الكتب قوة لا يقهرها تعاقب الأزمنة ورفض الأنظمة، ولا اختلاف اللغات وتصارع الانتماءات.. هناك كتب كتبها أصحابها كمذكرات وتحولت إلى ملهمة للثورات، وكتب كانت مصدر شقاء أصحابها في حياتهم، لتصبح هي نفسها مصدر مجدهم وخلودهم.. وأخرى نشرت تنفيذا لوصية الوفاة وأضحت بعد نشرها شهادة ميلاد.. ونحن عندما نختار قراءة ثلاثين منها، فليس لأنها «الأفضل» أو لأنها «الأحسن».. بل لأنها الأكثر تأثيرا في تاريخ البشرية، فمن الدين والفقه، مرورا بالسياسة والاستراتيجية..وصولا إلى العلم والاقتصاد...احتفظت هذه الكتب دوما بوقع عظيم ومستمر في الحضارة والإنسان. يشير المؤلف إلى أن باستطاعة المصالح الأجنبية استغلال عدم تجانس فئات مجتمع معين، عن طريق إمداد جماعة صغيرة، دينية أو عرقية، بالمال أو بأي صورة من المساندة، حيث يتضخم تأثير هذه الجماعة، بصورة هائلة. في المقابل، يُطرح السؤال: هل نجت الدول الكبرى من عدم تجانس مجموعاتها؟ والجواب هو لا، بالطبع، لأن العالم يسير في هذا الاتجاه. ومن الأمثلة على ذلك نذكر حوادث لوس أنجلوس والحركات الميليشياوية للبيض الأمريكيين وكذلك سعي الشمال –الإيطاليي- إلى الانفصال... إلخ. كما يطرح المؤلف إشكالية حكم الحكومة الخفية ويعطي مثالا عليها تغير الرؤساء الأمريكيين مع بقاء الحكومة الخفية (يصفها بأنها هي التي تخلصت من الرئيس كينيدي عندما حاول تخطيها)، ثم يعود ليؤكد أن الحزب الفائز (مهما تعددت الأحزاب) هو الذي يشكل الحكومة الخفية التي تتحكم في الرئيس أو في الزعيم، مهما كانت قوة شعبيته. لكن انتشار المعلومات وسرعة هذا الانتشار سيجعلان من الصعب على القادة السياسيين أن يمنعوا تسرب المعلومات إلى الجمهور. كما سيصعب عليهم معرفة حقيقة المعلومات الواردة إليهم من مصادر وفي بيانات مختلفة، لذلك اتجهت لعبة المعلومات نحو خفض المعلومات المصنفة «سرية»، واللعب، بمهارة، على تسريب ما هو مناسب من هذه المعلومات، وهذه المهارة هي التي تحدد نجاح القادة... كما يشير المؤلف إلى لعبة معلومات أخرى مفادها حجب المرؤوسين بعضَ المعلومات عن رئيسهم، حتى يتاح له الدفاع عن نفسه (بخصوص كونه يجهلها)، إذا ما ساءت الأمور. ولتأكيد أهمية المعلومات في عالم اليوم، يشير المؤلف إلى أن القادة قد لا يستعملون الكومبيوتر، بشكل شخصي، ولكنهم في المقابل يتخذون قراراتهم بناء على معلومات وتقارير تمت معالجتها بالكومبيوتر، من قِبَل متخصصين، وهو لا يهمل الإشارة إلى إمكانية توجيهها نحو نتائج متناقضة، وهو يسمي هذا الاختلاف ب«حرب المعلومات». وفي هذا الإطار، يشبه المعلومات التي تصل إلى القادة بالنور الذي يمر في متاهة من المرايا المحرفة، وهي متاهة من شأنها أن تحدد انقلاب الصورة أو انعكاسها أو حتى تشويهها. من هنا، حاجة الجميع إلى المعلومة الأصلية وازدياد مطالبة الجماهير بالشفافية وضمان تسهيل حرية وصولها للمعلومات. ويتنبأ المؤلف بازدياد أهمية الجاسوسية في عصر المعلومات المقبل، لكنه يرى حاجتها إلى التطوير، خصوصا في اتجاه التجسس الاقتصادي، الذي ازداد أهمية بعد نهاية الحرب الباردة. ويعطي الأمثلة على تورط عدد من الشركات العملاقة الأمريكية في تأمين الغطاء لجواسيس المخابرات الأمريكية في البلاد التي تعمل فيها هذه الشركات. بل إن المؤلف يذكر حكاية ذات مغزى خاص، فيروي قصة وكالة مخابرات خاصة تمكنت من جمع معلومات تتنبأ باغتيال الرئيس السادات، قبل عشرة أشهر من اغتياله... كما تنبأت هذه الوكالة بنشوب الحرب العراقية الإيرانية، قبل نشوبها بتسعة أشهر!.. ومع تطور إمكانات رصد المعلومات وإيصالها الفوري، فإن المسألة لن تكون مسألة حصول على المعلومات فقط، بقدر ما هي مسألة قدرة على قراءة هذه المعلومات وتحليلها تحليلا صحيحا. وستعطي أهمية القراءة الصحيحة للعقل وللقدرات الفردية -العقلية أهميتَها في عصر المعلومات المقبل. فهل تصح النبوءة بأن من يملك المعلومات يملك العالم؟... لم يهتمَّ العربُ بكتاب «تحول السلطة» إلا مع بداية الألفية الثالثة، مع أن واضعي السياسات التنموية والتعليمية في عدة بلدان، ككوريا وفنلندا وتركيا والبرازيل وكندا، وهي بلدان ذات اقتصاديات صاعدة، بشكل ملموس على المستوى العالمي أولوه أهمية كبرى.. وفي المغرب، بدأ المثقف والمربي المغربي يستأنس بالكتاب ومقولاته الثورية مع عشرية الإصلاح، ثم مع ما يعرف بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. مفهوم مكثف لعناصر السلطة يقدمه المفكر الأمريكي ألان توفلر في كتابه، حيث يذهب فيه إلى أن مصادر السلطة ثلاث هي، بالتتالي التاريخي: العنف والثروة والمعرفة، فالحضارة الحديثة بنيت على أساس الاكتشافات الجغرافية الكبرى، والتي حملت إلى أوربا ثروات عالم ما وراء البحار لتبني حضارتها، أما اليوم فإن من يملك المعرفة يملك العالم، لكون المعرفة تقبل الاستخدام في مختلف مستويات الوجود الاجتماعي، وصولا إلى المسرح السياسي وإنها أعظم وسائل السلطة قيمة، لأنها الأكثر قدرة على التلاؤم، وهي عامل مضاعف للثروة والقوة، وأهمية المعرفة هي كونها تخضع العنف والثروة لحكمها. وإذا حاولنا فهم الأزمة العالمية، كما يحلل بوادرها توفلر في ثلاثيته، فهو يطرح شرطه المسبق المتعلق باستيعاب الطابع الثوري العام لاقتصاديات القرن الواحد والعشرين، وتتلخص في خمسة تغيرات أساسية: التغير الأول الذي طرأ على الاقتصاد العالمي، ويكمن في تزايد دور المكونات الاقتصادية غير الملموسة، بسبب الانتقال إلى عصر ما بعد الثورة الصناعية، حيث مرحلة إنتاج الثروة القائمة على المعرفة، وهو ما زاد من توسع المكونات الاقتصادية غير الملموسة. التغير الثاني، يحدده بالجهل بالمعرفة، بسبب اعتماد الاقتصادات المتطورة على معلومات يصعب تحديدها أو قياسها. ويخص التغير الثالث النشاط الاقتصادي العابر للحدود. يقدم لنا توفلر جامعة «وارويك» البريطانية، التي ترصد، سنويا، أشكال التشابك متعددة الوجوه من مالية، اجتماعية وثقافية وسياسية، حيث تعد هذه الجامعة مؤشرا سنويا للعولمة تقدم بموجبه درجات لكل دولة في العالم، وكلما ارتفعت درجات دولة ما في ذلك المؤشر، كلما كان يعني ذلك تزايد تشابكها مع البيئة العالمية. أما التغير الرابع فيتعلق بتزايد تعقيد النشاط المالي الاقتصادي، مما يؤدي إلى الاعتماد أكثر على الخبراء والمصرفيين والوسطاء الماليين وعلماء الرياضيات. ومن السذاجة هنا، حسب توفلر، أن نلقي باللوم فقط على ما يسمى جشع المستهلك الأمريكي والمؤسسات المالية والائتمانية، وهو يستند هنا في تبرير فكرته إلى البروفيسور مايكل دي إنتر لغيتر، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، الذي يطالب كل الهيئات الحكومية في العالم والمكاتب المتخصصة في المال والاستثمار بأن تعلق قائمة «إنتر لغيتر» على جدران مكاتبها، التي تفسر التعقيد والتشابك الشديدين للأزمة المالية العالمية. يقول البند الأول من القائمة إن الأزمة المالية العالمية سببها النمو غير المنظَّم لصناديق المخاطرة المالية في البورصات، وينص البند الثاني على تهاون الوكالات الائتمانية والمدققين والمحاسبين الماليين في منح درجات تقدير عالية جدا لأي مستندات وأوراق مالية تُعرَض عليهم، دون مراجعة دقيقة لذلك، بينما يتعلق البند الثالث بنمو المنتجات الجانبية وغيرها من الأدوات المالية الأكثر تعقيدا، مما يصعب فهمها في حقل العاملين في المجال المالي والاستثماري. يبقى لنا أن نتساءل عن التغير الخامس الذي طرحه توفلر للتكيف الإيجابي مع الأزمة المالية العالمية، الذي عنونه باختلال تزامن النشاط الاقتصادي، الذي يجهله الاقتصاديون التقليديون، حيث تزايدت سرعة النشاط المالي على حساب النشاطات الاقتصادية الأخرى، ويرجع ذلك إلى حدة المنافسة بين المؤسسات المالية في الأسواق المالية، ساعدتها في ذلك قوة التكنولوجيا المعرفية، وهو ما أدى إلى الاختلال في تزامن النشاط الاقتصادي، أما الحل الجذري الذي يقدمه توفلر لما يجري، فيكمن في التخلي عن الوصفات المالية والاقتصادية التقليدية لفهم التغيرات السريعة، ويعتبر اللحظة التاريخية الراهنة مناسبة لإعادة كتابة أسس الاقتصاد والنظام الماليين.
ألان توفلر... في سطور آلان توفلر سوسيولوجي أمريكي معاصر، يحمل عددا من الدرجات العلمية في الآداب والقانون والعلوم ويحمل درجة في علوم الإدارة من جامعة «كيو» اليابانية، ساعده مقامه في اليابان على تعديل مجموعة من التصورات الغربية، عامة، والأمريكية، خاصة، عن مفاهيم الحداثة والتقدم الصناعي والثروة والتنمية والقوة وغيرها، يعتبر من أبرز الكتاب والمحللين المتخصصين في دراسات المستقبل في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو باحث وناقد اجتماعي مرموق، بالإضافة إلى تميُّزه، كمفكر، في مجال عالم الأعمال. ألّف العديد من الكتب، من أبرزها ثلاثية اكتسحت كل العالم، بل وتعتبر مرجعا، اليوم، لدى أغلب دول العالم في وضع السياسات التنموية والتعليمية، وهي كتاب «تحول السلطة»، كتاب «صدمة المستقبل» وكتاب «الموجة الثالثة». يعمل توفلر باحثا زائرا في منظمة «راسيل سيج» وأستاذا زائرا في جامعة «كورنيل» ومحررا في مجلة «فورتشن» (Fortune)، وهو عضو في معهد الدراسات الاستراتيجية، وتم انتخابه زميلا للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم. كتاب تحول السلطة هو الكتاب الثالث من ثلاثية آلان توفر، يتكون الكتاب من ثمان وعشرين فصلا، مقسَّمة إلى خمسة أبواب، الباب الأول: المعنى الجديد للسلطة، الباب الثاني: الحياة في الاقتصاد الموغل في الرمزية، الباب الثالث: حرب المعلومات، الباب الرابع: السلطة في الشركة المرنة، الباب الخامس: أساليب تحول السلطة. بالانتقال إلى محتويات الكتاب، نجد أنه يطرح إشكاليات عميقة في الفكر السياسي والمرشَّح للاعتماد في حكم العالم خلال القرن المقبل، فالقرار يجب أن يكون مسؤولية مالكي المعلومات، لأن هذه الملكية تتيح لهم اتخاذ القرارات الصحيحة، وهذا يعني إبعاد الجماهير (التي تعجز عادة عن ملكية مقدار كاف من المعلومات) عن مراكز القرار، لذلك يعتبر المؤلف أن إحدى سخريات التاريخ تمكن في أنه، بينما يطمح المواطنون، بشغف، إلى استكمال ملكيتهم للحرية، فإن ديمقراطيات الغرب واليابان في طريقهما نحو إنهاء عصر ديمقراطية الجماهير، مما يوقع هذه الديمقراطيات في أزمات داخلية طاحنة. ويستعرض المؤلف نماذج من هذه الأسئلة الداخلية، فيرى قدرتَها على إصابة المجتمع بالتفكك، ذلك أن تقنية المعلومات -الاتصال تستطيع أن تعتمد شرائح اجتماعية بعينها، تاركة الشرائح الأخرى لحملة معلومات آخرين، حيث تفقد الجماهير تجانسها وتتحول إلى جماعات غير متجانسة.