ربطت مصادر مطلعة بين تعيين الرئيس الجزائري بوتفليقة لأحمد أويحيى رئيسا للحكومة خلفا لعبد العزيز بلخادم وبين رغبة بوتفليقة في ترتيب البيت الداخلي والتحضير لخلافته، وقالت المصادر إن أويحيى ينتمي إلى التيار الليبرالي الجديد في جبهة التحرير الجزائرية، الحزب الوحيد سابقا، والذي يعد المنافس القوي للتيار النافذ فيها، ممثلا في جناح المشروعية التاريخية والوطنية. وحسب هذه المصادر، التي رفضت الكشف عن اسمها أو هويتها، فإن العربي بلخير، السفير الجزائري في المغرب وأحد الوجوه المحسوبة على التيار التقليدي في جبهة التحرير، يشكل الطرف الثاني في معادلة التنافس على خلافة بوتفليقة، كونه يحظى بدعم قوي من عناصر نافذة في المؤسسة العسكرية وفي عالم المال والأعمال وداخل الصف الأول في جبهة التحرير، بما يؤهله ليكون الخليفة المفترض لبوتفليقة الذي يعاني من مرض عضال «قد يحجبه في أي وقت». وقالت نفس المصادر إن بلخير قد يكون «الخيار الأفضل للمغرب العربي»، خاصة وأنه ملم بأهم حلقات النزاع بين المغرب والجزائر وعين سفيرا في الرباط وكان قريبا من الدوائر السياسية فيها. وأظهر تعيين بوتفليقة لأويحيى رئيسا للحكومة للمرة الثانية في خمس سنوات وتقليد بلخادم منصب الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، للمرة الثانية أيضا، المأزق السياسي في الجزائر التي باتت تعيش حالة من الشيخوخة، بحيث أصبح النظام «يدور حول نفسه» ويفتقر إلى عناصر جديدة، بحسب خبير مغربي في قضية الصحراء رفض ذكر اسمه. وأثار تعيين أويحيى، الذي كان أشرس المنافسين لبوتفليقة في الانتخابات السابقة وانشق عنه ليؤسس حزبه الجديد «التجمع الوطني الديمقراطي»، تساؤلات عدة بشأن الدوافع وراء التقارب مجددا بين الرجلين بعد خلافات عاصفة، وما إذا كان ذلك راجعا إلى رغبة المؤسسة العسكرية، التي دعمت بوتفليقة نفسه مرتين رئيسا للجمهورية، وهي صاحبة المصلحة في دعم أويحيى هذه المرة وضمان انتقال هادئ للسلطة. ويوصف أويحيى بأنه «رجل المهمات الصعبة»، وسبق له أن تقلد منصب رئيس الحكومة مرتين، الأولى بين عامي 1995 و1998، في عهد اليامين زروال، والثاني بين عامي 2003 و2006 في عهد بوتفليقة، وهو معروف بسياسته الحازمة في التسيير، لا سيما أنه عايش مراحل الأزمة العصيبة التي مرت بها البلاد خلال «العشرية الحمراء» التي تميزت بالمواجهة بين الدولة والجماعات المسلحة، والتي أفرزت ظروفا اقتصادية صعبة جعلته يتخذ قرارات متأنية وحذرة تجنبا لهزات اقتصادية جديدة. كما سبق لأويحيى أن عين وزيرا مكلفا بالتعاون والشؤون المغاربية عام 1993، ثم مديرا لديوان الرئيس السابق اليامين زروال، الذي سرعان ما عينه رئيسا للحكومة ثم عين وزيرا للعدل خلال ولايته، كما شغل في العقد الماضي منصب وزير منتدب للشؤون الإفريقية. وبحسب محمد رضا طاوجني، رئيس جمعية الصحراء المغربية، فإن بلخادم قد يناط به في المرحلة المقبلة ملف الصحراء، بوصفه الممثل الشخصي لبوتفليقة. وتوقع طاوجني أن يرافق هذه المرحلة تصعيد على المستوى الديبلوماسي بين البلدين، بعد «المكاسب» التي حققتها الجزائر والبوليساريو في عدد من البرلمانات الأوروبية، كفرنسا وبلجيكا، بتشكيل لجان دعم للجبهة، وإنشاء جمعيات للصداقة مع الجزائر، كما حصل في بلجيكا الشهر الماضي، واعتراف البوروندي بالجمهورية الصحراوية الوهمية. أويحيى وبلخادم يغيران مناصبهما أجرى عبد العزيز بوتفليقة أول أمس تغيرات في رئاسة حكومته، فقد عين أحمد أويحيى على رأس الحكومة خلفا لعبد العزيز بلخادم الذي عين في منصب وزير دولة وممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية، كما أجرى بوتفليقة تعديلا وزاريا تم من خلاله تغيير مناصب بعض الوزراء وإنهاء مهام آخرين. وسيقود أويحيى الحكومة الثانية في عهد بوتفليقة والثالثة في مساره السياسي، وقام بوتفليقة بإجراء تعديل جزئي في الطاقم الذي يقوده بلخادم منذ سنة 2006، حيث أنهى مهام وزير النقل محمد مغلاوي، وعين مكانه وزير الصحة والسكان عمار تو. وعين وزير الفلاحة سعيد بركات وزيرا للصحة، فيما انتقل رشيد بن عيسى من منصب وزير منتدب للتنمية الريفية إلى وزير للفلاحة والتنمية الريفية خلفا لبركات. وأنهى التعديل الحكومي الجزئي مهام وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال بوجمعة هيشور، وخلفه حميد بصالح الذي يدير المركز الوطني للتكنولوجيات المتعددة. كما ألغى بوتفليقة منصب الوزارة المنتدبة المكلفة بالإصلاح المالي، التي كانت تشغلها فتيحة منتوري. وأحدث التعديل تغييرا طفيفا يتمثل في إلحاق الوزيرة المنتدبة المكلفة بالأسرة والمرأة، نوارة جعفر، بوزارة التضامن، بعدما كانت ملحقة بوزارة الصحة. وأضيف لوزارة جمال ولد عباس ملفان هما الأسرة والجالية الجزائرية في الخارج. والوظيفة الأخيرة اختفت من الحكومة منذ 2003. وتأتي هذه التغييرات في إطار الاستعداد لتعديل الدستور الجزائري من أجل ضمان ولاية ثالثة لبوتفليقة، وهو الإجراء الذي يحظى بدعم الوزراء الحاليين، كما سبق للرئيس الجزائري الأسبق، أحمد بن بلة أن أعلن تأييده لترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية ثالثة، حيث ذكر في تصريح للتلفزة العامة الجزائرية أنه «مع العهدة الثالثة، وإذا كانت هناك عهدة رابعة فسيمنحها له»، وذلك حسب قوله «من أجل استكمال مسار التنمية»، مضيفا أنه لا يوجد في الظرف الحالي من هو أفضل من الرئيس بوتفليقة لإدارة البلاد. ويتجه بوتفليقة إلى مراجعة المادة ال74 من الدستور، التي تعبد الطريق لترشحه إلى ولاية ثالثة بعد انتهاء ولايته الحالية التي بدأ فيها حكم الجزائر منذ شهر أبريل من سنة 1999، حيث ترشح مرتين مستقلا.