أعلن الملك محمد السادس عن تأسيس مفهوم جديد لإصلاح العدالة ألا وهو «القضاء في خدمة المواطن»، والذي يتوخى منه «قيام عدالة متميزة بقربها من المتقاضين، وببساطة مساطرها وسرعتها، ونزاهة أحكامها، وحداثة هياكلها، وكفاءة وتجرد قضاتها، وتحفيزها للتنمية، والتزامها بسيادة القانون في إحقاق الحقوق ورفع المظالم». وتحدث الملك محمد السادس، بمناسبة ترؤسه افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان يوم الجمعة الماضي، عن المفهوم الجديد للسلطة باعتباره مذهبا للحكم مطبوع بالتفعيل المستمر والالتزام الدائم بمنطوقه، وأنه «ليس إجراء ظرفيا لمرحلة عابرة، أو مقولة للاستهلاك»، مضيفا أنه «ليس تصورا جزئيا، يقتصر على الإدارة الترابية، وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، تنفيذية كانت أو نيابية أو قضائية». وعلى مستوى العمل البرلماني، دعا الملك محمد السادس الأحزاب والفرق النيابية إلى «الأخذ بحكامة برلمانية جيدة، عمادها التشبع بثقافة سياسية جديدة، وممارسة نيابية ناجعة، قائمة على تعزيز حضور الأعضاء، جودة أعمالهم، ومستوى إسهامهم، في معالجة الانشغالات الحقيقية للشعبّ». وأكد الملك على «وجوب عقلنة الأداء النيابي، بالانطلاق من تجانس النظامين الداخليين للمجلسين، والنهوض بدورهما، في انسجام وتكامل، كمؤسسة واحدة هدفها المشترك، جودة القوانين، والمراقبة الفعالة، والنقاش البناء، للقضايا الوطنية، وخصوصا منها الحكامة الترابية، وتحصين وتعزيز الآليات الديمقراطية والتنموية». ونبه الملك البرلمانيين إلى أن «عضوية البرلمان ليست امتيازا شخصيا، بقدر ما هي أمانة، تقتضي الانكباب الجاد، بكل مسؤولية والتزام، على إيجاد حلول واقعية، للقضايا الملحة للشعب.إنها بالأسبقية قضايا التعليم النافع، والسكن اللائق، والتغطية الصحية، والبيئة السليمة، وتحفيز الاستثمار، المدر لفرص الشغل، والتنمية البشرية والمستدامة». ودعا الملك محمد السادس البرلمانيين إلى استشعار أن حصيلة عملهم الفردية والحزبية سيتم تقييمها، في نهاية انتدابهم، على أساس ما تم تحقيقه من إنجازات تنموية ملموسة. وأشار الملك إلى أن ذلك هو »السبيل القويم لاستعادة العمل السياسي والبرلماني لنبله، وللأحزاب اعتبارها، للنهوض بدورها الدستوري، في الإسهام في حسن تأطير وتمثيل المواطنين، وإعداد النخب المؤهلة لتدبير الشأن العام، وكذا التربية على المواطنة المتشبعة، بالغيرة على مقدسات الأمة، والالتزام بقضاياها ومصالحها العليا». وبخصوص تداعيات الأمة المالية والعالمية، دعا الملك البرلمانيين إلى الانخراط القوي في الإصلاحات العميقة عبر تشريعات متقدمة ومراقبة ناجعة. واعتبر الملك أن «مشروع القانون المالي لحظة قوية في تكريس العمل البرلماني الفعال. فالأمر لا يتعلق بالمناقشة والتصويت، على مجرد موازنة حسابات وأرقام، بل بالتجسيد الملموس للاختيارات والبرامج التنموية الكبرى للبلاد». أما على المستوى الاستراتيجي، فقال الملك محمد السادس: «إن الدفاع عن مغربية صحرائنا، الذي يظل قضيتنا المقدسة، يتطلب منكم جميعا، التحرك الفعال والموصول، في كافة الجبهات والمحافل، المحلية والجهوية والدولية، لإحباط المناورات اليائسة لخصوم وحدتنا الترابية»، وأن هذا يقتضي من البرلمانيين «التعبئة الشعبية الشاملة، واتخاذ المبادرات البناءة، لكسب المزيد من الدعم لمقترحنا المقدام للحكم الذاتي، وذلك في إطار دبلوماسية برلمانية وحزبية، متناسقة ومتكاملة مع العمل الناجع للدبلوماسية الحكومية». وقد أجمع عدد من البرلمانيين على أن الخطاب الملكي تضمن عددا من الرسائل المتمثلة أساسا في ضرورة قيامهم بدورهم ومسؤوليتهم باعتبارهم ممثلين للشعب، خاصة أن خطاب الملك تضمن إشارة إلى غياب البرلمانيين. ومن بين ما تضمنه الخطاب الملكي ضرورة انخراط ممثلي الأمة في الدفاع عن ملف الوحدة الترابية والتعبئة لمقترح الحكم الذاتي. وأكد هؤلاء، في تصريحات صحفية، على أن الخطاب الملكي أكد على استمرارية المفهوم الجديد للسلطة وعلى إصلاح القضاء عبر تأسيس مفهوم جديد للعدالة ألا وهو «القضاء في خدمة المواطن»، علاوة على التنمية الاقتصادية في ظل الأزمة العالمية، التي تقتضي الحفاظ على التوازنات المالية ودعم وتيرة النمو والاستثمار.