مؤسسة علمية كبيرة في مصر والعالم الإسلامي رأيا فقهيا مثل هذا، في وقت تتعرض فيه المؤسسة لانتقادات شديدة من اتجاهات محافظة مختلفة في مرحلة ما بعد الربيع العربي. صاحب الأطروحة، الشيخ مصطفى محمد راشد، أشار في رسالته إلى أن تفسير الآيات القرآنية بعيدا عن ظروفها التاريخية وأسباب نزولها أدى الى الالتباس وشيوع مفهوم «خاطئ» حول حجاب المرأة في الإسلام، «المقصود به غطاء الرأس الذي لم يذكر لفظه في القرآن الكريم على الإطلاق». واعتبر الشيخ راشد أن بعض المفسرين رفضوا إعمال العقل واقتبسوا النصوص الدينية في غير موقعها، وأن كل واحد من هؤلاء فسرها إما على هواه بعيدا عن مغزاها الحقيقي، وإما لنقص في «القدرات التحليلية لديهم ناتج عن آفة نفسية». ورأى الباحث أن السبب في شيوع تلك التفسيرات يعود الى تعطيل الاجتهاد على الرغم من أن المجتهد ينال حسنة من الله حتى وإن أخطأً، ويرى أصحاب هذا الرأي ان السبب في ذلك يكمن في قاعدة «النقل قبل العقل» المعتمدة في البحث الإسلامي. كما رأى الباحث أن أدلة من يرون فرضية الحجاب في الإسلام هي أدلة متخبطة وغير مرتبطة، مرة بمعنى أنهم يفسرونها بالحجاب، وتارة بمعنى الخمار، وأخرى بمعنى الجلابيب، وهو ما يوضح ابتعادهم عن المعنى الصحيح الذي يقصدونه وهو غطاء الرأس، وأنهم يريدون إنزال الحكم بأي شكل لهوى عندهم. واعتبر الباحث أن عبارة الحجاب الواردة في سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى «وإذا سألتموهم متاعا فاسألوهم من وراء حجاب، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، إن ذلك كان عند الله عظيما»، تعني الحائط أو الساتر، وهو متعلق بأمهات المؤمنين الطاهرات المطهرات ووجوب وضع ساتر بينهن وبين الرجال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الاستدلال بآية الخمار التي وردت في سورة النور في الآية رقم (31) في قوله تعالى «قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال...»، فيرى الباحث أنه استدلال باطل لأن المقصود بها وجوب ستر النحر وهو أعلى الصدر وستر العنق أيضا وعلة نزول تلك الآية الكريمة تصحيح وتعديل وضع خاطئ كان سائدا وقائما وقت نزولها، وهو كشف صدر المرأة، وهي صورة يرفضها الإسلام، ومن ثم قصدت الآية تغطية الصدر وليس غطاء الرأس كما يسميه الناس الآن «الحجاب». أما الاستدلال بآية الجلابيب التي وردت في سورة الأحزاب، وهي «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفورا رحيما»، فهو أيضا استدلال في غير محله، وسبب نزول الآية أن عادة النساء وقت التنزيل كانت كشف وجوههن مثل الإماء أو الجواري، فكان بعض الفجار يسترقون النظر إلى النساء فنزلت تلك الآية لتضع فارقا وتمييزا بين الحرائر والإماء الجواري حتى لا تتأذى الحرة المؤمنة العفيفة. والدليل الأخير الذي يفنده الباحث هو حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما عندما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بأن لا تكشف إلا عن وجهها وكفيها، وهو الحديث الذي يتخذه دعاة الحجاب دليلا لهم، إذ يرى الباحث أنه استدلال لا يعتد به لأن هذا الحديث من أحاديث الآحاد، وليس من الأحاديث المتواترة أو المتصلة السند، لكنه حديث آحاد لم يتصل سنده بالعدول الضابط. وقد أثارت هذه الأفكار التي نوقشت في رحاب الأزهر جدلا واسعا بين المؤيدين والمعارضين في مصر. ورغم أن هذه الأفكار سبق أن دافع عنها عدد من علماء الدين والباحثين في الفقه الإسلامي سابقا، إلا أن الحديث عنها من داخل مؤسسة علمية كبرى كالأزهر هو ما أثار حفيظة الكثيرين. لكن يبقى التساؤل واردا: هل كانت هذه الرسالة التي نوقشت مؤخرا موجودة في رفوف الأزهر وكان يتحاشى برمجتها للمناقشة في السابق خوفا من ردود الأفعال؟ وهل كان مناخ ما بعد الربيع العربي مشجعا على إدراجها للمناقشة؟.