انتفاضة أهل الدوار على بعد ثمانية كيلومترات عن مدينة مراكش الساحرة توجد قرية أولاد يحيى، وعلى بعد كيلومترين منها تبدأ الروائح الكريهة تنبعث منها صوب كل الاتجاهات والمناطق المحيطة بها. هذا حال قرية أولاد يحيى التابعة لجماعة تمصلوحت، التي تدخل في النطاق الجغرافي لمدينة مراكش الحمراء. القرية كانت تعيش في رغد بعد سنوات قليلة من استقلال المغرب، قبل أن تنقلب الأمور إلى ضنك وعذاب على اعتبار أن القرية تخرج منها رجال صدقوا ما عاهدوا الوطن عليه، فقد قاتلوا المستعمر الفرنسي بكل ما أوتوا من قوة وجهد حتى أخرجوه من أرضهم. لهذا أضحى يطلق عليها منطقة «الجيش الجنوبي» نسبة إلى الجيش المغربي الذي كان يقاتل إلى جانب رجال الحركة الوطنية في جنوب المغرب.
كلما اقترب الزائر من مدخل قرية أولاد يحيى الصغيرة، تبدأ روائح مياه الصرف الصحي تسابق الرياح والهواء نحو أنفه، لدرجة أن هذا الزائر يفضل الهواء الملوث بدخان السيارات والشاحنات على الجلوس وسط كارثة بيئية سببها فضلات السكان التي تتجول بين أرجل المارة، في الوقت الذي يجب أن تكون في أنابيب الصرف الصحي. رائحة البول والغائط تزكم الأنوف على مسافات بعيدة، ناهيك عن الأمراض الجلدية التي أصبحت تنخر أجساد الصغار والكبار من سكان الدوار. ومما لا يصدقه العقل هو أن مياه الصرف الصحي، التي يخلفها سكان أولاد تحيى تخترق مجالا جغرافيا تابعا لجماعة تسلطانت، حسب ما عاينته «المساء»، لكن الكارثة الكبرى التي يخفيها هذا الوضع هو أن هذه المياه النتنة تتوجه صوب منطقة المحاميد التابعة لمدينة مراكش الحضرية، مما يعني أن دوار أولاد يحيى «يجود» ب«خنزه» على تسلطانت والمدينة الحمراء السياحية.
جحيم «الخنز»
ظل سكان المنطقة القروية، التي تبعد عن مدينة مراكش بثمانية كيلومترات ينتظرون الفرج والمنقذ من جحيم «الخنز»، الذي تعيش وسطه القرية ويعاني منه الرضع والنساء والشيوخ، على حد سواء، من سكان منطقة أولاد يحيى أو «الجيش الجنوبي» كما هو مدون في الحالة المدنية لسكان المنطقة. أمراض كثيرة ظهرت في صفوف سكان دوار أولاد يحيى، فبعدما لم يكن مجهود سكان دوار أولاد يحيى ينصب في اتجاه واحد هو السعي والعمل بجهد جهيد من أجل توفير لقمة العيش لهم ولأبنائهم، أضحى هؤلاء السكان اليوم يحاربون ويسعون جاهدين لدفع ضرر الروائح الكريهة التي تنبعث من مجاري الواد الحار، التي لا تعد ولا تحصى، حسب ما عاينته «المساء» في عين المكان.
تزامن زيارة «المساء» لدوار أولاد يحيى مع موجة حر شديدة عرفت مدينة مراكش والنواحي خلال ذلك اليوم، لدرجة أن استنشاق هواء منعش ما يعد بالصعوبة بما كان، ومما زاد من هذه الصعوبة «الروائح الكريهة التي تنبعث من كل مكان، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا.
«الجلوس بدوار أولاد يحيى خلال فصل الصيف بمثابة الجلوس داخل سجن لا تتوفر فيه أدنى حق من حقوق الإنسان»، هكذا علق عبد الرحيم الذي كان يحمل ابنته على ظهره، في الوقت الذي خرجت زوجته للعمل بأحد المنازل، إذ يبقى عبد الرحيم دوما رهين البيت يرعى ابنته الصغيرة التي نالت منها الروائح الكريهة كل النيل، فهي تبدو نحيفة جدا، وتعطس من حين لآخر، والاصفرار يغطي وجهها الصغير جدا. ويفسر عبد الرحيم والد الصغيرة «سعيدة» التي لم يتجاوز عمرها السنتين الوضع الصحي لابنته بالكارثة.
«شنيولا» تزن «كيلو»
بينما كانت «المساء» تلتقط صورة لأحد مجاري الصرف الصحي بدوار أولاد يحيى، خرج عبد السلام ليستنشق هواء الصباح أمام منزله الصغير، الذي يضم سبعة أفراد، والذي يوجد على بعد سنتمترات فقط من منزله. اقترب عبد السلام وهو يعتقد أن ممثل المجلس الجماعي يقوم بزيارته الروتينية للمكان. صاح عبد السلام وهو يعتقد أن الشخص الذي يقف أمامه ممثل المجلس «عييتو ما تصورو.. وا بغيناكم تعتقونا من هاد الكارثة ما شي تصورونا»، قبل أن يتضح له الأمر ويطلب من «المساء» إنقاذ أسرته من جحيم «الخنز» والعدو الذي احتل قريته الصغيرة، هذا العدو تمثل في حشرة تنخر أجساد الصغار والكبار، على حد سواء، فهي لا تفرق بين كبير ولا صغير، سقيم أو معافى. «شنيولا تزن كيلو في هذه القرية»، يصيح عبد السلام، قبل أن يردف «انظروا إلى علامات إجرامها». بقع حمراء تنتشر في بطن ووجه عبد السلام وابنتيه سلمى وحياة. لم ينفع مع العدو «شنيولا» الأدوية المختلفة التي جربها السكان على هذه الحشرة، لدرجة أن بعض السكان أصبح يفكر في الرحيل من الدوار بعد اكتساح البعوض منزله وإلحاق الضرر بفلذات كبده وأهله. لهذا فالخوف كل الخوف أن يهاجر سكان أولاد يحي الدوار وتستعمره «الشنيولا».