كشف مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، أن نسبة الاعتقال الاحتياطي "ما فتئت ترتفع بشكل مضطرد لتصل في نهاية شهر شتنبر 2021 إلى حوالي 45 في المائة". وقال الداكي إنه "رغم المكانة التي حظي بها موضوع الاعتقال الاحتياطي ضمن أولويات السياسة الجنائية، إلا أن أداء الفاعلين في حقل العدالة الجنائية لا زال يثير الكثير من الانتقاد". وأضاف الداكي في كلمته خلال افتتاح سلسلة الندوات التكوينية الجهوية حول "توطيد جهود النيابة العامة في ترشيد الاعتقال الاحتياطي"، انطلاقا من الدارالبيضاء، اليوم الأربعاء وتمتد ليوم غد الخميس، أنه "إذا كانت جهود رئاسة النيابة العامة في البداية أعطت نتائج طيبة عكستها الأرقام المسجلة في معدلات الاعتقال الاحتياطي، حيث انخفضت إلى 37 في المائة متم شهر مارس 2019، إلا أن الآثار السلبية التي أفرزها انتشار وباء كوفيد 19 على سير العدالة عموما، وعلى تدبير جلسات المعتقلين الاحتياطيين على وجه الخصوص، انعكست بشكل ملحوظ على نتائج السنوات الماضية". واعتبر الداكي في كلمته التي ألقاها بالنيابة عنه أحمد الوالي العلمي، رئيس قطب الدعوى العمومية وتتبع تنفيذ السياسة الجنائية، أن "الأمر يقتضي من قضاة الحكم والتحقيق والنيابة العامة مضاعفة الجهود سواء عبر ترشيد اللجوء إلى الاعتقال عند تحريك المتابعات، أو من خلال الرفع من نجاعة الأداء عند البت في قضايا المعتقلين". وأكد رئيس النيابة العامة، خلال الندوة الجهوية الأولى، التي ستليها سلسلة ندوات جهوية تنظمها رئاسة النيابة العامة بشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لفائدة قضاة النيابة العامة إلى جانب قضاة الحكم وقضاة التحقيق، أن ترشيد الاعتقال الاحتياطي "يعتبر محورا مركزيا في تنفيذ السياسة الجنائية، ويجد مكانه دائما في الاجتماعات واللقاءات التي تعنى بالعدالة الجنائية". ولفت إلى أن هذه المكانة تجد مبررها في كون "الاعتقال الاحتياطي يمس الفرد في أحد حقوقه الأساسية، التي كرستها المواثيق الدولية والكتب السماوية ألا وهو الحق في الحرية، كما أنه يشكل مرآة حقيقية لمدى احترام قواعد وشروط المحاكمة العادلة وتفعيل قرينة البراءة التي تعتبر حجر الزاوية في الأنظمة القضائية الحالية"، معتبرا أن "أي إفراط أو سوء تقدير في الاعتقال الاحتياطي، معناه انتهاك لحرية الإنسان وهدم لقرينة البراءة". وشدد المسؤول القضائي على قضاة النيابة العامة بأن "تحريك الدعوى العمومية في حالة اعتقال يجب إعماله في الأحوال الاستثنائية التي تكون فيها حقوق أخرى قد تم المساس بها بشكل صارخ من طرف المشتبه فيه، ولابد من توفر المبررات القانونية المحددة في المواد 47 و73 و74 من قانون المسطرة الجنائية". وعن الندوة الجهوية قال رئيس النيابة العامة إنها "حلقة علمية ومنتدى للتفكير في وسائل وآليات تجويد كيفية تدبير الاعتقال الاحتياطي، لكونه ليس مجرد قرار عاد تتم معالجته إجرائيا بل معيار يعكس مستوى الحكامة في مجال العدالة الجنائية في ما يتصل باطمئنان المواطن واستشعاره بالحماية اللازمة التي تؤطر لشروط المحاكمة العادلة". وأشار الداكي بالقول إن "قرارات الاعتقال تأتي في مقدمة تقييم قواعد النجاعة وحسن الأداء ذلك حوالي 2000 معتقل تنتهي قضاياهم بالبراءة أو عدم المتابعة"، متسائلا "عن جدوى الاعتقال في مثل هذه الحالات؟"، حيث ختم بالقول "إذا كانت التطورات التي تشهدها القضايا خلال مرحلة المحاكمة تكون السبب الرئيسي في معظم هذه الأحكام، فأكيد أن مسؤوليتنا مع ذلك تبقى حاضرة خاصة حينما يتعلق الأمر بمجرد مساطر مرجعية أو ادعاءات لا تعضدها وسائل الاثبات الكافية". ويأتي عقد هذه الدورات التكوينية، في إطار تنفيذ توجهات السياسة الجنائية التي تشرف عليها رئاسة النيابة العامة في مجال تعزيز حقوق وحريات الأفراد، وكذا تحسين أداء قضاة النيابة العامة في مجال ترشيد الاعتقال الاحتياطي وتفعيل بدائله. ويستفيد من هذه الدورات، التي ستعقد بكل من مدن الدارالبيضاء ومراكش وأكادير وفاس وطنجة، ما مجموعه 450 قاضيا، من رؤساء الهيئات القضائية ورؤساء الغرف التي تبت في قضايا المعتقلين وقضاة التحقيق وقضاة النيابة العامة بمختلف محاكم المملكة. وسيشرف على تأطير هذه الدورات التكوينية خبراء مغاربة وأجانب. وتهدف هذه الدورات التكوينية إلى الاطلاع على المعايير الدولية المعتمدة في مجال الاعتقال الاحتياطي، وتبادل الخبرات والتجارب في هذا الإطار مع الخبراء الأجانب، والتعرف على المناهج الحديثة المعتمدة لمراقبة وتتبع إجراءات الاعتقال الاحتياطي.