اعتاد الضحية المسمى، قيد حياته، مصطفى، بعد الانتهاء من عمله أن يجلس في محل للأنترنيت، ولم يكن يدور في خلده، وهو الذي تفيد شهادة الأصدقاء والجيران بأنه من ذوي الأخلاق الحسنة، أن يكون بين المحيطين به عدو يكن له الكثير من الحقد، لم يعلم الهالك أن وسامته وطيبوبته ستكونان السبب في وفاته. لقد اعترض سبيله، يوما، ثلاثة شبان وأشبعوه ضربا قبل أن ينهي أحدهم حياته بطعنة سكين دون أن يكون بينه وبينهم عداء سابق، عدا أنهم لم يتقبلوا أن تكون له كل تلك الحظوة عند الفتيات، وكان لابد من التخلص منه بأي وسيلة، فكانت النهاية جريمة قتل خلفت حزنا عميقا في نفوس كل معارف الضحية. لم يدر مصطفى ذو الثمانية عشر ربيعا وهو خارج لتوه من منزله في اتجاه محل الانترنيت المفضل إليه بالحي المحمدي، أنه سيذهب إلى مثواه الأخير إثر جريمة بشعة من تنفيذ سيف (اسم مستعار) ذي التاسعة عشرة سنة، والذي يتابع تكوينه المهني في مدرسة للحلاقة بالمدينة، كانت الساعة تشير حينها إلى الخامسة من مساء يوم الجمعة أواخر شهر دجنبر الماضي، حين كان مصطفى كالعادة يمتطي دراجته الهوائية قادما من منزل أقاربه الكائن بالمدرسة التقنية الفلاحية، حين تفاجأ بثلاثة شبان يعترضون سبيله ويعمدون إلى ضربه وتعنيفه بعد إسقاطه من دراجته، قبل أن يعمد سيف إلى توجيه طعنة بواسطة سكين من الحجم الكبير جلبه من عند جزار الحي، لم تترك لمصطفى أي فرصة في الحياة، ليلفظ على التو أنفاسه الأخيرة، في وقت كان فيه المتهمون قد غادروا مسرح الجريمة إلى وجهة مجهولة. مكالمة هاتفية تقود إلى ارتكاب جريمة كانت عينا سمير تترصد مصطفى حين كان في طريقه إلى محل الانترنيت، حيث أجرى سمير مكالمة هاتفية سريعة بصديقه سيف مفادها أن المعني بالأمر يوجد بمكان معلوم وأن الفرصة مواتية لاعتراض سبيله والانتقام منه، فرح سيف بتلك المكالمة التي كان ينتظرها منذ فترة، حيث لم يتوان في الحضور على التو إلى عين المكان رفقة أصدقائه الثلاثة متسلحا بسكين من الحجم الكبير، كان المتهم قد جلبه من جزار الحي بعد أن أوهمه بحاجة أمه إلى السكين لتقطيع شرائح اللحم، في حين أنه كان يهدف إلى الاستعانة به لتنفيذ جريمته، واضعا بذلك الجزار في موقع المساءلة القضائية قبل أن يخلى سبيله لاحقا بعد شهادة أم الجاني في القضية. تكلف ثلاثة من المتهمين باعتراض سبيل مصطفى وإسقاطه من فوق الدراجة، لم يفهم الضحية حينها سبب هذا الهجوم المفاجئ عليه والتمس منهم تركه يذهب إلى حال سبيله، غير أن رغبتهم الجامحة في الانتقام منه كانت أقوى من أن يخلوا سبيله، ولم تنفع توسلات الضحية الذي وجد نفسه محاطا بمجموعة من الأشخاص دون أي يستوعب ما يقع حوله. وفي وقت كان الضحية يستغيث بالمارة، كان سيف قد أخرج سكينه الكبير من ملابسه وطعن به الضحية على مستوى البطن، ليفر بعدها المتهمون الثلاثة بعد أن تركوا الضحية غارقا في بركة من الدماء، دون أن يدروا أنهم ارتكبوا جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي يعاقب عليها القانون بأقصى العقوبات، في حق شاب ذهب ضحية وسامته وطيبوبته . اعتقال المتهم ورفاقه مباشرة بعد توصل عناصر الشرطة بمفوضية أولاد تايمة بإخبارية من بعض المارة، قامت عناصر الدائرة الأمنية بالانتقال إلى عين المكان، حيث تمت معاينة مسرح الجريمة وتحرير محضر في النازلة، فيما تم استدعاء سيارة لنقل الأموات أقلت الضحية مباشرة إلى مستودع الأموات بمستشفى المختار السوسي بتارودانت لتشريح الجثة ومعرفة أسباب الوفاة. طوقت عناصر الدائرة الأمنية المكلفة بملف القضية جميع الأماكن التي من المحتمل أن يلجأ إليها المتهم الرئيسي، بما فيها منزل أسرته الكائن بحي الكرسي دون جدوى، وأعلنت الأجهزة الأمنية بالمدينة حالة استنفار قصوى للقبض على الجاني، وتمت الاستعانة بخدمات أعوان السلطة المحلية، غير أن مكالمة هاتفية قصيرة من ضابط شرطة جعلت المتهم يقتنع بفكرة العدول عن الهروب والحضور تلقائيا إلى مقر المفوضية ليقدم نفسه طواعية إلى عناصر الشرطة، خصوصا بعدما اعتقد واهما أن الضحية لازال حيا يرقد بغرفة الإنعاش، ولم تمض سوى فترة زمنية قصيرة قبل أن يتم اعتقال المتهمين الثلاثة الآخرين بحي الكرسي وأثناء الاستماع إلى أقوال المتهمين في محاضر قانونية أكدوا جمعيهم، أنهم حضروا مع المتهم قصد مؤازرته باعتباره صديقهم، وللتمكن من التغلب على الضحية دون تكون لهم نية قتله، كما أفاد المتهمون أن المتهم كان قد أخبرهم أنه يريد النيل من الضحية على اعتبار أن الأخير كان يربط علاقة عاطفية مع أخت المتهم التي تدرس بنفس الإعدادية القريبة من محل الأنترنيت الذي اعتاد الضحية الجلوس فيه. طفولة محرومة نشأ مصطفى يتيم الأبوين بعد أن فقد في البداية والدته في سن مبكرة ليعيش في كنف زوجة أبيه، وواصل الطفل مصطفى مشواره الدراسي إلى حدود السنة السادسة الابتدائي، حينها كان والده قد غادر الحياة إلى دار البقاء، فانتقل مصطفى للعيش في كنف جدته بعد أن انتقلت زوجة أبيه إلى منزل زوجها الثاني، لم يدم مقام مصطفى عند جدته طويلا، فقد غادر قريته الصغيرة، وانقطع عن الدارسة متجها صوب مدينة أولاد تايمة التي يقطن بها بعض أعمامه، غير أن الحاجة وضعف ذات اليد جعلت أقاربه يتبرمون من الاعتناء بمصطفى الذي كان قد دخل في مرحلة حساسة من عمره ذاق خلالها الحرمان والتشرد في شوارع وأزقة أولاد تايمة شهورا طويلة، قبل أن يرسل القدر يدا رحيمة كانت بمثابة هبة من السماء انتشلته من براثن الشارع إلى الدفء الأسري، لم يكن هذا الشخص سوى أحد أبناء قريته يشتغل عونا في المدرسة الفلاحية، أثر في نفسه منظر طفل يتيم تائه بين دروب المدينة يواجه خطر التشرد والضياع، جلب رب الأسرة الطفل إلى عائلته الصغيرة واعتبره واحدا من أبنائه، وبقي مصطفى مدة بمنزل عائلته الجديدة إلى أن تحسن حاله ورسم مسارا جديدا لحياته، غادر مصطفى منزل الأسرة بعد أن اشتد عوده وتقلب في عدة مهن قبل أن يستقر به المقام بالسوق الأسبوعي حيث عمل كنادل بإحدى مقاهي السوق الشهيرة، غير أنه ظل وفيا لزيارة منزل مضيفه الذي لم ينس فضله وإحسانه عليه في وقت تخلى عنه أقرب المقربين إليه، مرت الأيام سريعة وتأقلم مصطفى مع وضعه الجديد وتغيرت أحواله إلى الأحسن بعد أن أصبح يتوفر على مدخول مادي قار استطاع من خلاله استئجار غرفة خاصة به، كما عمد إلى تسجيل نفسه بأحد أندية فنون الحرب، في حين كانت هوايته المفضلة الجلوس ساعات طويلة للإبحار في عالم الإنترنيت بمحل قريب من إعدادية الدرفوفي. زير الفتيات كان مصطفى يتميز بوسامة جذابة، وكان بسبب وسامته يلقى غيرة من طرف بعض أقرانه الذين يفدون على نفس محل الأنترنيت، كان الضحية كما يحكي بعض أصدقائه ذا أخلاق عالية ومعاملة حسنة مع الجميع، وكان يبادر من يصادف بالتحية والسلام، إلى درجة أن معاملته هاته جعلت الفتيات اللواتي يفدن على الانترنيت يبدين إعجابهن الشديد به، حيث كان يبادلهن نفس الشعور، كانت ابتسامته الدائمة لا تفارق محياه، يبادل جل أصدقائه أفراحهم وأحزانهم، أما قريب الضحية فأكد في شهادته المدونة في محضر الاستماع، أن فراق الضحية ترك ألما كبيرا في نفس كل من كان يتعامل معه، خاصة أنه كان محبوبا لدى جل معارفه وأصدقائه واستطاع بفضل طيبوبته أن يملك قلوب الجميع ويربط علاقات محبة بريئة، حيث أكد أنه لم يتلق يوما ما ولو شكاية واحدة من أي شخص بخصوص سلوكه مع الفتيان أو الفتيات على السواء، ويستطرد قريب الضحية والدموع لا تفارق عينيه، «لقد كان المرحوم يفد باستمرار على هذا النادي الذي كان عبارة عن مكان وملتقى دائم وقار لأصدقائه، الأمر الذي أثار ضغينة وحقد أعدائه الذين فكروا في التخلص منه، ربما كان السبب يتعلق بوسامته التي كانت تشكل نقصا بالنسبة لقاتليه، لكن لا أحد يعرف ماذا يخبئ له القدر».