في عصر الحاسوب وسيارة النقل المدرسي والسيارة العائلية والحلويات والوجبات السريعة والعادات الغذائية السيئة التي تصاحب العولمة، باتت الفئة «الضحية» لكل هذه المظاهر الخادعة هم الأطفال. فقد أصبحت الوجبات السريعة والأكل خارج المنزل مظهرين من مظاهر تلبية رغبات الأطفال، ونتناسى العواقب، التي تظهر على المدى البعيد.. وهنا مكمَنُ الخطورة، حيث إنه أينما نظرنا نرى طفلا سمينا يتخبط في معاناته الصحية والنفسية وسط أصدقائه ومحيطه.. وهنا يدرك الآباء أنهم هم السبب في ذلك. وتبدأ سياسة تخويف الأطفال حتى تصبح للطفل عقدة تجاه الأكل، فالسمنة في مرحلة الطفولة مشكلة صحية خطيرة تؤثر على الأطفال والمراهقين وتحدث عندما يكون وزن الطفل أكبرَ من الوزن الطبيعي لأقرانه في نفس العمر والطول، وهنا تكمن الخطورة، لأن هذه الزيادة في الوزن تضع الأطفال على طريق المشاكل الصحية، كالسكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكولسترول. ويعتبر تحسين نوعية التغذية للعائلة وممارسة الرياضة والنشاط البدني أهمَّ «إستراتيجيات» المحافظة على الوزن، وبالتالي المحافظة على صحة الطفل، حاضرا ومستقبلا. أما عن أسباب السمنة، فهناك العوامل الوراثية والهرمونية، إلا أن أكثر حالات زيادة الوزن تنتج عن: -الزيادة في الأكل (السعرات الحرارية) وقلة النشاط البدني. ويحتاج الأطفال، عكس الكبار، إلى مواد غذائية وسعرات إضافية لتغذية نموهم. أما العوامل المؤثرة في زيادة وزن الطفل فنذكر منها النظام الغذائي، حيث إن الاستهلاك الدائم للأطعمة عالية السعرات الحرارية يساهم في زيادة الوزن، كالوجبات السريعة والمشروبات الغازية والحلويات والشوكولا، وهي كلها مواد غنية بالدهون والسعرات الحرارية. -قلة النشاط البدني: يكتسب الأطفال قليلو الحركة الوزن الزائد لأنهم لا يحرقون السعرات الحرارية أثناء النشاط البدني فالنشاطات الترفيهية، مثل مشاهدة التلفزيون وألعاب الفيديو تساهم في زيادة الوزن. -الوراثة: إذا كانت السمنة وراثية في عائلة الطفل، فإن الاستعداد الوراثي لزيادة الوزن، خاصة في بيئة تتوفر فيها الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية والنشاط البدني المحدود جدا يظهر أثره عوامل نفسية: يأكل بعض الأطفال بشراهة، للتّكيُّف مع مشاكل تتعلق بالمشاعر، كالتوتر والملل، وغالبا ما يعاني الوالدان من نفس المشكلة. -عوامل أُسَرية: يتحمل الوالدان مسؤولية التسوق للأسرة، فهما من يقرر ان شراء الأطعمة الصحية أو غير الصحية، ولا يمكن لوم الأطفال إذا اجتذبتهم الحلويات والأطعمة الدسِمة، فهم يتذوقون الأطعمة المختلفة. متى يجب استشارة أخصائي في التغذية؟ ليس كل طفل لديه بعض الكيلوغرامات الإضافية سمينا، فبعض الأطفال يتمتعون ببنية أضخم من المعدل ويمكن أن تكون لدى الطفل كمية من الدهون في مراحل مختلفة من نموه، فلا يمكن الحكم بمجرد النظر إلى الطفل بأنه سمين وأن هناك ما يدعو إلى القلق على صحته. ويمكن أن نقيم وزن الطفل تقييما كاملا بناء على نمو الطفل وتطوره وبناء على العوامل الوراثية، كالطول والوزن. ما هي المشاكل الناجمة عن السمنة؟ يمكن أن تنتج عن السمنة مشاكل صحية خطيرة سيحملها الطفل معه إلى مرحلة البلوغ، مثل -السكري (النوع الثاني) -مشكل في عملية الأيض -ارتفاع ضغط الدم -الربو ومشاكل التنفس الأخرى -اضطرابات النوم -أمراض الكبد -البلوغ المبكر -اضطرابات الأكل -التهابات الجلد. ما هي النتائج الاجتماعية والعاطفية للسمنة؟ -انخفاض تقدير الذات، حيث يقوم الأطفال الآخرون بإغاظتهم والاستهزاء منهم، مما يُعرّضهم لتراجع أو فقدان تقدير الذات ومخاطر الإصابة بالاكتئاب. -صعوبات التعلم ومشاكل سلوكية: يعاني الطفل السمين من القلق الزائد ويمتلك مهارات اجتماعية أضعفَ من مهارات الطفل العادي، وقد يؤدي ذلك إلى التصرف بشكل مزعج وغير منضبط في الصف أو قد يؤدي إلى الانعزال. التوتر والقلق يتعارضان مع التعلم، فالتوتر في المدرسة يخلق شراسة وقلقا متناميا، مع تدني الأداء الأكاديمي -الاكتئاب: العزلة الاجتماعية وضعف تقدير الذات يخلق شعورا غامرا باليأس لدى بعض الأطفال البدناء.. ويقع الطفل الذي يفقد الأمل في تحسن حياته فريسة للاكتئاب، والطفل المكتئب يفقد الاهتمام بالأنشطة العادية وينام أكثر من المعتاد أو يبكي كثيرا.. ويخفي بعض الأطفال المصابين بالاكتئاب الحزن ويُظهرون «بلادة». العلاج: يعتمد علاج السمنة عند الأطفال على عمر الطفل، ويجب عرضه على أخصائي تغذية، لتقييم حالته ولكي يتعلم تتبع حمية صحية وغير قاسية. ويشتمل العلاج تغيير نظام الأكل وزيادة النشاط الحركي. بالنسبة إلى الأطفال تحت سن السابعة، والذين لا يعانون من أي مشاكل صحية، يهدف العلاج إلى تثبيت الوزن وليس إنقاصه، وتسمح هذه الإستراتيجية بزيادة الطول وتثبيت الوزن. أما بعد سن السابعة، فإن فقدان الوزن يصبح ضروريا، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الأطفال الذين يعانون من مشاكل صحية مرتبطة بزيادة الوزن. ويجب أن يكون تخفيف الوزن بطيئ ا وثابتا. تقع مسؤولية التغذية الصحية على الوالدين اللذين يقرران متى وأين تأكل الأسرة، فأي تغيير، مهْما صغر، يمكن أن يحقق تغييرا كبيرا على صحة الطفل، ويمكن الاسترشاد بما يلي لتحسين النظام الغذائي للطفل: -عند شراء الأطعمة، يجب اختيار الفواكه والخضر بدلا من الأطعمة الغنية بالسكر والدهون، ويجب توفير وجبة خفيفة صحية في متناول الطفل بشكل دائم وأن يُمنَع استعمال الطعام كوسيلة للعقاب أو الجزاء. -الحد من المشروبات المحلاة، بما فيها عصير الفواكه، فهي توفر عناصر غذائية قليلة القيمة مقارنة بالسعرات الحرارية، التي تحتوي عليها، إضافة إلى أنها تُشعِر الطفل بالشبع، فلا يأكل الطعام الصحي والمغذي. -تشجيع عادة الأكل على مائدة واحدة، كأسرة كاملة، وتحويل الطعام إلى مناسبة لتبادل الحديث والأخبار والقصص والحد من تناول الطعام أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر أو ألعاب الفيديو. -النشاط البدني الذي هو مكوّن هامّ في عملية فقدان الوزن، فهو لا يحرق السعرات الحرارية فحسب، بل يبني العظام القوية والعضلات ويساعد الطفل على النوم العميق ليلا وعلى البقاء متيقظا ونشيطا نهارا. وتساعد تنمية هذه العادة لدى الطفل الأخيرَ في الحفاظ على وزن مناسب في فترة المراهقة، رغم التغيرات الهرمونية والنمو السريع والتأثيرات الاجتماعية، فالتغذية الصحية تبقى الحلَّ الوحيد والأنسبَ.. ولا تنسوا أن المرض وارد والشفاء مطلوب والوقاية خير من العلاج...