في منتدى الإعلام العربي الذي انعقد منذ بضعة أيام في دبي، جرت سجالات مقارنة بين المشرق العربي والمغرب العربي بالنسبة إلى عدد الفضائيات والتعامل مع البرامج وغيرها من المقارنات. والواقع أن تلك المقارنات عبارة عن نشاط عبثي لا معنى له، وقد يقصد به أحياناً ازدياد التشرذم العربي والإضعاف لكل المشاعر الوحدوية العروبية. ولا يستطيع الإنسان أن يفهم استمرار هذه الظاهرة غير المنطقية عبر السنين بالرغم من تهافت مبرّراتها. من أبرز المقارنات التي وقع في حبائلها حتى بعض الكتاب الرّزينين تلك التي تقول إن المغرب العربي هو أكثر عقلانية من المشرق العربي الذي يتميّز بالعاطفية. وقد كانت تلك المقارنة، في بدايتها، مقارنة تاريخية بحتة في حقلي الفلسفة والفقه، وإبان فترة محدودة، وبين عدد محدود من المبدعين في الحقلين. لكنّ النافخين في نيران الفرقة قلبوا تلك المقارنة إلى ظاهرة دائمة تستعصي على تقلبات الأحوال في جناحي الوطن العربي، مع أن أية مقارنة شاملة موضوعية تبين بسهولة أنه لا العقلانية هي سمة دائمة في المغرب ولا اللاّعقلانية هي سمة دائمة في المشرق، وأن تاريخ الفكر عند الجهتين مليء بالسّمتين. ولا يقتصر الأمر على حقول الفكر المجرّد بل يتعدّاه إلى حقول السياسة والاجتماع والفقه والثقافة. والأمر ذاته ينطبق على حقل الإعلام الذي ناقشه المنتدون، فمثلما يوجد الابتذال الجنسي والهذيان الغيبي والمسلسلات البليدة والمناقشات الصّاخبة والثقافة المسطّحة في كثير من فضائيات المشرق، فإن كل ذلك يوجد في بعض فضائيات المغرب. وإذا كان ذلك يوجد في بعض فضائيات المغرب، وإذا كان ذلك يبدو وكأنه طوفان جارف في فضائيات المشرق فلأن من بين السبعمائة فضائية عربية توجد حوالي أربعين فضائية مغربية فقط، بينما يصل عدد الفضائيات المشرقية إلى حوالي ستمائة وخمسين. والواقع أن كل نواقص الفضائيات المشرقية موجودة عند المغربية، والعكس صحيح. وإذا كان لا بد من إجراء مقارنة فلتكن بين هذه الفضائية وتلك، والتي ستظهر وجود الغثّ والسّمين في كلتا الجهتين. والواقع أن الحديث عن المغرب العربي وكأن دوله ومجتمعاته متماثلة في العادات الثقافية والمنطلقات الفكرية والممارسات السياسية، وكذلك التعامل مع المشرق العربي ككتلة متشابهة الأجزاء والمكونات، هو خطأ فادح. فلبنان المشرقي هو أقرب، مثلاً، إلى تونس منه إلى اليمن، وليبيا المغربية هي أقرب إلى بعض بلدان الخليج منها إلى الجزائر، بل إن بعض المدن أو المناطق في البلد الواحد قد تكون بينها فروقات حضارية أكبر بكثير من تلك التي بين هذا البلد المشرقي وذاك البلد المغربي. ثم إننا نفرق بصورة تعسفية صبيانية بين جناحي وطن واحد تجمعهما ثقافة واحدة ودين واحد وتاريخ واحد، يمتد عبر عشرات القرون، وذاكرة تاريخية لملاحم نضالية مشتركة، وعادات متشابهة إلى أبعد الحدود، ويواجهان نفس الأعداء ونفس التحديات، ويدركان أن مصيرهما واحد. فهل يعقل إزاء كل ذلك أن تستمر تلك السّجالات الخبيثة تظهر بين الحين والآخر، خصوصاً عندما تؤججها خلافات مضحكة من مثل الخلاف الكروي البليد بين الجزائر ومصر؟ في منتدى الإعلام العربي أراد القائمون على المنتدى مد الجسور الإعلامية بين شعوب المغرب العربي ومشرقه، وبالتالي تقوية وتعميق وتحسين المشترك الثقافي بين جناحي الأمة الجغرافيين. لكن غلب الطبع على التطبع، فانزلق البعض في نبش الخلافات وطرح المقارنات بمستويات الهجوم والدّفاع، غير أننا جميعاً ننسى أن أكثر من تلك الخلافات والمقارنات تحدث بين ساكني حيّ واحد في مدينة واحدة. وعليه، فقد آن الأوان أن يتوقف الجميع، وعلى الأخص الكتاب وأهل الإعلام، عن التعامل مع الأرض العربية كجناحين متقابلين. إنها أرض لوطن واحد وأمة واحدة يتميزان بانسجام هائل بين كل مكوناتهما، سواء في المشرق أو في المغرب.