'إطار الليل' فيلم شاعري يكشف عن ميلاد مخرجة واعدة وقعت السينما النسائية المغربية حضورها في المسابقة الرسمية للمهرجان، من خلال فيلم المخرجة طالا حديد "إطار الليل"، الذي وصفه عدد من النقاد بالفيلم الشاعري الحابل بالعديد من الصور الجمالية الجديرة بالدراسة والتحليل، على حد تعبير الناقد المغربي حمادي كيروم. وقالت المخرجة، أثناء مناقشتها للفيلم، إنها حاولت من خلال تجربتها السينمائية الطويلة الأولى إدخال المتفرج إلى عوالم الشريط عبر استعمال تقنيات خاصة. ففي فيلم "إطار الليل"، تنتصر المخرجة طالا حديد للهويات المتعددة والتقاليد المختلفة التي تحدرت منها، وتختار السينما المؤثثة بجماليات بصرية عالية وطنا لها بديلا عن الأوطان المتعددة التي تلقي بظلالها عليها، وتصبح البنية الشاعرية مدخلها الوحيد للتعبير عن هذا الاختلاط والهجنة التي قد يعجز البناء السردي المنطقي عن حل ما تكتنز به بيئاتها الثقافية المختلفة من تناقضات. وطالا حديد البريطانية المولد، العراقية الأب والمغربية الأم، حملت هوياتها المتعددة إلى أبطالها في الفيلم، فجاء بطلها الرئيسي زكريا، الممثل البريطاني من أصل مصري خالد عبد الله، صورة أخرى عنها، كما حمل بطلها المضاد عباس هجنة أخرى فهو جزائري أرجنتيني يتاجر بتهريب الأطفال والرقيق الأبيض في فرنسا وأوروبا. وهكذا نجد أنفسنا منذ البداية في فضاء معولم وأبطال معولمين. وبخصوص تعاملها مع المكان، فإن الأمر يظل تعاملا شاعريا بالدرجة الأولى ويتحرك وفق خيارات جمالية بصرية أكثر منها درامية سردية، وربما تفلت منها هذه التفاصيل الدرامية أحيانا وسط انحيازها لتقديم بناء بصري يقود مسار السرد لديها، فتتغلب الانتقالات البصرية الشاعرية لا السردية المنطقية على تسلسل السرد في فيلمها. لتصبح الذاكرة والأحلام والتداعيات والانطباعات والتأملات والتحولات السيكولوجية لشخصياتها هي المادة الأساسية للسرد وانتقالاته في فيلمها. تفتتح المخرجة فيلمها بعودة زكريا (البريطاني المولد، المغربي النشأة، العراقي الجذور) إلى بلدة مغربية بناء على استدعاء زوجة أخيه، كما يبدو، بعد أن رحل زوجها تاركا إياها وطفليهما دون معيل، ولم يترك سوى عنوان ورقم هاتف شخص في الدارالبيضاء، ونفهم من حوارهما أنه ربما ذهب إلى العراق. لتبدأ رحلة زكريا للبحث عن أخيه في رحلة توحي في البداية بأننا إزاء واحد من أفلام الطريق "الرود موفي". يذهب زكريا إلى الدارالبيضاء للبحث عن الشخص الذي قام بترحيل أخيه إلى العراق. فيقضي ليلة مع غانية تلتقطه من أحد البارات وتتصرف معه بنبل، عندما تركض وراءه لتعطيه ساعته التي تركها، كما يشتري سيارة عتيقة لمواصلة الرحلة إلى الدارالبيضاء. بالتوازي مع خط زكريا، تطور المخرجة خطا سرديا آخر هو خط الطفلة اليتيمة عيشة (فدوى بو جواني) وقيام عباس (الممثل الفرنسي الجزائري الأصل حسين شوتري) بشرائها من أقاربها من أجل بيعها لثري فرنسي مقابل 100 ألف أورو، ربما لاستغلالها جنسيا. وترافق عباس صديقته (ماجدولين الإدريسي) التي ترفض بيع الطفلة، لأنها كما يبدو ربما سبق أن مرت بتجربة مشابهة. وتجمع المخرجة الخطين معا عندما تتعطل سيارة عباس ليركب مع عيشة وصديقته سيارة زكريا بعد موافقته على أن يقلهم إلى الدارالبيضاء معه. وفي الرحلة يتعرف زكريا على مشكلة الطفلة التي تطلب منه إنقاذها. يهرب زكريا بالطفلة ويأخذها الى بيت جوديث (ماري-جوزيه كروز)، وهي معلمة فرنسية وصديقة له تعيش في المغرب، حيث يترك الطفلة أمام بيتها ويرحل مواصلا رحلته. فشخصيات طالا حديد تظل غير واضحة الملامح، وعلى المشاهد أن يجتهد ويكافح لالتقاط التلميحات المتناثرة هنا وهناك عنها وسط زخم من التأملات الشعرية ومشاهد التذكر والأحلام. ورغم صعوبته، كشف الفيلم عن ميلاد مخرجة واعدة، لها نظرة ثاقبة في بناء مشاهد ذات جماليات بصرية أخاذة، حيث نجحت حديد، عبر مدير تصويرها الكسندر بيروف، في خلق بناء بصري باذخ الجمال في فيلمها، سواء في استثمار جماليات المشهد الطبيعي في مشاهدها الخارجية أو تصميم الإنارة وتوزيع الكتل. ونجح بيروف في رسم عدد من المشاهد الأخاذة، كمشهد تزاحم العباءات السود في النهاية، أو الجثث في المصنع أو المسلخ المهجور، ومشاهد التذكر وسط الفضاءات في المغرب، وتصوير شخصياته من الخلف فاسحا المجال لظهور مشهد طبيعي أمامها في الغالب. 'جوق العميين' تجربة سينمائية تنطلق من السيرة الذاتية إلى الذاكرة الجماعية في فيلمه الجديد، الذي مثل المغرب في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم، يتناول محمد مفتكر من خلال "جوق العميين" مرحلة السبعينيات من القرن المنصرم، لرسم سيرة ذاتية تتفاعل مع محيطها الاجتماعي والثقافي والسياسي. على لسان الطفل ميمو المخرج في طفولته يرصد مفتكر تلك "مرحلة" طافحة بالأحداث والتحولات، عبر مزيج بيوغرافي ومتخيل، ينطلق من الذاكرة الشخصية إلى التجربة الجماعية، من خلال فرقة شعبية، بأجوائها وأنماط علاقاتها الخاصة. هي قصة الحسين، قائد فرقة موسيقية شعبية، الذي يعيش مع زوجته حليمة في منزل عائلة هذه الأخيرة، منزل يتخلله صخب كثير مصدره ألوان وإيقاعات الفرقة الموسيقية و"الشيخات". يستمد "جوق العميين"، الذي قوبل عرضه بحضور طاقم الفيلم، بترحاب جماهيري حار، تسميته من اضطرار أعضاء الفرقة، من الذكور، إلى تقمص دور العمي حتى يمكنهم العمل في الأوساط العائلية المحافظة. ورغم أن سيرة الفيلم تحكى بلسان الطفل، ابن الحسين، عازف الكمان، فإن مجرى الأحداث يتخذ طابعا أفقيا تتوزع بطولته شخصيات كثيرة، تتداخل مساراتها وتفاعلاتها، وهو تحد نجح مفتكر في ربحه من خلال نسج دوائر سردية نسقية تضفي الحيوية وتصنع الاحتكاك المولد للعقد الدرامية. هكذا يتوزع مسرح الأحداث بين الحسين (يونس ميكري)، الذي عاش اليتم مبكرا، ويريد أن يصنع من ابنه محمد أو ميمو رجلا ناضجا وناجحا، حليمة (منى فتو)، زوجته المحبة التي تعاني أحيانا قساوته المرتبطة بتنشئته القاسية، الأخ، عبد الله (فهد بنشمسي)، الشاب المتعلم اليساري الناقم على الأوضاع، الذي يشكل النموذج المثالي الذي يغري الطفل ميمو، مصطفى، رفيق الحسين في الفرقة (محمد بسطاوي) الذي يمارس الموسيقى سرا بالنظر الى إطاره الوظيفي. يفسح محمد مفتكر لحياة الشخصيات وسياقها النفسي والاجتماعي أن يفرز المواقف المتقلبة، بين الكوميدية أحيانا، والدرامية، أحيانا أخرى، مراهنا على غنى الوسط الموسيقي الشعبي وعالم "الشيخات" والأجواق بالحكايات والمواقف والتفاصيل الإنسانية المثيرة. ويشخص أدوار الفيلم يونس ميكري، وإلياس جيهاني، ومنى فتو، وفدوى طالب، وماجدولين الإدريسي، وسليمة بنمومن، والراحل محمد بسطاوي، وفهد بنشمسي، وعبد الغني الصناك، ومحمد اللوز، وسعاد النجار وعلية عمامرة، ومحمد الشوبي. 'الفروج' فيلم ينتصر للتقاليد المغربية الأصيلة قدم الفنان عبد الله فركوس والمنتج محمد حسن الشاوي فيلمهما السينمائي الجديد "الفروج"، الذي يدخل غمار المنافسة ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم. وخلف الفيلم الذي كتب قصته عبد المولى التركيبة وعبد المجيد المهدوبي، وأنتجته شركة الشاوي للإنتاج، ردود فعل مختلفة من لدن النقاد والمهتمين، الذين اعتبروه فيلما تلفزيونيا لا يرقى إلى السينما، إلا أنه لقي استحسان فئات الجمهور التي غصت بها قاعة العرض. وأفرزت المواجهة بين الطرفين تدخلا من الجيران و"مقدم" الحي مواقف كوميدية، شخصها عبد الله فركوس، وفضيلة بنموسى، وبشرى أهريش، ومحمد ظهرا، والراحلة زينب السمايكي، ونور الدين بكر، وجواد السايح، وعمر العزوزي، وعدنان موحيجة، ولبنى أبيطار، وماجدة أزناك وفنانين آخرين ضمن العديد من الوجوه الشابة. ويروي "الفروج" قصة صانع تقليدي يقطن برياض بالمدينة العتيقة، ويملك ديكا، يدخل في صراع مع أجنبي اقتنى رياضا بجواره، وبدأ ينظم سهرات لأصدقائه، ما أزعج الصانع التقليدي، في حين يحتج الأجنبي على صياح الديك في الصباح الباكر، ما أوصل الصراع بين الطرفين إلى القضاء، بتحريض من بعض الجيران الطامعين في كرم الأجنبي. غير أن القضاء بعد مداولات كثيرة، اعتبر أن كل طرف حر في مقر سكناه، لتتواصل مشاهد هذا الفيلم الكوميدي بالتعريف ببوجمعة، الذي يعبر عن ولعه الدائم بتربية وبيع الطيور إلى جانب عشقه لموسيقى الملحون، كما يتعرض لمجموعة من المواقف الأسرية، إذ يعيش ببيت تقليدي رفقة زوجته التي تعمل حلوانية، ووالدته التي تساعدها في صنع الحلويات وبيعها، وبين جاره الجديد ميشيل الذي اشترى الرياض المجاور لمنزله، وبعد أن تفاءلت عائلة بوجمعة بقدومه في البداية باعتباره زبونا مهما لها في اقتناء الحلويات، سرعان ما بدأ صراع الجارين، منذ اليوم الأول لافتتاح الرياض دارا للضيافة. وزادت الدعوى القضائية التي رفعها ميشيل ضد بوجمعة بتشجيع من عائلة فاطمة الراقصة بالرياض التي تعلق بها وتزوجها، من تأزيم الوضع، في الوقت الذي سيساند بوجمعة من قبل أصدقائه بالسوق، الذين أوكلوا له محاميا. لتتوالى الأحداث ويحتدم الصراع، وفي الجلسة الأخيرة بالمحكمة يقتنع مشيل أن لبوجمعة كامل الحق في الحفاظ على تقاليده وطقوسه الشعبية، ليقرر اعتناق الإسلام. يذكر أن الفيلم صور في العديد من أحياء مراكش، في إطار التعريف بما تزخر به هذه المدينة من مؤهلات سياحية جعلت منها قبلة للسائح المغربي والأجنبي وحملها لقب "عاصمة السياحة بالمغرب"، واستغرق تصويره أكثر من شهرين تفاعل من خلالها طاقم الفيلم بأحداث ومواقفه التي تجمع بين الكوميديا والأداء الدرامي.