أغلبية الأوربيين تفضل باراك أوباما، والأغلبية الساحقة في العالم العربي والإسلامي تتمنى دخول باراك حسين أوباما إلى البيت الأبيض، أما إفريقيا فإن قلبها مع المرشح الأسود. روسيا هي أيضا تفضل خروج المحافظين الجدد من الحكم في أمريكا... بالمجمل العالم كله يفضل التغيير في أمريكا ليس حبا في أوباما ولكن كرها في بوش وإدارته الكارثية لعدد من الملفات التي باشرها بعقلية «إيديولوجية مغلقة»، وفي مقدمتها الحرب العمياء على الإرهاب، وإسقاط نظام صدام حسين، والعبث باتفاقية كيوتو للحفاظ على البيئة، والاستهتار بالأممالمتحدة والقانون الدولي، واعتماد السلاح بدل الدبلوماسية في إدارة شؤون العالم، وأخيرا مسؤولية إدارة بوش عن الأزمة المالية العالمية وعدم تدخلها لإصلاح انحرافات المؤسسات المالية في الوقت المناسب... لسوء الحظ.. العالم ليس ناخبا في أمريكا، والرأي العام العالمي المفترض لا يساوي صوتا واحدا لأمريكي أبيض أو أسود أو ملون... الأمريكيون هم من سيحسمون هذه المعركة، لكن عيونهم سترى حتما أبعد من حدودهم هذه المرة، لأن نصف أزماتهم تقع خارج بلادهم، وهذا تطور كبير في أمريكا المنغلقة على ذاتها تقليديا... أكثر منافس لماكين هو بوش وحصيلة إدارته، وليس أوباما ووعوده التي لن تتحقق كلها، لأن هناك دائما مسافة بين الوعود الانتخابية وبين الإنجازات الحكومية. انتخابات هذا العام في أمريكا لها طعم خاص جدا، هناك أولا مرشحان مختلفان إلى حد كبير، ليس فقط في لون البشرة، ولكن أيضا في نوع الثقافة وشكل التوجه السياسي الذي يحمله كل واحد منهما. جون ماكين، ورغم سجله «البطولي» في نظر الأمريكان لأنه جندي وسجين سابق في فيتنام.. يبدو وكأنه جاء بالخطأ إلى حفلة لم يدع إليها. لهذا، ورغم إعجاب بعض الضيوف به، فإنهم متحفظون من كونه موجودا في المكان الخطأ... ماكين يحاول جاهدا الابتعاد عن سياسة جورج بوش الكارثية، وقد حرص أكثر من مرة على تجنب الظهور العلني إلى جانبه، كما عمد إلى معارضة سياسته إزاء الاحتباس الحراري وبخصوص استعمال وسائل التعذيب لنزع اعترافات من المشتبه في كونهم إرهابيين، كما أنه التزم بسياسة التقشف في تمويل حملته الانتخابية، وفضل تلقي الدعم العمومي الذي يُحرم منه في حالة قبوله الدعم الخاص. لهذا يبدو ماكين فقيرا انتخابيا مقابل غنى أوباما الذي رفض التمويل العمومي وفضل عليه جمع التبرعات من المتعاطفين، ولهذا فقد جمع أكثر من 600 مليون دولار إلى حد الآن، وهو رقم قياسي في كل الحملات الانتخابية. ماكين يرفض الانسحاب من العراق، ويتحمس كثيرا لقصف إيران وإسقاط حكم الملالي هناك، ويريد طرد روسيا من مجموعة G8 الصناعية، ويريد إذلال الصين، ولا يعتبر الاحتلال الإسرائيلي لأراضي العرب والفلسطينيين مشكلة... إنه بالمجمل يريد أن يغير غلاف سياسة بوش لا محتواها. على عكس ماكين، أوباما يدعو إلى تغيير شبه جذري في السياسة الخارجية الأمريكية، لهذا يدعو إلى المزيد من التعاون الدولي، وإلى جعل أمريكا قطة كبيرة بين القطط الصغار، لكن مصدر قوتها في حكمتها وعطفها لا في طول مخالبها وشراسة سلوكها. يرفض ضرب إيران وينصح بحوار مع روسيا، ويريد تقوية الأممالمتحدة، ويدعو إلى إصلاح أخطاء إدارة بوش بنزع الإيديولوجيا من السياسة وتعويضها بالبراغماتية اللينة... الحملة مثيرة، ولهذا تستقطب اهتمام الرأي العام في أمريكا وخارجها، وهذا جزء من حيوية هذا البلد وقوته. إذا فاز أوباما فإن أمريكا ستغير نصف صورتها في عيون كارهي بوش في ظرف 24 ساعة، وإذا حدثت المفاجأة وفاز ماكين، فإن العالم سيحبس أنفاسه لمدة 4 سنوات أخرى، وهذا كثير على رئة لم يعد فيها الكثير من الأوكسجين.