وزير الصحة في مواجهة انتقادات حادة بسبب إلغاء صفقة عمومية ب180 مليون درهم    المستشارون يؤجلون تقديم السكوري لمشروع قانون الإضراب ويشترطون التفاوض مع النقابات أولاً    أسعار الذهب تواصل الارتفاع    الدعم المباشر للسكن.. تسجيل 110 آلاف طلب استفادة في ظرف سنة    عدد القتلى يرتفع في زلزال الهيمالايا    بعد الفراغ السياسي في كندا.. مطامع أمريكية بضم البلاد إلى ولاياتها    صادم.. التدخين يقتل 12.800 مغربي سنويا    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    انطلاقة برنامج 'محاضرات علمية' الموجه لسجناء قضايا التطرف والإرهاب    مساء اليوم في البرنامج الثقافي "مدارات " بالإذاعة الوطنية : لمحات عن المؤلفات الفقهية والأدبية للسلطان العلوي المولى عبدالحفيظ    المغاربة يغيبون عن "بوكر العربية"    حنان الإبراهيمي تنعي والدتها بكلمات مؤثرة (صور)    برلماني يفضح تورط مصحات خاصة في التلاعب بملفات التعويض عن المرض ويطالب بتحقيق عاجل    إجمالي الاستثمارات في الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل للفترة (2024-2030) يقدر بحوالي 30 مليار درهم (بنعلي)    جمهورية غانا تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية" الوهمية    فرق التجهيز تتدخل لإزالة الثلوج عن محاور طرقية بإقليم الحسيمة    الصين: ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال منطقة التبت إلى 95 قتيلا    التدخين يكلف المغرب 5 مليارات درهم سنويًا ويتسبب في آلاف الوفيات المبكرة    شركة "سبيس إكس" تطلق 24 قمرا جديدا من "ستارلينك" إلى الفضاء    محمد بنشريفة مدرباً جديداً للمغرب التطواني    عاصفة ثلجية قوية تشل حركة أوروبا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    الدولي المغربي عبد الرزاق حمد الله يصبح الهداف التاريخي لكأس الملك السعودي    محمد صلاح يرد على كاراغر ساخراً: "بدأت أعتقد أنك مهووس بي"    المغربي بوعبيد يعزز صفوف "صحم"    المنتخب النسوي U20 يخوض معسكرا مكثفا بالمعمورة    توقعات طقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    عامل الحسيمة يتفقد تقدم أشغال مشاريع طرقية كبرى في الإقليم    المتصرفون المغاربة يستنكرون التمييز ويدعون إلى إصلاح عاجل لنظام الوظيفة العمومية    فنان أمريكي يرفض التعاقد على "عدم مقاطعة إسرائيل"    الرحلات الجوية تعود إلى مطار دمشق    1,5 مليار درهم قيمة الاستثمارات الأجنبية في السينما بالمغرب    دراسة: الحليب لا يفرز البلغم عند الإصابة بنزلات البرد    لبنان.. القوات الإسرائيلية تبدأ الانسحاب من الناقورة وهوكستين يؤكد التزام "كل الأطراف" باتفاق وقف النار    بنسعيد يستعرض دواعي مشروع قانون حماية التراث    كلية الآداب بتطوان وجماعة العرائش يوقعان اتفاقية إطار للتعاون    سفيان رحيمي يتصدر قائمة الهدافين دوليا لعام 2024 حسب تصنيف IFFHS ب 20 هدفًا مذهلًا    منتجع مازاغان يحصل على عدد كبير من التتويجات في عام 2024    الرئيس الفرنسي يشيد "بالطموح غير المسبوق" للشراكة التي تم بناؤها مع المغرب    مرسى ماروك تستثمر في محطة نفطية جديدة في دجيبوتي.. لتعزيز سلاسل الإمداد اللوجيستي في شرق إفريقيا    موعد مباراة برشلونة ضد بيلباو في نصف نهائي كأس السوبر الإسباني والقنوات المجانية الناقلة    الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور    ماحقيقة فيروس الصين الجديد الذي أثار الفزع حول العالم؟    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    الأوقاف تعلن عن فتح تسجيل الحجاج إلكترونيا لموسم 1447 هجرية    أسعار النفط ترتفع إلى أعلى مستوياتها منذ أكتوبر    "ذا بروتاليست" و"إميليا بيريز" يتصدران الفائزين بجوائز غولدن غلوب    بورصة البيضاء تنهي التداولات بارتفاع    مقاطعة أم انهيار: غياب ممثلي «جمهورية تندوف» في الخارج عن ندوة «لحمادة» للعلاقات الخارجية    الشعب يفرح بالمطر والحكومة أيضا..    المغرب يشارك في مسابقة "le Bocuse d'Or" وكأس العالم للحلويات وكأس العالم للطهاة    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    رسميا | الكاف تعلن موعد قرعة كأس إفريقيا للاعبين المحليين    تفاصيل انتشار فيروس يصيب الأطفال بالصين..    بعد أن ارتفعت أسعار اللحوم البيضاء إلى أثمنة قياسية    دراسة: التفاعل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأوطان والأوثان
نشر في المساء يوم 25 - 03 - 2011

رفض شباب الثورة المصرية لقاء هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية. بدا السلوك في محله تماما، ويؤكد الطبيعة الوطنية الخالصة للثورة المصرية الشعبية الكبرى.
بدا سلوك الثوار في غاية النضج، فلا أحد في مصر يجهل حقيقة أمريكا الشيطانية، واندماجها الاستراتيجي الكامل مع إسرائيل، ودعمها لنظام الديكتاتور المخلوع الذي بدا كوثن يحبه البيت الأبيض ويكرهه المصريون الذين يتزايد انتباههم إلى أولوية استعادة الاستقلال الوطني، وتحرير مصر من التبعية المزمنة للسياسة الأمريكية ومن قيود نزع السلاح وهوان السياسة المترتبة عما يسمى معاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية.
صحيح أن المعركة الوطنية طويلة في مصر، وسوف تتوالى فصولها، لكن كسب الحرية في ذاته لا يعني فقط فرصة تقدم لإقامة نظام ديمقراطي، بل إنه فرصة حقيقية لاستعادة الاستقلال الوطني الذي جرى تجريفه، فقد كانت ديكتاتورية مبارك اللصوصية وبالا على الوطن المصري، وبقدر ما كانت كابوسا جاثما على صدور الشعب المصري، فقد فقدت مصر مكانتها وفقدت حصانتها الوطنية، فقدت استقلالية قرارها وتراجعت مصالح المصريين إلى ذيل القائمة، فيما كانت الأولوية لمصالح الأمريكيين والإسرائيليين، وكانت قاعدة مبارك الذهبية للبقاء في الحكم في تمام الوضوح، كان الديكتاتور القاتل يخدم إسرائيل كسبا لرضى الباب العالي في واشنطن، وطلبا لتجديد أوراق الاعتماد وتأشيرات الإقامة في قصر الحكم، ومع نشوب الثورة لم تنفعه أمريكا التي أمدته بكل أدوات القمع، ولا نفعته إسرائيل التي كانت في مقام الست أمه، وكانت تعتبره أعظم كنوزها الاستراتيجية.
في المثال المصري، بدت العلاقة عكسية بين الأوثان والأوطان، فقد جعلوا من الحكام أوثانا، وجعلوا الأوطان في وضع الضحية، وبدا بالمقابل أنه لا حرية مع استبداد ولا حرية مع استعمار أيضا، وأن كلفة القهر التي يعانيها الناس هي ذاتها كلفة التفكيك التي تعانيها الأوطان، في مصر بدا خطر تفكيك النسيج الوطني ظاهرا، وبمفاقمة الاحتقان الطائفي بالذات، وبالتوازي مع القهر والنهب والتبعية للاستعمار الأمريكي الإسرائيلي، ولم يصل الأثر في مصر إلى حد التهديد بالتفكيك الجغرافي، ربما لحصانات التكوين المصري، وهو ما لا يتوافر بالقدر نفسه في أقطار عربية أخرى، تتطابق نظمها في التكوين مع النظام المصري المخلوع، وتسري إليها شرارة الثورة نفسها ويحارب طغاتها معركتهم الأخيرة ويحرقون الأوطان حفظا لعبادة الأوثان.
في ليبيا مثلا، تبدو المأساة في ذروة دموية، بدأت الثورة الشعبية سلمية تماما، وعلى المثال المصري وقبله المثال التونسي، وانتقلت الشرارة بسرعة البرق على خط مدن الساحل الليبي، المتباعدة جغرافيا، وكادت تحقق أهدافها في أيام، كادت تذهب بالديكتاتور الليبي إلى سلة مهملات التاريخ، لكن الديكتاتور القذافي بدلا من أن ينصت لصوت الشعب، أنصت لصوت نفسه وأصوات عياله، وتوالت هلاوسه، وتصور نفسه وثنا معبودا وصمم على حرق الأخضر واليابس وأشعلها حربا أهلية، فليبيا لا تهمه في شيء، إلا أن تكون مزرعة خاصة له ولعائلته، وهو الذي سرق ثروة الشعب الليبي واستذل الليبيين وحوَّلهم إلى شعب شديد الفقر في بلد شديد الثراء بموارده البترولية الممتازة، وفي لحظة الجد تبخرت شعاراته الفارغة عن سلطة الشعب وواجه شعبه بالسلاح، وبدا مصمما على تفكيك ليبيا ذاتها وتعريضها لخطر التدخل الأجنبي وإعادة احتلالها، وكأنه يفضل تسليم ليبيا للاستعمار أو تجزئتها إلى دويلات أو حرق آبار بترولها، وذلك كله حرصا على مقام السلطان، وبتسميات مثيرة للسخرية من نوع قائد الثورة الأممية وملك ملوك إفريقيا، ويسمى نفسه إماما للمسلمين، بل ويتحدث عن نفسه كإله، ويسوق كل هذا الخبل الدموي بهدف واحد وحيد هو أن يبقى صنما تتداعى إليه الغنم.
وفي اليمن، تبدو حركة الثورة الشعبية التلقائية أكثر نضجا، فلم تتورط إلى الآن في صدام بالسلاح وصممت على طبيعتها السلمية وصبرت على احتمال الأذى وقدمت قوافل الشهداء وبدت طبيعتها الوطنية الوحدوية خالصة، فقد جمعت مدن اليمن شماله وجنوبه على إيقاع واحد، وهو إنهاء حكم الديكتاتور علي عبد الله صالح، وخلع حكمه العائلي المتسلط الناهب الذي حول اليمن إلى دولة فاشلة على شفا التفكيك، وفي مواجهة يائسة مع مخاطر القاعدة والحوثيين والحراك الجنوبي الانفصالي، وسمح لسلاح الأمريكيين بأن يضرب في اليمن، مقابل إعانات خاصة له ولعائلته ولجماعته، فقد انتهت سيرة «الوثن» اليمني إلى تفكيك الوطن نفسه، بينما بدت الثورة الشعبية بالمقابل عملا توحيديا بامتياز وردا لاعتبار الوطنية اليمنية الجامعة، وأبدت نضجا هائلا في تجنب اللجوء إلى حروب السلاح، وفي احتذاء عظات وشعارات المثال المصري الملهم، رغم أن التركيب اليمني، بعشائريته وقبليته الظاهرة، كان يغري أكثر باحتمالات التورط في الخطأ الذي تجنبته الثورة اليمنية بحرص ووعي ممتاز، وهو الوعي الذي لم يتوافر بالقدر نفسه في أحوال الثورة الليبية الباسلة، وجعلت الثورة تبدو وكأنها افتتاح لحرب أهلية، وعلى غير طبيعة الثورات العربية الراهنة التي توحد نسيج الأوطان بندائها السلمي الجامع وتخصم من حساب عبادة الأوثان.
وفي البحرين، بدأت الثورة الشعبية بنضج ظاهر، ثم انتقلت إلى تمرد مذهبي، ووفرت للحكم فرصته الذهبية، وهي أن يبدو مدافعا عن سنة البحرين ضد الخطر الشيعي، مع أن القضية الأصل لا خلاف فيها بين سنة وشيعة، وهي رفض شرور الملكية المطلقة التي حولت البحرين إلى مركز قيادة للأسطول الأمريكي، فالطبيعة الوطنية للاتجاه إلى الثورة ظاهرة الأسباب، والطبيعة الديمقراطية كذلك، فمن حق شعب البحرين أن يحكم نفسه بنفسه، ومن دون وصاية عائلة تحكم بلا تفويض شعبي، وتعتبر البحرين من أملاكها الموروثة، وتؤجج نزاعات السنة والشيعة حفظا لملكها، وتستعين بقوات السنة من السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، التي تدخلت بغلظة لقمع ثورة البحرين، مع أن هذه الدول ذاتها فعلت العكس في الحالة الليبية وطلبت التدخل الأمريكي بدعوى حماية الثوار الليبيين، وكأنه من حق شعب ليبيا أن يثور وأن تتوافر له الحماية من بطش كتائب القذافي، بينما ليس من حق شعب البحرين أن يثور ولا أن يطلب استعادة البحرين، لأهلها لا لأوثان أمريكا.
وفي المحصلة، فإن استمرار نظم الأوثان يؤدي إلى تفكيك الأوطان، بينما الثورات الشعبية السلمية توقظ روح الشعوب، وتحمي الأوطان من خطر التداعي، وتنهي غربة الناس في أوطانهم، وتستعيد رباط «العروة الوثقى» بين حرية المواطن وحرية الوطن، فالمواطن الحر هو الذي يحرر الوطن المستعبد، والثورة التي تخلع الاستبداد، هي ذاتها الثورة التي تتصدى للاستعمار، فالأوطان محتلة بقدر ما أن الشعوب مقهورة، والحكام أوثان بقدر ما هم دمى للاستعمار، وتحطيم الأوثان يعيد بناء الأوطان على أسس المواطنة الكاملة، وبلا تمييز طائفي أو جهوي أو قبلي عشائري، والطبيعة الوطنية الجامعة هي العنصر الأهم في ضمان نجاح الثورات العربية المعاصرة، وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه صناع الثورات السلمية وأن يحذروا عبور السلك الشائك من حدائق الثورات إلى حقل ألغام الحروب الأهلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.