شدد اليزمي، في افتتاح أشغال الدورة التاسعة العادية للمجلس، أمس الأربعاء بالرباط، على ضرورة جعل الانسجام والتنسيق وتكامل التدخلات أفقا لكل منظومة وطنية مندمجة لحماية حقوق الإنسان، معلنا أن "التحدي الرئيسي هو حسم التوجه الاستراتيجي لبلادنا بشأن المنظومة الوطنية الحمائية، أخذا بعين الاعتبار البعدين الدولي والوطني لهذا التحدي". وأوضح أن البعد الوطني لهذا التحدي يتمثل في "استحضار إمكانيات بلدنا المادية والبشرية، وكذا النسيج المؤسساتي المفترض تقويته، بخلق المؤسسات ذات الصلة المنصوص عليها دستوريا، لتفادي هدر الجهود والتداخل في اختصاصات كافة المتدخلين، ويتعلق البعد الدولي باستكمال ممارستنا الاتفاقية، عبر إرساء الآليات الوطنية الوقائية و/أو الحمائية، المنصوص عليها في الصكوك الدولية ذات الصلة بالإعاقة والطفولة والتعذيب والتمييز العنصري". وجدد اليزمي التأكيد على الأولوية الاستراتيجية لحماية المواطنين والمواطنات، مؤكدا على أن "تنامي مطالبة المواطنين بحقوقهم هو بحد ذاته مؤشر على المواطنة وعلى الاعتراف بالحق في الحقوق، اقتناعا منا بأن استرجاع المواطنين والمواطنات لثقتهم في المؤسسات يمر بالضرورة عبر احترام كرامتهم، وضمان تمتعهم بكافة حقوقهم، وفتح فضاءات أرحب لممارسة حرياتهم الأساسية". وفي إطار مواكبة السياسة الجديدة للهجرة، أبرز اليزمي أن المجلس عمل على مرافقة التدابير المتخذة خاصة من موقعه كرئيس للجنة الوطنية للطعون في ما يتصل بتسوية وضعية المهاجرين الموجودين في وضعية إدارية غير قانونية، وتعبئة الجمعيات المحلية للانخراط في تفعيل هذه السياسة، ومن خلال مساهماته المعيارية لإعداد النصوص التشريعية ذات الصلة. وأوضح أنه بعد انصرام أجل التسوية، "بعض التحديات المرتبطة بهذا الملف ما زالت مطروحة، وعلى رأسها ضمان اعتماد قوانين تستجيب للبعد الإنساني والحقوقي لهذه السياسة، ووضع البرامج المرافقة للإدماج الاجتماعي وفي الدورة الاقتصادية للذين تمت تسوية وضعيتهم ولأفراد أسرهم، وكذا البرامج التثقيفية لتفادي خطر صعود خطابات الرفض والكراهية". وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات وقانون المسطرة الجنائية والتظاهر السلمي كانت من أبرز مواضيع الدورة العادية التاسعة للمجلس، إذ داول أعضاؤه عددا من مشاريع مذكرات تتعلق بالانتخابات، وبمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية، وبالتجمعات العمومية. وتضمن مشروع المذكرة التكميلية، التي أعدها المجلس لمذكرته حول مسودة مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، جملة من المحاور، تهدف إلى تقليص مخاطر الاعتقال التعسفي، والوقاية من التعذيب، ومكافحة التمييز، وتحقيق التوازن الضروري بين الحفاظ على ضمانات الدفاع وبين تبسيط المساطر القضائية، كما تتناول المذكرة الجانب المتعلق بالتسليم. أما مشروع مذكرة المجلس حول مراجعة ظهير التجمعات العمومية، فيرمي إلى تحديد تعريف دقيق لمفهوم "التجمع العمومي" وتشجيع إعادة النظر في طبيعة العقوبات المترتبة عن مخالفة مقتضيات الظهير، وتبسيط مساطر التصريح بالاجتماعات العمومية، والتنظيم الذاتي لها، وتعزيز دور السلطات العمومية في تسهيل وحماية الاجتماعات السلمية، ودور القضاء الإداري، وتيسير التفاوض والوساطة، وتحديد شروط استعمال القوة، فضلا عن ضمان سلامة مهنيي الإعلام خلال المظاهرات السلمية. وبخصوص مشروع مذكرة المجلس حول الانتخابات، تشمل محاور تهدف إلى الإعداد الأمثل للهيئة الناخبة، والتقطيع الانتخابي المتوازن من أجل تمثيلية متكافئة، وتقليص فوارق التمثيل على مستوى مجالس الجماعات الترابية، وتعزيز آليات ولوج النساء إلى الوظائف الانتخابية، وتحقيق المناصفة والتمثيلية السياسية للشباب، ومراجعة قانون الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات، بالإضافة إلى تعزيز الولوج المتكافئ إلى وسائط الاتصال السمعي البصري العمومية بمناسبة الانتخابات، وشفافية الحملات الانتخابية، وتعزيز الديمقراطية التشاركية في مشاريع القوانين التطبيقية الخاصة بالجماعات الترابية. مجلس حقوق الإنسان يرسم صورة قاتمة للمنظومة التربوية اعتبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن المدرسة المغربية تبقى "إلى حد كبير فضاء لإعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية، ولا تساهم بما يكفي في تجديد النخب". شدد المجلس، في مذكرة أعدها بعنوان "المساهمة في النقاش العمومي: من أجل إعمال متساو ومنصف للحق في التربية والتكوين"، أنه إذا كان مؤشر المساواة بين الجنسين يصل إلى 91 في المائة في العليم الثانوي الإعدادي في المناطق الحضرية، فإنه لا يتجاوز 55 في المائة في المناطق القروية، ورغم التقدم المحقق والجهود المبذولة في مجال التمدرس، يعاني أطفال المناطق القروية، لاسيما الفتيات، والأطفال في الأحياء الهامشية في المناطق الحضرية، والأطفال في وضعية إعاقة، بشكل كبير عدم المساواة في الولوج إلى تعليم ذي جودة. وأوضح المجلس في المذكرة، التي وزعها على هامش انعقاد دورته العادية التاسعة، أمس الأربعاء بالرباط، أن هذه التفاوتات ترهن تمتع هؤلاء الأطفال بالحقوق المعترف لهم بها، ومشاركتهم الكاملة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتشمل جملة الاختلالات، التي وقف عليها المجلس في مذكرته، تأخر التعليم الأولي، معلنا أن هذا الصنف من التعليم يعاني التشثت، بالنظر إلى تعدد المتدخلين وضعف التنسيق بينهم، بالإضافة إلى اعتماد ممارسات تربوية متناقضة، لا تنصهر ضمن باراديغمات تعليمية مشتركة، إذ تتنوع بين أساليب التدريس التقليدية والطرق البيداغوجية العصرية، التي تعتمدها بعض المدارس بالمراكز الحضرية الكبرى، والموجهة أساسا للطبقات المتوسطة والميسورة، مفيدا أن هذا التباين ينعكس على أساليب التدريس وعلى المحتوى البيداغوجي، وعلى اللغة المستعملة للتواصل والتعليم. وأفاد المجلس أن التعليم الأولي "يبقى بعيدا عن تحقيق هدف التعميم، الذي ينص عليه الميثاق الوطني، جراء تركزه في المناطق الحضرية، وانخفاض معدلات تمدرس الفتيات في الكتاتيب بالمناطق القروية إلى ما يناهز 39 في المائة، مشددا على أن "التعليم الأولي للأطفال بين 3 و5 سنوات سيبقى خاضعا إلى حد كبير لنوع من المنطق المالتوسي، الذي يعيد إنتاج الفوارق الاجتماعية". كما سجل المجلس اختلالات على مستوى استمرار الأمية وضعف معدلات مواصلة الدراسة، موضحا أن 46 في المائة من الفئة العمرية المسجلة في السنة الأولى من التعليم الابتدائي تتمكن من الوصول إلى السنة النهائية من التعليم الإلزامي. وأكد العجز المزمن على مستوى التعليم العالي، مبرزا أن "ثمار إصلاحه مازالت بعيدة عن الخروج بهذا القطاع من الاختلالات المزمنة التي عاناها طيلة عقود مضت"، وأن الجامعة المغربية تحتل إحدى المراتب المتأخرة بنسبة 15 طالبا لكل ألف نسمة، بينما تصل في تونس إلى 34 ألف طالب. وأوضح أن اختلالات التعليم العالي تؤثر بشكل سلبي على البحث العلمي، وأن معدل الحصول على شهادة الدكتوراه التي تمنحها الجامعات المغربية، يعكس حالة من الركود طالت سنوات. كما سجل غياب دينامية فعلية في مجال البحث العلمي، موضحا أن المركبات الجامعية المغربية أصبحت فضاءات محرومة من الشروط الضرورية، التي من شأنها أن تجعل منها مدنا علمية حقيقية. وتطرق إلى ضعف جودة التعليم، مفيدا أن النقص في الجودة خلف صورة سلبية عن منظومة التعليم العمومي، التي باتت تعتبر غير فعالة، ومصدر مقلق بالنسبة للشباب، الذين يواجهون صعوبات في تحقيق الاندماج المهني والولوج إلى سوق الشغل. وعلى مستوى الإصلاح، ارتكزت المذكرة على عشرة أوراش أساسية، في مقدمتها الإنصاف والجودة، مع ضمان الحق في الحصول المنصف على تعليم ذي جودة، سواء تعلق الأمر بالتعليم الأساسي أو المستمر لكل طفل أو مراهق أو شخص بالغ، حسب إكراهاته واستعداداته الفكرية والثقافية والمادية، مع مأسسة المقاربة القائمة على حقوق الإنسان واعتمادها شرطا للموافقة على المشاريع والبرامج المتصلة بالتعليم ونشرها وإعمالها، واعتماد مبدأ عدم التمييز على أساس الجنس والانتماء الجغرافي أو العرقي والثقافي واللغوي والاجتماعي، فضلا عن التمييز الذي يواجهه الأطفال والشباب في وضعية إعاقة. كما أكدت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان على تشجيع التفكير النقدي وحرية التفكير، انطلاقا من القيم الجوهرية لحقوق الإنسان، من خلال النقاش ومقارعة الأفكار، دون أي عنف بدني أو مؤسساتي أو رمزي، الذي يقتضي العمل على مكافحة جميع أشكال الإرهاب الفكري، وجميع أنماط الإيديولوجيات الشمولية، مع التركيز على أهمية الشراكة، بإعطاء نفس جديد للبرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان، فضلا عن ورش تدبير وحكامة ومراقبة الملك العمومي، بمكافحة جميع أشكال الفساد، وانتهاك حقوق وكرامة الأطفال والمراهقين، والتصدي للشطط في استعمال السلطة، واستخدام الممتلكات التعلمية لأغراض شخصية، أو بشكل غير مبرر، لفائدة فئة اجتماعية، أو ثقافية، أو جغرافية، أو سياسية.