عندما تريدون التفكير في أحوال المغرب جيدا، فأول شيء يجب أن تفعلوه هو أن تضعوا أعصابكم في ثلاجة، وبالضبط في المكان المخصص لتجميد المشروبات والمواد الغذائية، وبعد ذلك فكروا و«خمّموا» ما شاء الله لكم «التّخْميم». لا تفكروا في الفساد وفي رخص النقل والصيد والمقالع والغابات وما لا نهاية له من رخص الشعب التي يتم منحها للإمّعات، ولا تفكروا في الأحزاب التي باعت «الماتْش» من زمان، ولا تفكروا في السياسيين الذين يقولون آمين لكل شيء، ولا تفكروا في رهط المنافقين الذين يقولون «نعم» في الصباح و«لا» بعد الظهر. حاولوا التفكير فقط في الأشياء التي ينطبق عليها مثال «شر البلية ما يضحك»، لأنها أفضل البلايا، على اعتبار أن الإنسان عادة ما ينخرط خلالها في تفكير عميق، ثم ينفجر مباشرة بضحكة فاقعة، وإذا لطف به الله فإنه يحتفظ بعقله في النهاية، وهذا ما يطلق عليه علماء «الفقْصة» عبارة «شرّ البلية». عموما، لا يحتاج المغاربة إلى نصيحة من هذا النوع، لأنك في كل مكان تجد الناس يطلقون ضحكات مدوية أو ينخرطون في موجة ضحك بلا نهاية، وبعد ذلك يطلبون اللطيف ويرددون عبارة «الله يخرّجْ هاد الضحك عْلى خير». ويبدو أننا الأمة الوحيدة في العالم التي تضحك وتخاف من الضحك، لذلك فإننا نادرا ما نستفيد من فوائد الضحك الذي يقال إنه أفضل من جري الماراثون. أكبر بلايا المغرب حاليا مدرب اسمه غيريتس. هذا الرجل عنده راتب يقال إنه الأضخم في المغرب، ورغم إن هناك اتفاقا بينه وبين من باعوه للمغاربة على ضرورة إخفاء حجم راتبه، إلا أن المرجح هو أن الرجل يقبض ما بين 300 و350 مليونا في الشهر، هذا عدا المكافآت والحوافز، في حال ما إذا فاز بشيء ما، لا قدر الله، وفوق هذا وذاك لا يؤدي الضرائب. وبما أن كل الدعوات إلى رحيل غيريتس ومن أتى به ذهبت أدراج الرياح، فإن المغاربة يمكنهم أن يحولوا نكبة هذا المدرب البلجيكي إلى تسلية. مثلا، يمكن مقارنة راتبه براتب رئيس الحكومة، الذي قال إنه يقبض 5 ملايين في الشهر. تصوروا رئيس وزراء مكلف بإنقاذ المغرب من السكتة القلبية يقبض خمسة ملايين في الشهر، أو حتى عشرة، ومدرب أجنبي مكلف بتمريغ أنف المغرب في الوحل يقبض 300 مليون سنتيم في الشهر. يمكن أيضا لراتب غيريتس أن يدخل المقررات الدراسية، مثلا يمكن أن يكون درس الحساب كما يلي: إذا كان راتب غيريتس هو 300 مليون سنتيم في الشهر، وإذا كان الحد الأدنى للأجور في المغرب هو 1800 درهم، فكم من مغاربة «السّميكْ» يساوون أجرة غيريتس؟ يمكن أيضا لمؤلفي كتب الرياضيات أن يُدخلوا أجرة غيريتس في المقررات الدراسية، مثلا نجمع 300 مليون في 12 شهرا، فنجد أنها قرابة أربعة ملايير في العام، فنفرق هذا المبلغ على 16 فريقا من القسم الأول، فنجد أن كل فريق يأخذ حوالي 200 مليون في السنة، وهو تماما المبلغ الذي تدفعه الجامعة لكل فريق خلال السنة كاملة، 100 مليون في الشطر الأول من البطولة والمائة المتبقية في الشطر الثاني، أي أن غيريتس لوحده يساوي كل فرقنا مجتمعة بلاعبيها ومكاتبها ومدربيها وجماهيرها. يا سلام... يمكن أن نستمر في هذه المقارنة الرياضية ونقول إن الجامعة تمنح 150 مليون سنتيم للفريق الذي يفوز ببطولة المغرب، أي أن تعب سنة كاملة لعشرات اللاعبين ومدربهم وجمهورهم يساوي نصف راتب غيريتس لشهر واحد. الفرق المغربية، ودائما في القسم الأول، التي تحصل على المراتب الثانية والثالثة والرابعة والخامسة تحصل مجتمعة على مبلغ 340 مليون سنتيم، أي أن جهد وعرق موسم كامل، لمئات اللاعبين والمسيرين والمدربين والجماهير، يساوي قرابة شهر واحد من راتب غيريتس. طوال عقود كثيرة، رأى المغاربة الكثير من الأشياء، وتذمروا من كثير من الظواهر، ونددوا واستنكروا، لكن الأشياء بقيت كما هي، لذلك اكتشف الناس نعمة التأمل. أحيانا يغضبون، وتارة يبكون، وتارة يضحكون،... وتستمر الحياة.