سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنعمر فارس: الحجر الصحي أفقد الرياضيين توازنهم النفسي والذهني رئيس الأكاديمية المغربية للمرافقة الذهنية والرياضية أكد أن المسير الرياضي يركز على الجانب التقني ويجهل دور المرافق الذهني
قال الدكتور زكرياء بنعمر فارس، رئيس الأكاديمية المغربية للمرافقة الذهنية والرياضية، إن فترات الحجر الصحي لها انعكاسات سلبية على الحالة الذهنية والنفسية لأي شخص لم يستوعب الوضع المفاجئ الذي بدت عليه الحياة الجديدة. وأوضح بنعمر فارس، في حوار مع "الصحراء المغربية"، أنه "الكثير من الرياضيين المحترفين متخوفون كثيرا من الفشل في الحفاظ على كامل لياقتهم البدنية بعد العودة إلى حياتهم الطبيعية، وهو عامل يجعل العديد منهم يشعرون بالقلق والتوتر، وبالتالي ظهور الأفكار السلبية التي تسيطر عليهم، وتربك وضعهم النفسي والذهني"، مشيرا إلى أن المسير الرياضي في المغرب يجهل مدى نجاعة المرافقة الذهنية بالنسبة للممارسين المحترفين طيلة حياتهم الرياضية. في البداية، هل للحجر الصحي انعكاسات سلبية خطيرة على الحالة النفسية والذهنية للشخص، خاصة أن هذا الوضع يشهده العالم لأول مرة؟ العالم بأسره يوجد في حالة استثنائية، لأن جميع الشعوب لم يسبق لها أن عاشت مرحلة الحجر الصحي الذي بدا أمرا مفروضا ولم يكن اختياريا، وهذا بطبيعة الحال له انعكاسات سلبية على الحالة الذهنية والنفسية لأي شخص لم يستوعب الوضع المفاجئ الذي بدت عليه الحياة الجديدة. أعتبر أن أي شخص دخل مرحلة التفكير وطرح مجموعة من الاستفهامات بينه وبين ذاته بشأن هل ستعود الحياة إلى سابق عهدها، فإن حالته النفسية والذهنية اهتزت، وهذا الأمر نابع من الخوف بالدرجة الأولى، لأن عددا من الأشخاص تقلصت أجورهم، وبالتالي بدأ التفكير في الشق الخاص بالمصاريف المعتادة، مثل القروض، وفواتير الماء والكهرباء والأنترنيت أو مصاريف الدواء... أعتقد أن هذا الأمر يختلف من مجتمع إلى آخر، لأن الدخل الفردي يلعب دورا كبيرا في خلق التوازن، ويساهم بشكل إيجابي في الاستقرار النفسي والذهني.
بالنسبة للرياضيين المحترفين يبدو الأمر صعبا، خاصة أن فترة الحجر الصحي في المغرب تمددت للمرة الثالثة؟ الرياضة العالمية أصيبت بشلل تام جراء الجمود الذي فرضه فيروس "كورونا"، وهو ما خلق الكثير من القلق في نفسية بعض الرياضيين المحترفين، خاصة مع تأجيل تظاهرات عالمية كبرى، بداية من دورة الألعاب الأولمبية "طوكيو 2020". لسوء الحظ، المسير الرياضي في وطننا الحبيب يجهل مدى نجاعة المرافقة الذهنية بالنسبة للممارسين المحترفين طيلة حياتهم الرياضية. يمكن القول إن هناك حالات لرياضيين ساءت وضعيتهم النفسية والذهنية مع تغير نمط حياتهم بنسبة مؤوية كبيرة بسبب الحجر الصحي، الأمر حتم عليهم برنامجا جديدا لم يكونوا ينتظروه أبدا، وفرض عليهم بقوة بالنظر إلى الأحلام والأهداف المسطرة، الأمر الذي جعل البعض لم يستوعب الموضوع، ولم يحترم الحجر الصحي في البداية، كما أن البعض فقد شهيته في الأكل، وخلقت له مشاكل داخل أسرته الصغيرة، وهذه حالات معزولة بطبيعة الحال. أعتقد أن هناك الكثير من التأثيرات السلبية طرأت على حياة الرياضيين، بداية من توقيت النوم الذي وقع فيه تغيير كبير في بداية الحجر الصحي، كما أن البعض لم يتأقلم مع وجوده رفقة أشخاص في مكان واحد طيلة اليوم، بعدما كان في السابق يصادفهم بين الفينة والأخرى أو لفترات محددة. انطلاقا مما ذكرت، فإن المرافقة الذهنية والنفسية ضرورية في مثل هذه الظروف للرياضيين بشكل خاص، لأنهم محتاجين لبرامج علمية وعملية تساعدهم على تجاوز الصعوبات المفروضة من أجل الحفاظ على التوازن الذهني والبدني، ومنه يبدأ الاستعداد للمستقبل ما بعد الحجر الصحي. ماهي الإجراءات التي يجب القيام بها خلال فترة الحجر الصحي؟ هناك الكثير من الرياضيين المحترفين متخوفون كثيرا من الفشل في الحفاظ على كامل لياقتهم البدنية بعد العودة إلى حياتهم الطبيعية، وهو عامل يجعل العديد من الرياضيين يشعرون بالقلق والتوتر، وبالتالي ظهور الأفكار السلبية التي تسيطر عليهم، وتربك وضعهم النفسي والذهني. يشكل القلق في المجال الرياضي سلاحا ذا حدين، أولا، يلعب دورا محفزا، إذ يجعل الرياضي يتعرف على مصدر القلق ويهيئ نفسه بدنيا ونفسيا للتغلب عليه، ثانيا، قد يكون القلق مهدما للعزيمة، وهذا له أثار سلبية كبيرة على نفسية الرياضي. وللحد من هذه الظاهرة النفسية الطبيعية في مثل هذه الحالات، بادرت العديد من الهيئات الرياضية عبر العالم إلى اعتماد إجراءات خاصة للحفاظ على الصحة العقلية والنفسية للرياضيين من خلال التواصل معهم لتبديد مخاوفهم، في ظل انعدام أي خطط في الأفق القريب لمواصلة المنافسات الرياضية. من بين الخيارات التي باتت ملحة في هذه الظرفية الصعبة، الاعتماد على المرافقة الذهنية لتوفير الدعم النفسي للرياضيين ومواكبتهم طوال فترة الحجر الصحي، إذ يجرون تداريبهم الاعتيادية بمنازلهم كل حسب الطريقة التي يفرضها تخصصه الرياضي. تدرك جيدا أن التداريب الفردية أمر غير مرحب به بتاتا عند الرياضيين، كيف يمكن المساهمة في تحفيز الرياضي بالتدرب داخل منزله استعدادا لمستقبل مجهول؟ استخدام القدرات الذهنية أمر أساسي في الحياة بشكل عام، وبالنسبة للرياضيين بشكل خاص، إذ يستخدمها الرياضيون من أجل التركيز والاسترخاء وتحسين الأداء من خلال التحرر من الإجهاد السيئ والأفكار السلبية وغيرها. ويمكن بناء القوة الذهنية لدى الرياضيين انطلاقا من السيطرة على المشاعر والتصميم وتعزيز ثقة الرياضي في النفس. أعتقد أن التحفيز يأتي انطلاقا من الالتزام والمسؤولية وروح المجموعة، وهذه عوامل يركز عليها المدرب بشكل خاص في بناء شخصية الفريق، وبالتالي يجب تذكير اللاعب بتلك القيم لتحسين وضعيته، وإعادة ترتيب بيته للعمل وفق أهداف ورؤية واضحة، لأن الأمر بشكل عام له علاقة بالحياة المهنية والشخصية والاجتماعية والعائلية المستقبلية. لكن للأسف الشديد الوضع الاجتماعي لغالبية اللاعبين المحترفين غير مساعد، لأن غالبيتهم يعيشون رفقة أسرهم والمكان ضيق جدا؟ أعتقد أن شروط الحجر الصحي لها تأثير كبير على جاهزة كل لاعب على المستوى البدني والذهني. والعامل الاجتماعي الذي تحدث عنه في السؤال مطروح وبقوة، لأن ظروف العيش لدى أغلبية اللاعبين غير مؤهلة أو بالأحرى ناقصة، إذ أن هناك لاعبون يعيشون مع أسر متكونة من عدد كبير من الأفراد، وآخرون يعيشون في مساحات صغيرة أو رفقة الجيران في مسكن واحد، وفئة أخرى تعيش رفقة عائلة منهم مصابون بأمراض مزمنة..، وبالتالي فهذه العوامل وأخرى كثيرة تؤثر على الوضع الصحي للاعبين المحترفين من أجل التحضير للمنافسات المقبلة. أرى أنه المسؤولية الراهنة منوطة بإدارة الأندية التي يجب عليها أن تساعد اللاعبين المحترفين للخروج من الوضع الحالي، إذ يجب عليهم تخصيص حصص ذهنية لكل العناصر، لأن المرافق الذهني سيركز على الحوار الداخلي لكل لاعب، وبالتالي سيجرى تجنب العديد من الصعوبات والسلبيات قبل المرحلة المقبلة. المؤسف أن غالبية المسؤولين الرياضيين على رأس الأندية الوطنية لا يعترفون بالجانب الذهني؟ (ضاحكا) صحيح أن التركيز على الجانب الذهني والمرافقة الغذائية ضئيل جدا على الساحة الرياضية الوطنية، ومازلنا متأخرين في هذا المجال، لأن العمل داخل الأندية الوطنية مازال بطرق بدائية، إذ أن الأولوية دائما تعطى للجانب التقني، لكن أرى أن هناك وعيا جديدا خلال الآونة الأخيرة. لا أريد ذكر بعض الجامعات الرياضية والأندية الوطنية التي تتعامل مع الأكاديمية المغربية للمرافقة الذهنية والرياضية، التي أحدثت في ماي سنة 2019، ولكن يمكن القول من خلال اتفاقية الشراكة مع الودادية الوطنية للمدربين المغاربة بدت نظرة الأطر الوطنية متغيرة تماما، ولا أخفي شعوري بسعادة بتعاوني مع الأطر الوطنية واللاعبين الدوليين السابقين، أمثال كل من رضوان حجري، محمد أمين بنهاشم، وحسن مومن، وخالد فوهامي، ومحمد وركة، ورشيد الطاوسي، وعبد الحق بنشيخة، ويوسف فرتوت... وخلال الفترة الثانية من الحجر الصحي خصصنا دروسا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، “تويتر و"واتساب" و"سكايب" و"فيسبوك"، لمجموعة من الأطر الوطنية التي أبانت عن حنكة وثقافة رائعة بهدف النهوض برياضتنا المغربية، خاصة أن الحضور كان مكثفا. وأعتقد أن النتائج ما بعد الحجر الصحي، أي خلال استئناف المنافسات، ستكون جيدة بالنظر إلى درجة استيعاب الأطر الوطنية للكثير من الدروس الخاصة بالجانب الذهني والنفسي، ومدى حاجة الرياضيين المحترفين لمواكبة طيلة حياتهم المهنية. ----------------------------- الدكتور زكرياء بنعمر فارس في سطور -- أستاذ جامعي، ورئيس الأكاديمية المغربية للمرافقة الذهنية والرياضية. -- مدير سابق لديوان وزير الشباب والرياضة في عهد الراحل عبد اللطيف السملالي. -- مدير عام لمركز الأبحاث في ميدان المرافقة والتدبير والريادة. -- لاعب سابق بنادي "لومان" الفرنسي لكرة القدم. -- رئيس سابق لنادي الرجاء الرياضي لكرة السلة