استأثر تعيين الملك محمد السادس لصديقه في الدراسة فؤاد عالي الهمة في منصب مستشار له بالديوان الملكي باهتمام السياسيين والإعلاميين، وبدأت تتوالى القراءة تلو الأخرى لهذا التعيين، فهناك فئة ترى فيه نهاية «الهمة السياسي»، على اعتبار أنه بهذا التعيين لم يعد فاعلا سياسيا مباشرا بعد أن شغل الدنيا واستأثر بالإعلام سنوات. أما الفئة الأخرى فتعرب عن مخاوفها من هذا التعيين، الذي تراه «مناورة جديدة للمخزن» تهدف إلى خلق حكومة موازية لحكومة بنكيران؛ بمعنى تعيين «حكومة الظل»، التي ستضم إلى جانب الهمة أسماء أخرى تم تعيينها بالقصر الملكي مؤخرا كياسر الزناكي وزير السياحة المنتهية ولايته وعمر عزيمان ومحمد المانوني. تعيين الهمة رأى فيه البعض هدية عيد ميلاد لصديق الدراسة، لكن مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري المنحل، اعتبر الأمر «أحسن هدية قدمت لبنكيران كي يتأكد أن الهمة لن يلعب الدور الذي كان يلعبه في الساحة السياسية في الماضي، أو على الأقل إن أراد أن يلعب هذا الدور هذه المرة ستكون محسوبة على الملك لأنه مستشاره الرسمي». محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، وجد في تعيين ابن بنجرير في هذا المنصب، نهاية الهمة كمؤسس لحزب الأصالة والمعاصرة، ونهاية أيضا للحزب السلطوي على النموذج التونسي. زعيم حركة التوحيد والإصلاح المقربة من حزب العدالة والتنمية استبشر خيرا بهذا التعيين، الذي رأى فيه البعض «هدية عيد ميلاد» الهمة التاسع والأربعين، لأن من شأنه، كما قال الحمداوي في تصريحات ل «المساء»، أن يفتح المجال السياسي على المنافسة المتكافئة بين الأحزاب بعد «نهاية حزب الدولة». فهذا التعيين سيضع جميع الأحزاب على نفس المسافة من القصر بعد نهاية الحزب السلطوي، الذي أدى إلى إضعاف المشهد السياسي المغربي. كما أنه سيؤدي إلى مزيد من الوضوح، لأن التصرفات السابقة للهمة مع الولاة والوزراء والسياسيين كانت بصفة غير معروفة، يضيف الحمداوي. الحمداوي ليس الوحيد الذي بدا متفائلا بتعيين الهمة مستشارا ملكيا، فقيادات حزب العدالة والتنمية عبرت هي الأخرى عن نفس التفاؤل، بالرغم من أن حزبها خاض حروبا عديدة مع الهمة عقب تفجيرات الدارالبيضاء الإرهابية أثناء شغله منصب كاتب الدولة في الداخلية، قبل أن يخرج الهمة من مكتبه بوزارة الداخلية إلى الساحة السياسية ليقول إن الإسلاميين ليسوا أعداء لكنهم خصوم، فأنشأ حزب الأصالة والمعاصرة، الذي رأى فيه المراقبون خطة من الهمة من أجل تضييق الخناق على حزب العدالة والتنمية. وقد اعتبر لحسن الداودي، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بأن هذا التعيين ربما يكشف النقاب عن الهمة الثالث، بعد الهمة كاتب الدولة والهمة مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة. أما بوانو عبد الله، عضو المجلس الوطني للحزب، فاعتبر التعيين نوعا من الرحيل الذي طالب به الشارع المغربي. وفي الوقت الذي أجمعت أطياف إسلامية مختلفة على أن تعيين الهمة يأتي في إطار الوضوح في مهامه، كان لبعض قيادات جماعة العدل والإحسان رأي مخالف، على أساس أن التعيين يتعارض مع المطالب التي رفعها الشارع المغربي منذ 20 فبراير. عمر أحرشان، عضو الأمانة العامة لجماعة العدل والإحسان، ذهب في نفس الطرح في إحدى خرجاته الإعلامية، حيث اعتبر بأن هذا التعيين هو «استفزاز للشارع المغربي ومحاولة إلى دفعه إلى التصعيد من حدة الاحتجاجات». الحمداوي يرى بأن تعيين الهمة في هذا المنصب المهم لا يعني تضييق الخناق على حكومة بنكيران، التي خرجت من صناديق اقتراع يوم 25 نونبر، على اعتبار أن الدستور الجديد للمملكة منح مجموعة من الصلاحيات لرئيس الحكومة، لكن أحرشان يعتبر بأن الأمر يشير إلى محاولة لتطويق الحكومة وخلق ما يسمى بحكومة الظل، مما يعني، حسب القيادي في حركة العدل والإحسان، استمرار وجود الملكية التنفيذية. رئيس الحكومة الجديدة، الذي كان أبرز خصم للهمة، كان له رأي آخر وعبر عن عدم مبالاته بمثل هذا السيناريو، إذ قال ل«المساء» إن حزبه سيتعامل مع الملك وليس الهمة، وبأن الهمة سيشتغل من موقعه كمستشار للملك وليس كفاعل سياسي، «لكن إن عاد إلى الحقل السياسي ليفسد فيه، فإننا سنواجهه بكل حزم» يضيف بنكيران. بعد هذا التعيين تبقى أعين الجميع على أول خروج إعلامي للهمة من أجل معرفة طبيعة المهام التي ستوكل إليه ومعرفة مدى تدخله في الحقل السياسي ومحاولة «إفساده» كما جاء على لسان بنكيران.