بحصولها على نسبة 17,8 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، تبوأت مارين لوبين دور الحكم أو ما يطلق عليه الفرنسيون دور «صانعة الملوك». وغداة إعلان النتائج، شرع المرشحان، كل بطريقته، في التزلف والتملق لجلب 6.4 ملايين ناخب الذين صوتوا لصالح الجبهة المتطرفة، مع ميل واضح من مرشح اليمين، نيكولا ساركوزي، إلى الارتماء «بلا حيا بلا حشمة» وبدون أي وازع أخلاقي، في أحضان اليمين المتطرف لارتداء قناعه البشع وأفكاره الشوفينية، الإسلاموفوبية والمعادية للأجانب. وفي غياب مرشحة الحزب عن الدوري الثاني، من المحتمل، حسب استطلاع للرأي نشره معهد «إيبسوس»، أن يمنح أزيد من 50 في المائة من ناخبي الجبهة أصواتهم للمرشح ساركوزي. المهم أن الجبهة الوطنية مع هذا الاستحقاق أصبحت مكونا أساسيا في المشهد السياسي الفرنسي. وإلى غاية الدور الثاني من الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في السابع عشر من يونيو القادم، سيبقى الحزب المتطرف في صميم المشاغل السياسية الساخنة لفرنسا. من الدروس التي يجب استخلاصها من هذا الاستحقاق الرئاسي، الطريقة التي صوت بها فرنسيو الخارج والتي تخبرنا عن تموقعهم وانتمائهم السياسي. وعلى ضوء نتائج الجولة الأولى، اتضح أن نيكولا ساركوزي يحظى، بلا منازع، بشعبية كبيرة في أوساط الجالية الفرنسية المقيمة في الخارج، وبالأخص الفرنسيين-الإسرائيليين الذين صوتوا لصالحه بنسبة 80,5 في المائة حيث تقدم على فرانسوا هولاند الذي لا يتوفر خزان أصواته سوى على نسبة 8 في المائة، أما الفرنسيون الفلسطينيون فقد صوتوا لصالح جان-ليك ميلنشون بنسبة 33,33 في المائة، يليه فرانسوا هولاند بنسبة 13,4في المائة، مع العلم بأن نسبة الامتناع عن التصويت كانت في الأراضي المحتلة مرتفعة جدا، بحيث لم تتعد نسبة المشاركة 14,9 في المائة. في الولاياتالمتحدة، احتل ساركوزي أيضا المرتبة الأولى. في بلدان المغرب الكبير، إن كان الرئيس-المرشح قد سجل هزيمة نكراء في كل من تونس ومصر، وذلك على خلفية الربيع العربي، فإنه في المغرب لم يفقد ريشه، إذ حصل على نسبة 36.72 في المائة، حتى وإن كان فرانسوا هولاند يتعقبه عن قرب بنسبة 35.93 في المائة؛ هكذا احتلت لائحة ساركوزي الصدارة في كل من الدارالبيضاءومراكشوأكادير، فيما تقدمت لائحة فرانسوا هولاند على منافسه في كل من الرباط وطنجة وفاس. لكن المفاجأة، مرة أخرى، هي النتيجة التي حصلت عليها مارين لوبين:3,67 في المائة؛ وهي حتى وإن كانت أقل بكثير من نسبة المرشحين الرئيسيين، فإنها تبقى خطيرة جدا. ولتقريب الصورة من القارئ، نفصل بالأرقام وبالمدن هذه النتيجة: الرباط (87 صوتا)، مراكش (131 صوتا)، أكادير (93 صوتا)، الدارالبيضاء (31 صوتا)، فاس (22 صوتا).. إلخ؛ والحصيلة في مجموع المغرب هي 569 صوتا؛ ولو أضفنا أصوات ساركوزي، الذي لبس قناع مارين لوبين، إلى أصوات الجبهة الوطنية لحصلنا على ما مجموعه 6259 عنصري فرنسي يعيشون في بحبوحة بين ظهرانينا. وتأتي مدينة سبعة رجال على رأس قائمة المدن التي يحلم فيها عنصريو الجبهة بإحياء الإقطاع والعبودية في حق الخدم والعمال أو التجار المغاربة. ولو كان بمقدورهم لكانوا منعوا استهلاك اللحم الحلال وأذان الصلاة أو رجعوا بالمغاربة إلى زمن «شوف واسكت». ويبقى المغاربة في حديثهم وخطابهم مجرد «ليزاراب» بالمعنى المتوحش والمتخلف للكلمة. وقد رد المغاربة، وبالأخص منهم الشباب، على الفايسبوك والمدونات على هذا الوضع الخرافي، والمتمثل في وجود أنصار الجبهة الوطنية العنصرية في بلاد الماء والخضرة، بتعاليق قادحة ومتذمرة تدعو إلى إجلائهم عن المغرب؛ وأطلقت مجموعة من الفايسبوكيين موقعا تحت عنوان «ترحيل 569 فرنسيا مقيما في المغرب صوتوا لصالح مارين لوبين». وفي ظرف أربع وعشرين ساعة، وقع العريضة 1300 شخص للدعوة إلى ترحيلهم، وجاء في تعليقات بعضهم: «متى سيطالب المغرب بسياسة للهجرة في حق العنصريين الذين يأكلون خبزنا ويحقدون علينا؟»، «في المغرب ينعتنا هؤلاء الفرنسيون بالعرب القذرين»؛ واقترح بعض المعلقين أن توضع رهن إشارتهم «بّاتيرات» (قوارب) لنقلهم إلى الضفة الشمالية للمتوسط، فيما اقترح البعض الآخر رميهم في الثلث الخالي. إن كانت العنصرية بلا حدود وإن بقي العنصري عنصريا ولو في الجحيم، فإنه ومن أجل كرامة المغاربة يجب أن يرحل عن البلد كل العنصريين، سواء كانوا من مهاجري ساركوزي أو من أنصار مارين لوبين.