نشر المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية تقريره الاستراتيجي الجديد، تحت عنوان "نحو عالم جديد لما بعد كوفيد19". ويرمي التقرير من خلال مضمونه الإجابة عن السؤال الكبير "إلى أي حد يمكن الاستفادة من جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبناء عالم أفضل؟". في معرض الجواب الذي قدمه التقرير الذي صدر في النسخة السادسة من سلسلة تقارير المعهد تحت عنوان "بانوراما المغرب في العالم"، ارتكز على منهجية تحليلية استشرافية تقوم على ثلاث مراحل، وهي الفهم والتوقع المستقبلي وتقديم الاقتراحات. ويروم تقرير المعهد الملكي للدراسات الجديدة توفير وثيقة استراتيجية لفائدة صناع القرار السياسي، والفاعلين الاقتصاديين على حد سواء، تتضمن العبر التي يجب استخلاصها من الأزمة الصحية، التي تسبب فيها انتشار جائحة كورونا كوفيد19، في نهاية عام 2019 وبداية عام 2020، وكانت لها تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية على الصعيد العالمي برمته ما تزال مستمرة إلى كتابة سطور هذا التقرير. بخصوص هذه الانعكاسات، رفع التقرير الستار عن الآثار المدمرة لهذه المجالات على الصعيد الوطني والقارة الإفريقية، وأيضا عبر العالم، مستحضرا تأثير الأزمة المنهجية على المجتمع والاقتصاد. مقابل ذلك أشاد التقرير بالإجراءات التي اتخذتها المملكة. للحد من انتشار الفيروس وإنعاش الاقتصاد. وفي هذا السياق، قال المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية محمد توفيق مولين إن "التحرك السريع للسلطات المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، كبح انتشار الفيروس وجعل البلاد واحدة من البلدان التي سجلت أقل الوفيات في العالم، فضلاً عن أحد أعلى معدلات الشفاء"، موضحا أن الرؤية الملكية ارتكزت على ثلاثة أهداف، إنعاش الاقتصاد مع إنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار، وتعميم التغطية الاجتماعية في أفق خمس سنوات، وإعادة هيكلة قطاع الأعمال للعمل. ووردت العبارة الذهبية في تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، بهذه الصيغة "إن جائحة كورونا كوفيد19، يمكن أن تكون أيضا حافزا على التحولات لصالح عالم أفضل، إذا سعى العام إلى تنفيذ الإصلاحات لبناء مستقبل أكثر استدامة وأكثر إنسانية". وفي هذا الصدد، يرى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، من خلال هذا التقرير، أن "الوباء يقدم للعالم والمغرب على وجه الخصوص، الفرصة لاغتنام هذه الرؤية لاعتماد نموذج تنموي جديد، من أجل تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق تهدف إلى تحسين رفاهية السكان والمحافظة على البيئة الطبيعية وزيادة مرونة الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات الخارجية". لتحقيق هذا الهدف، لفت التقرير الانتباه إلى ضرورة الكشف عن كافة جوانب الأزمة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا من أجل استيعاب حجمها الحقيقي، ثم حصر المجالات التي تأثرت بها، وإحاطتها بالدراسات اللازمة لتحليلها وبحثها وتطويرها وفق استراتيجيات استشرافية واستباقية تعيد بناء العلاقة بين الإنسان والطبيعة من جهة، وبين الإنسان وميادين الاستثمار الاقتصادي والعلمي والبيئي والصحي، من جهة ثانية. ويتضح من خلال هذا التقرير أن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية خصص حيزا مهما من نشاطه للتفكير العميق لتحليل التحديات المطروحة، وفهم الرهانات الحالية، واستحضار ما يمكن أن توفره الدراسات المستقبلية من مخططات استباقية تتعلق بتنفيذ السياسات العمومية الملائمة في عالم يستمر فيه انتشار فيروس كورونا المستجد. كما يروم تقديم حلول مبتكرة تصب في الرفع من مرونة الأنظمة المفترض فيها حماية المواطنين، ثم وضع نماذج جديدة للمؤسسات كي تشتغل عليها وتتخلص من الطرق التقليدية التي عفا الزمن عنها. وفي هذا الشق قدم تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية مقترحات تتعلق بالرفع من وتيرة التنمية في المغرب، وتعزيز اندماجه في عالم ما بعد كورونا، وتوطيد نفوذه في المحيطين الإقليمي والعالمي. واستحضر التقرير أيضا، أهمية انكباب المغرب على إتمام مشروع النموذج التنموي، في ظل استمرار جائحة كورونا. مشيدا بالخطة التي وضعها، والتي تقوم على أربعة ركائز تروم وضع الإنسان في صلب العملية التنموية، وإعادة النظر في العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والتواصل والارتباط بين النطاق المحلي والعالمي. مقابل النقط الإيجابية التي سجلها التقرير، وجه أيضا انتقادات إلى إجراءات الاحتواء والطريقة التي تم بها إدارة الأزمة، مشيرا إلى نقص عام في الاستعداد، وعدم مسؤولية واضحة لشبكات التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام، التي لم تكن في الموعد. ودعا التقرير إلى ضرورة وضع مفهوم جديد للدولة أصبح ضروريا في ظل إعطاء أولويات استراتيجية للصحة والغذاء والرقمنة والتوظيف، وربط رفاهية المواطنين بصحة النظم البيئية الطبيعية.