يطرح نشر لائحة المستفيدين من «الكريمات» أكثر من سؤال. لا تقف علامات الاستفهام عند عتبة الأسباب الثاوية وراء منحها لأشخاص لا يستحقونها، بل تفرض علينا التساؤل عما إذا كنا، حقيقة، مواطنين نعيش في البلد نفسه ونتمتع بالحقوق ذاتها؟ ففي الواقع، ثمة انطباع بأن مجتمعنا تسوده تناقضات عديدة تتجلى بوضوح في استفادة البعض من الريع والامتيازات في الوقت الذي يعاني فيه آخرون من الفقر و«الحكرة». إجمالا، يتكون مجتمعنا من أسياد وأقنان.. الأسياد يحتكرون اقتصاد الريع ويراكمون الامتيازات، والأقنان يكابدون من أجل لقمة العيش؛ فكيف يمكن قبول هذا الوضع بعد مرور نصف قرن على بزوغ فجر الاستقلال وفي ظرفية يحتم فيها الربيع العربي علينا تصفية هذه التركة الثقيلة لما تنم عنه من إذلال واحتقار؟ هل يجب أن ننبه متبني هذه السياسية مجددا إلى أن سياستهم لن تدوم إلى الأبد، ونؤكد لهم أن لصبر المغاربة حدودا؟ ففي الوقت الذي يضرم فيه المعطلون حملة الشهادات العليا النار في أنفسهم من أجل الحصول على فرصة شغل، يتسابق الانتهازيون على مراكمة «الكريمات» ليضمنوا لأنفسهم حياة رغيدة. إلى متى سنستمر في إنكار حقيقة مفادها أن هذا الوضع نتيجة مباشرة للفساد والريع والانتهازية التي تنخر كيان الاقتصاد الوطني؟ نستغل صبر هذا الشعب ونيته الحسنة ونوغل في ظلمه بآفات من قبيل البطالة والأمية. وفي الواقع، ينبغي أن نعترف بأن المغرب عرف ولا يزال يعرف نظام «الأبارتايد الاجتماعي» الأقوى في منطقة المغرب العربي، ونقر بأن المجتمع المغربي يعاني من الفقر والتهميش. يجب أن نسلم أولا بأن هذا البلد يشهد في الآن ذاته ثروات «وقحة» والعبودية الأكثر إهانة. وبالنسبة إلى عدد من الملاحظين الدوليين، فإن المغرب لا يزال بلدا شبه إقطاعي تعاني فيه الطبقات الموجودة في أسفل السلم الاجتماعي، وهي الفئة الغالبة، من الإخضاع والإذلال. يجب ألا تتوقف مبادرة عبد العزيز الرباح، وزير التجهيز والنقل، التي ينبغي التنويه بها، عند خطوة الكشف عن لائحة المستفيدين من «الكريمات». بكل تأكيد، ستنبري بعض جماعات الضغط المكونة من الانتهازيين لثنيه عن السير قدما في هذا الاتجاه، لكن يجب ألا يغفل عن التزام حزب العدالة والتنمية أمام الناخبين بمحاربة الفساد، وهو ما يحتم على هذا الحزب العمل على الوفاء بالتزاماته. وإذا كان قادة العدالة والتنمية يقولون إنهم رجال مبادئ ويؤكدون عزمهم على الوفاء بتعهداتهم، فإن الفرصة مواتية أمامهم لتأكيد هذه الأقوال. يجب ألا تعيروا انتباها لصفارات الإنذار أو يتملككم خوف من إغضاب الأقوياء.. أثبتوا للمغاربة أنه لا يزال في المغرب رجال قادرون على الوفاء بالتزاماتهم والإخلاص لمبادئهم والتفاني في إنجاز مشاريعهم. قدموا خدمة إلى هذه البلاد وأنعشوا السياسة وأثبتوا أنه لم يعد في السياسة مكان للانتهازية والوصولية وانعوا زمن السياسيين الفاسدين. لا تتركوا هذا الشعب حبيس اللامبالاة لكي لا يرميكم في مزبلة التاريخ كما فعل بآخرين قبلكم. لا تضيعوا وقتكم ولا تهدروا طاقتكم في معاركة من الدرجة الثانية، من قبيل منع الخمور والنقاشات الدائرة حول المهرجانات. ركزوا على الأمور الأكثر أهمية.. على كل شيء سيمكن هذا الشعب من العيش بصفاء وكرامة وفق ما تمليه عليه معتقداته وقناعاته. وتذكروا، أخيرا، القولة الشهيرة لعمر بن الخطاب: «لو كان الفقر رجلا لقتلته».