في شاطئ القصر الصغير القريب من طنجة، كان مئات المصطافين يسبحون وكأنهم في أكثر أماكن الكرة الأرضية أمانا. فجأة بدأ صراخ وضجيج وآباء وأمهات يطلبون من أبنائهم الخروج من الماء. لقد ظهرت أسماك القرش من جديد، هذه الأسماك الشرسة التي يمكن أن تقتل بضربة واحدة من زعانفها الصلبة. هناك من غادر الماء، وهناك من بقي بين أسماك القرش تطوف به من كل جانب. يعتقد الكثير من المغاربة أن أسماك القرش لا توجد في الشواطئ المغربية، وهم لا يرون هذه الأسماك الشرسة سوى في الأفلام، لكنهم وجدوا أنفسهم أمامها وجها لوجه خلال السنوات الأخيرة، وكل ما في الأمر أن أسماك القرش التي ظهرت في الشواطئ المغربية من حديد وصلب، بينما أسماك القرش الطبيعية من لحم ودم. أسماك القرش الجديدة في شواطئ البلاد هي هذه الدراجات المائية التي أصبحت تزرع الرعب في كل مكان، وخلال السنوات الأخيرة تسببت في حوادث قاتلة وخطيرة، ولم يصدر إلى حد الآن أي قانون يمنعها أو يقنن استعمالها. المسؤولون المغاربة لا يأبهون بذلك طبعا لأن الشواطئ التي يسبحون فيها لا توجد فيها هذه الدراجات المجنونة. أصحاب هذه الدراجات المتوحشة يتفرعنون على عباد الله في الشواطئ لأنهم يعتقدون أنهم يمارسون رياضة فوق القانون. ومنذ أن ظهر الملك محمد السادس يمارس هذه الهواية في بداية حكمه، والتي عرفها الناس باسم رياضة «الجيت سكي»، ظهرت المئات من الدراجات المائية في الشواطئ، وأصحابها يعتقدون أن لا أحد يستطيع إيقافهم عند حدهم لأنهم يمارسون نفس الرياضة التي يمارسها الملك، مع أن لا أحد رأى الملك يوما وهو يمارس هذه الرياضة قرب رؤوس المستحمين، مع أنه لو فعل ذلك لكان مبعث سرور لأن الكثيرين سيجدونها فرصة ليبعثوا إليه رسالة من تحت الماء تطلب رخصة نقل أو عملا أو فيزا. وقبل بضعة أيام، تعرضت فتاة لحادث خطير في شاطئ أشقار في طنجة بعد أن دهستها دراجة مائية وتسببت لها في جروح خطيرة ونجت من الموت بأعجوبة. وقبل ذلك شهد نفس هذا الشاطئ وشواطئ أخرى حوادث ذهب ضحيتها مصطافون آخرون، ومصالح الوقاية المدنية في مختلف المدن المغربية تملك أرقاما مخيفة. كثير من الشباب الأرعن جعلوا من الجيت سكي وسيلة للتحرش الجنسي. إنها أحصنتهم التي يظهرون من خلالها فروسيتهم للجنس الآخر، ويمكنهم أن يحطموا رؤوس المصطافين عندما يسخن لهم الراس. ومن سوء حظ المغاربة أنهم لا يأمنون اليوم على أنفسهم وسلامتهم لا في البر ولا في البحر. فقبل بضعة أسابيع هاجم كلب بيتبول في طنجة طفلا وغرز أنيابه في رأسه ونجا الطفل بأعجوبة. وقبل ذلك هاجم لصوص مع كلاب البيتبول أناسا وسلبوهم ما يملكون. الناس عندما يهربون من كلاب البر نحو البحر فإنهم يجدون أنفسهم أمام دراجات الجيت سكي، ولو ظهر طارق بن زياد من جديد لألقى في الناس خطبة تقول: «أيها الناس.. أين المفر.. كلاب البيتبول من ورائكم والجيت سكي أمامكم.. وليس لكم والله إلا الصبر وتحمل الصهد في دواويركم». المغاربة فقدوا الكثير من الأشياء شيئا فشيئا، وظلوا صامتين ووديعين لأنهم أجمل شعب في العالم. فقدوا القدرة على محاسبة المسؤولين وصمتوا، فقدوا حقهم في التعليم وصبروا، فقدوا حق العمل فسكتوا، واعتمدوا على الهجرة أو تحويلات أقربائهم من الخارج، فقدوا القدرة على مواجهة المخزن وتحمّلوا كل ما يتعرضون له من تجاوزات، وها هم يفقدون آخر ما لديهم.. الأمان على الأرصفة وفي الشواطئ.