لا نبالغ في صحيفة "الصحراء المغربية" حين نردد في الكثير من المرات أن المغرب لا يكتفي بأن يعيش التاريخ، بل يصنعه، ومر معنا هذا التعبير في الكثير من المناسبات، لكن وتيرة ترديده ارتفعت في زمن كورونا بالنظر إلى ما حققناه من إنجازات تبعث على الفخر ليس بالنسبة لنا فحسب، بل إلى كل من يعاصرنا وظل يراهن على المغرب والتحولات، التي يشهدها بقيادة جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين، وسيكون، أيضا، مفخرة للمغاربة الذين سيأتون من بعدنا لمواصلة المسيرة. هذا، ستتطلب منهم صون المكتسبات، طالما أن المشاريع الكبرى التي تتغيى الارتقاء بمغرب الغد ستكون مكتملة، ومواصلة الاجتهاد، الذي فتحت أبوابه على مصراعيها في وقت الشدة، في زمن كورونا، الذي لا مراء في كونه "ركع" العالم، وأرغم إنسان مطلع الألفية في مختلف البقاع إلى مراجعة حساباته، خصوصا الذين فشلوا في أول اختبار للشعارات المدغدغة للعواطف، التي كانوا يرددونها قبل أن تبلغ أنانيتهم مداها وهم يرفعون شعار "أنا ومن بعدي الطوفان" أو "أنا أولا" وغيرهما كثير.. مرت معنا الكثير من المواقف التي جعلتنا، ونحن نرى كيف هزم الوباء الدول الكبرى، نخاف على وطننا وأنفسنا وأهلنا، لكن "زمن كورونا" شكل لحظة فارقة في تاريخ مغرب الألفية الثالثة وارتقى بفضل عبقرية ربان السفينة إلى أعلى المراتب في أكثر من تصنيف، لعل آخرها حتى الآن اعتبار منظمة الصحة العالمية أن المملكة المغربية من بين الدول العشر الأولى التي تمكنت من تدبير التلقيح ضد كورونا بنجاح. في الواقع يعتبر نجاح الحملة الوطنية للتلقيح ضد "كوفيد 19" المغربي، تأكيدا لما سبق، فنجاح المغرب على هذا المستوى مستمد من حسن التخطيط والتدبير الجيد لأزمة كورونا، وحسنات صندوق تدبير الجائحة، الذي أحدث بأوامر ملكية، أنه فضلا عن توفير الإمكانات المالية لمواجهة ما يمكن اعتباره أحكام الجائحة، إظهاره التماسك المغربي والإنسان الحقيقي الساكن فينا، والذي أضمرته الانشغالات ومتاعب الحياة، وأيضا الرهانات المختلفة. ومن حسناته، أيضا، أنه أتاح لنا الفرصة لنكون من ضمن الأوائل على أكثر من صعيد، فكان لا بد أن نعمل على تزكية ما تحقق. وهكذا كان المغرب من أوائل الدول التي أعلنت عن إطلاق حملة وطنية للتلقيح بعد المشاركة في التجارب، وإبرام صفقات اقتناء اللقاح الكافي للمواطنين والمقيمين، الذين تتوفر فيهم شروط أخذ الحقن لتحقيق المناعة الجماعية. لكن اللافت والمثير هو التوجيهات الملكية السامية إلى الحكومة باتخاذ التدابير والإجراءات لتعميم مجانية اللقاح. وهو القرار الذي أشادت به مختلف فئات المجتمع، وتعدت سمعته الطيبة الحدود الوطنية. لكل ما أسلفنا ذكره، وما نعرفه عن إرادة المغاربة القوية كنا واثقين من نجاح الحملة الوطنية للتلقيح، وتمر معنا أوقات نعتبر فيها أن ما يحدث طبيعي، لكن حين تأتينا ردود أفعال من الخارج وبكل اللغات، تهتز فرائصنا، ونعتز بوطننا، ونفهم لماذا علمونا عبارات كثيرة من بينها "لو لم أكن مغربيا لتمنيت أن أكون مغربيا". كان المغاربة وسيبقون فخورين بوطنهم، لكن هذا الفخر لم يعد خاصا، فقد أضحى يقتسمه معهم المقيمون، الذين شملتهم العناية الملكية ويخضعون للتلقيح، بل من ضمنهم من استفاد من اللقاح، وهو في بلدنا قبل أن تطلق عملية التلقيح في بلده، ويشاركون في فخرنا الأصدقاء والمتربصون، فكثيرة هي المنابر الدولية التي تنتظر نصف فرصة للتحرش ببلدنا، وتبخيس الإنجازات، لكن المغرب انتزع منها الإعجاب، فوجدت نفسها ملزمة بالتعبير عن ذلك حتى لا تكون خارج سياق الكتابة عن التاريخ الذي يصنعه، ولنا في هذا أمثلة كثيرة، فخورون بوطننا وبتاريخنا ودروسه التي تعلمناها، والتاريخ الذي نحن بصدد صناعته.