سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الارتباك».. السمة الغالبة على تدبير الحكومة للجانب الاقتصادي تأخر إعداد قانون المالية للسنة الجارية وعجز عن التحكم في المؤشرات الاقتصادية وتضارب في الأرقام مع مؤسسات عمومية
أخفقت حكومة عبد الإله بنكيران في مائة يوم الأولى من ولايتها في تمتيع المغرب بقانون مالية للسنة الجارية. تواصل أيضا مسلسل تضارب المعطيات الخاصة بالمؤشرات الاقتصادية والمالية بين الحكومة، ممثلة في وزارة الاقتصاد والمالية، وبعض المؤسسات العمومية من قبيل بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط، ولا سيما في توقعات النمو ونسبة العجز الراهنة. وفي المقابل، أعطت الحكومة إشارات قوية على عزمها المضي قدما في محاربة الريع الاقتصادي، من خلال إقدامها على نشر لوائح المستفيدين من «الكريمات» والكشف عن حجم الدعم العمومي المقدم لهيئات المجتمع المدني. كما فتحت عبر محمد نجيب بوليف، وزير الشؤون العامة والحكامة، ملف إصلاح صندوق المقاصة، وأكد كل من بوليف نفسه، وإدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المكلف بالميزانية، أن خزينة الدولة لم تعد قادرة على التكاليف الناجمة عن الوضع الحالي لنظام الدعم. بالنسبة لقانون المالية، اعترف عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، بأن المشروع الموجود حاليا قيد الدراسة من قبل مجلس النواب تم إعداده من قبل الحكومة السابقة. لكنه يصر على الدفاع عن «اللمسة الاجتماعية»، التي أضفتها حكومته على هذا المشروع، لا سيما من خلال تفعيل صندوق التماسك الاجتماعي وتخصيص موارد مالية مهمة لتنفيذ برامجه بلغت نحو 200 مليار سنتيم. وإذا كانت الغرفة الأولى قطعت شوطا كبيرا في مسطرة مناقشة المشروع في الدورة الاستثنائية، التي انطلقت قبل أزيد من أسبوعين، فإن مناقشته تعد بفصول أكثر إثارة حين يصل البرلمانيون مرحلة اقتراح التعديلات. ورغم ذلك، يرى محمد حركات، أستاذ المالية العمومية بجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط، أن مشروع قانون المالية للسنة الجارية «لم يأخذ حقه في المناقشة»، وانتقد ما وصفه ب«الارتباك» الذي صاحب إعداده. ولتجاوز هذا الارتباك، طالب حركات، الذي يرأس أيضا المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والحكامة الشاملة، حكومة عبد الإله بنكيران بالعودة إلى اعتماد منهجية العمل بمخططات التنمية وتجاوز السياسات القطاعية، التي تجزئ العمل الحكومي وتفقده صفة الانسجام. وواجهت الحكومة صعوبات في الإعلان عن الصيغة النهائية للمشروع، وهو ما جعلها تؤجل مرة موعد المصادقة عليه من قبل المجلس الحكومي. حينها اكتفى مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، في ندوته الصحافية المألوفة بعيد كل اجتماع للمجلس الحكومي، بالإدلاء بمعطيات أولية عن التوقعات المرقمة للمشروع. ووجه حركات أيضا انتقادات لقانون المالية المقدم على ضوء التناقض القائم بين كثير من معطياته وإحصائياته، وتلك التي أعلنت عنها مؤسسات عمومية، خصوصا بنك المغرب. وتبين هذه الاختلافات أن الحكومة الحالية، التي تولت تدبير دفة الشأن العام في ظرفية اقتصادية عالمية صعبة، لم تتمكن بعد من التحكم في المؤشرات الرئيسية للاقتصاد الوطني. وتجلى هذا الأمر في اضطرارها إلى تقليص توقعات النمو في 2012 من 5 في المائة في برنامجها، الذي انتزعت بفضله تنصيبها القانوني، إلى 4.2 في المائة في مشروع قانون المالية قيد الدراسة من قبل المؤسسة التشريعية. بنك المغرب كشف قبيل أيام قليلة عن توقعات أكثر تشاؤما، خفض نسبة النمو المنتظرة في السنة الجارية إلى أقل من 3 في المائة، وشدد واليه، عبد اللطيف الجواهري، على أن نسبة عجز الميزانية تصل إلى 7 في المائة وليس 6 في المائة كما تقول الحكومة. ورغم هذه الصعوبات التي واجهتها أول حكومة في العهد الدستوري الجديد، والحائلة دون استقرار المؤشرات الاقتصادية الوطنية، فإن الحكومة بعثت في مائة يوم الأولى من ولايتها رسائل واضحة عن عزمها محاربة الريع الاقتصادي. الانطلاقة كانت بالإعلان عن لائحة المستفيدين من «الكريمات»، حيث قبل عزيز رباح، وزير التجهيز والنقل، بالكشف عن لائحة المستفيدين من مقالع الأحجار والرمال دون أن يتمكن من إخراج هذه اللائحة إلى العلن. الخبير الاقتصادي إدريس بنعلي، يحذر الحكومة من خطر التماطل في استكمال مسلسل محاربة الريع والفساد، لأنه لا يعقل من وجهة نظر بنعلي إرسال الإشارات دون ان يتم استكمال العمل. وإذا كانت الحكومة صنفت منذ البداية إصلاح صندوق المقاصة ضمن أولى أولوياتها، فإنها لم تكشف إلى حدود الساعة عن خطة شاملة لإصلاح هذا الصندوق، مع الإشارة إلى تأكيدات إدريس الأزمي الإدريسي على عدم إمكانية بقاء نظام الدعم بالمغرب برمته على حاله، لكونه بات عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة. محمد نجيب بوليف، وزير الشؤون العامة والحكامة، كان قد أثار في الشهر الأول لتعيينه على رأس هذا القطاع الحاجة إلى توجيه نصف ميزانية هذا الصندوق للاستثمار والعمل على حصر الاستفادة من الدعم على الفئات المستحقة له. وقبل أسبوعين فقط، جمع بوليف والأزمي جميع الأطراف المعنية بنظام الدعم في المغرب ودخلا معها في نقاش ساخن حول سبل إصلاح نظام الدعم هذا، الذي يدار من قبل كل من صندوق المقاصة والمكتب الوطني للحبوب والقطاني، وينتظر أن ينضاف إليهما صندوق التماسك الاجتماعي بعد المصادقة على مشروع قانون مالية السنة الجارية من قبل المؤسسة التشريعية. وعلاقة باختصاصات وزارة بوليف، انتقد محمد حركات، رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والحكامة الشاملة، ما أسماه اقتصار عمل الحكومة على ترسيخ الحكامة في قطاعات بعينها وإغفال أخرى، وعاب على حكومة بنكيران عدم توفرها على رؤية واضحة لتنزيل الحكامة في مختلف القطاعات، ولا سيما القطاعات الاقتصادية والمالية.