تقنية المعلومات أمست اليوم مرتكزا رئيسا لإدارة النشاط التجاري والاستثماري الدولي، إذ مكنت من إسناد التوجهات الدولية في ميدان تحرير التجارة والخدمات، وأصبحت تقنية المعلومات إحدى متطلبات التنافس في هذا الحقل، وكان من إفرازاتها ما يعرف باسم الحكومة الإلكترونية، إضافة إلى شبكات الأعمال الإلكترونية واعتماد تحقيق عناصر أساسية من معايير الجودة الشاملة في الإدارة والإنتاج والخدمات القائمة على تقنية المعلومات. نشأ اصطلاح قانون الكمبيوتر بسبب الأهمية الاستثنائية للكمبيوتر كوسيلة لحفظ وخزن ومعالجة ونقل المعلومات، إضافة إلى أن الاعتراف للمعلومات بالحق القانوني في الحماية والمحل القانوني للمصالح الناشئة ارتبط لدى القانونيين بوعاء المعلومة لا بذاتها، فحماية حق المؤلف لم يمتد إلى حماية الأفكار والخوارزميات إنما للشكل النهائي الذي أفرغ فيه الإبداع، فكانت حماية البرامج بوصفها أوامر مرتبة يتمثل الإبداع فيها في عملية الترتيب لا في الخوارزميات محلها، وحماية قواعد البيانات، لا يمتد للبيانات محل القاعدة بل لتصنيفها وتبويبها الإبداعي. ولأن أساس قانون الكمبيوتر ومبرر وجوده الحماية القانونية للمعلومات، فإن قصره على جرائم الكمبيوتر المتصلة بحماية استخدام الكمبيوتر ومخزونه المعلوماتي والحق في ملكية المعلومة ذات القيمة الاقتصادية إما بذاتها أو بما تمثله، قد أغفل أوجه حماية أخرى وأنماطا معلوماتية أخرى، فاغفل بذلك البيانات الشخصية مثلا، وأغفل حماية أنماط التعامل الإلكتروني مع المعلومات، واغفل العلاقات العقدية في بيئة المعلومات. يرى يونس عرب، الخبير في جرائم الكمبيوتر ورئيس فريق خبراء المركز العربي للقانون والتقنية العالية، أن الكمبيوتر ليس مجرد الحوسبة ومعالجة البيانات، باعتباره نظام إدخال وخزن ومعالجة وتبادل ونقل للبيانات، أي يشمل وسائل الحوسبة والاتصالات بتفرعاتها العديدة، والمعبر عن دمجهما في هذه المرحلة بشبكات المعلومات وفي مقدمتها الإنترنت. والإطار الضيق لقانون الكمبيوتر -من حيث العلاقة بالكمبيوتر وأثره- يمتد بالمقابل إلى مساحة رحبة من الإجابة عن تساؤلات عديدة، تغطي مسائل متنوعة، تتعلق بمسؤوليات مختلفة المنشأ والمصدر تجعل المبحرين يطرحون أسئلة مقلقة: - كيف أحمي برنامج الكمبيوتر؟ هل يمكنني مقاضاة مزود خدمة الإنترنت على انقطاع الخدمة؟ هل يمكنني مراقبة أداء الموظفين عبر البريد الإلكتروني ورسائلهم في بيئة العمل؟ هل إبرام العقد على الإنترنت صحيح؟ كيف السبيل لإنشاء موقع على الإنترنت وحماية محتواه من القرصنة؟ هل إرسال رسالة ممازحة عبر البريد الإلكتروني وتكرار ذلك بشكل يثقل نظام المتلقي ويزحمه يشكل مسؤولية قانونية ؟! كيف يجازى من يطلع على أسرار مؤسسته التجارية عبر الدخول إلى نظام الكمبيوتر؟ هل تعتبر الرسائل الموقعة رقميا رسائل صحيحة هل إنزال مقطوعة موسيقية من الشبكة ووضعها على كمبيوتري الشخصي يخلق مسؤولية قانونية؟؟ يشير المراقبون إلى أن التشريعات الوطنية في حقل جرائم الكمبيوتر ظهرت مع نهاية السبعينات (تحديدا في الولاياتالمتحدة ابتداء من 1978). أما الجهد الدولي فقد تحقق ابتداء في حقل الخصوصية أو حماية الحياة الخاصة من مخاطر التكنولوجيا، ففي عام 1968 شهد مؤتمر الأممالمتحدة لحقوق الإنسان (مؤتمر طهران)، طرح موضوع مخاطر التكنولوجيا على الحق في الخصوصية، والذي تلاه إصدار الأممالمتحدة قرارات في هذا الحقل لتشهد بداية السبعينات (تحديدا عام 1973 في السويد) انطلاق تشريعات قوانين حماية الخصوصية، مع الإشارة إلى أنها نوقشت في نظم قانونية أجنبية كثيرة ضمن مفهوم حماية البيانات. يعترف خبراء موقع غوغل أن هناك مبالغ ضخمة تستثمر في حقل التكنولوجيا وإنشاء وشراء الشبكات وإطلاق مواقع الإنترنت (web sites)، إلى جانب الاستثمار في قواعد البيانات وعمليات المعالجة، البرمجة وتطوير البرمجيات، الخدمات التقنية بمختلف أنواعها.. عند التدقيق في هذه الأنشطة يتبين حسب آخر دراسة قامت بها ميكروسوفت أن الجهة التي تقوم بتنظيم عقود المواقع كشفت أن غالبية العقود -خاصة التي تعقد في الدول العربية- يضعها إداريون وتقنيون وماليون ولكنهم قطعا ليسوا من مجتمع القانون لأن مثل تلك العقود تتطلب لإعدادها فهما وإدراكا للجوانب التقنية، وإدراكا للجوانب العملية لتصرفات المستهلكين وجهات الإنتاج والخدمة، والاطلاع على الجديد من القوانين. وليس في البيئة العربية فحسب، بل حتى في دول متقدمة، تشير الموسوعة العربية لقانون الكمبيوتر أن ثمة عقود ضعيفة البناء، فقيرة المحتوى، مع أن جدة هذه الموضوعات تفرض عقودا اكثر عمقا وتعميقا لأنها ستمثل في الحقيقة القانون الذي يحكم النزاع، وضعف العقود وثغراتها هو الذي يخلق منازعات متعددة في الواقع العملي. والأصل أن المحامين إذ يتولون إعداد العقود فإنهم يهدفون إلى منع النزاع -على الأقل في المسائل الرئيسة- وترك جانب قليل ليكون محل خصام، ولا يعقل أن تكون التكنولوجيا عاجزة عن منع النزاع، أو بشكل أسوأ، أن تكون هذه العقود السبب في حصوله عند عدم دقتها وعند اتصافها بالعمومية بما تفتحه من فرصة لكل طرف للتشبث بما يخدم مصلحته ويبرر أهدافه. قانون الكمبيوتر هو كل شيء عن تآلف الكمبيوتر والأنترنيت والفضاء الافتراضي مع النظامين الاقتصادي والقانوني للدولة، وهو ما يؤكده يونس عرب، ويضيف أن العالم يحتاج إلى مصدر موحد لخلق أحكام وإقرار نتائج قابلة للإدراك والتنبؤ بها في ظل التصرفات الافتراضية وفي إطار البيئة الافتراضية، وذلك من خلال قواعد عقدية وقانونية واضحة.