تعد استراتيجية تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، فضلا عن مخطط (المغرب الأخضر) والبرنامج الوطني لتنمية سلسلة النخيل المثمر، مشروعا رائدا لحقيق تنمية مستدامة وشاملة ومندمجة لمناطق الواحات وشجر الأركان بالمغرب. وتهم هذه الاستراتيجية، التي أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس انطلاقتها بالرشيدية خلال شهر أكتوبر الماضي، تحقيق التنمية الشاملة والمندمجة للتراب الإقليمي الذي يغطي 40 في المائة من التراب الوطني (5 جهات، 16 إقليما و400 جماعة)، وتحقيق التنمية البشرية للمناطق المستهدفة، وتثمين الموارد الاقتصادية والطبيعية والثقافية التي تزخر بها هذه المناطق، إضافة إلى حماية المنظومة البيئية. ويقوم هذا المشروع، الذي تسهر الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان على تنفيذه، على 45 برنامج عمل ملموس لتفعيله رصد لإنجازه غلاف مالي يناهز 92 مليار درهم، وهي البرامج التي تم وضعها بناء على أهداف مكونات الاستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تم تحديدها اعتمادا على نتائج التشخيص من جهة والمؤهلات المجالية من جهة أخرى. كما تم وضع البرامج المسطرة في إطار هذه الاستراتيجية بناء على مقاربة تشاركية، من خلال انخراط مجموع الفاعلين المعنيين. وتتطلب، من أجل تنفيذها بشكل أمثل، انخراط القوى الحية بالمناطق المعنية ووضع نظام للمراقبة والتتبع وتبني مبدأ التعاقد. وفي سياق توفير الشروط الضرورية لتنفيذ البرامج ستعمل الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان على توسيع مجالات الالتقائية بين كل القطاعات قصد ضمان أجرأة سليمة وتنفيذ دقيق للبرامج والمشاريع على المستوى المحلي، وتتبعها وتقييمها بكيفية منتظمة، وفقا لمنظومة متكاملة تعتمد مؤشرات دقيقة ومضبوطة. وهكذا فمن الناحية الاقتصادية تتوخى هذه الاستراتيجية، إلى جانب المشاريع الجديدة المهيكلة ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والصحي والرياضي التي أعطى انطلاقتها صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال زيارته جلالته هذه السنة لإقليم الرشيدية، خلق فرص الشغل، ولا سيما الرفع المستدام لمداخيل الساكنة حضرية كانت أو قروية وخلق ما يعادل 160 ألف فرصة عمل قار بزيادة تفوق 12 بالمائة، في حين سيرتفع الناتج الداخلي الخام الإجمالي لمناطق الواحات وشجر الأركان بما قدره 150 بالمائة، لتنتقل من 80 إلى 200 مليار درهم. وتهم البرامج ال 14 المرتبطة بهذا الجانب تثمين الإمكانيات الفلاحية (81 مشروعا موزعة على 6 برامج باستثمار قيمته 20 مليار درهم)، وتثمين الموارد الثقافية والمؤهلات الطبيعية والصناعة التقليدية (46 مشروعا موزعة على 5 برامج باستثمار قيمته ملياري درهم)، والاستغلال الأمثل للموارد المعدنية (10 مشاريع موزعة على ثلاث برامج باستثمار يفوق 240 مليون درهم). وفي الجانب الاجتماعي، الذي يهم 18 برنامجا تتضمن 42 مشروعا باستثمار قيمته 39 مليار درهم، ستساهم استراتيجية تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان بالأساس في تحسين الظروف المعيشية للساكنة، وذلك من خلال توفير الخدمات الأساسية والصحية والتربوية. وفي ما يتعلق بالجانب البيئي، الذي يهم 13 برنامجا، فيهدف إلى ضمان استدامة التنمية بالنسبة للمكون الاقتصادي والاجتماعي، وذلك وفق مقاربة ترتكز على مواجهة الضغط البشري والطبيعي للحد من تدهور الأراضي وزحف التصحر ومواصلة الجهود التحسيسية للسكان المحليين وتطوير برنامج لإعادة التأهيل وغرس الأشجار. كما تقوم هذه المقاربة على تحديد أهداف واضحة في ما يتعلق بالحفاظ على الموارد الطبيعية، بما يمكن من الرفع من العرض الإجمالي للمياه بحوالي مليار متر مكعب، والرفع من كثافة الكتل الغابوية، ولاسيما غابات الأركان من خلال إعادة تأهيل 200 ألف هكتار، وكذا الحفاظ على التنوع البيولوجي عبر تثمين المواقع ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية والمنتزهات الطبيعية. وفي هذا الصدد، وفي إطار مواكبة تفعيل هذه الاستراتيجية، ترأس جلالة الملك محمد السادس بمناسبة إطلاق هذا المشروع، حفل التوقيع على أربع اتفاقيات تتعلق بتنفيذ استراتيجية تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان. وتهم الاتفاقيات الثلاث الأولى تأهيل وتنمية مناطق الواحات والأركان بعدة أقاليم وعمالات المملكة. أما الاتفاقية الرابعة فتتعلق بتأهيل المجال الإيكولوجي لغابة الأركان على مساحة 200 ألف هكتار، وتنمية زراعة الأركان كسلسلة فلاحية منتجة على مساحة 5000 هكتار، في أفق 2020، وإعادة تأهيل الأنظمة الإيكولوجية لمجال غابة أمسكرود المتضررة من حرائق غشت 2013. يذكر أن الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان التي تأسست سنة 2010 وتمثل تجربة فريدة من نوعها بالعالم ، تتولى العمل على صون وحماية وتنمية أشجار النخيل، لاسيما من خلال وضع مشاريع اقتصادية واجتماعية لتحسين إنتاجها كما وكيفا وتطوير تسويقها وتوزيعها، وتوسيع مساحات غرس شجر الأركان وإنجاز أو الإشراف على إنجاز مشاريع لتثمين وتسويق وتشجيع منتوجات شجر الأركان ، وذلك في إطار عقود-برامج أو اتفاقيات. ويشار إلى أن مناطق الواحات وشجر الأركان تمثل 40 بالمائة من التراب الوطني وتقطن بها 15 بالمائة من ساكنة المملكة. وتعد هذه المناطق حاجزا حقيقيا ضد زحف التصحر ومحمية فريدة للتنوع البيولوجي مصنفة ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو.