تحيي السوبرانو سميرة القادري حفل جائزة الأركانة العالمية للشعر، غدا السبت، بفضاء المعرض الدولي للنشر والكتاب، حيث سيتسلم الشاعر الإسباني أنطونيو غامونيدا، جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي يمنحُها بيت الشعر في المغرب ومؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير بدعم من وزارة الثقافة. جاء اختيار الفنانة المتألقة سميرة القادري لإحياء هذا الحفل الفني، لقيمتها الفنية والموسيقية الرائعة، إذ عبرت، في حوار مع "المغربية"، عن اعتزازها بإحياء هذا الحفل. والفنانة القديرة أخذت أصول الغناء الكلاسيكي الأبرالي على يد السوبرانو صفية التجاني. تتلمذت على يد نخبة من الأساتذة داخل المغرب وخارجه. فنانة باحثة في موسيقى البحر الأبيض المتوسط. غنت 90 عملا لخيرة الشعراء العرب والأجانب، أمثال جبران خليل جبران، ونزار قباني، وغارسيا لوركا، والسياب، وسارغيو ما تياس. راكمت تجربة عملية في مجال التدبير الثقافي والفني أهلتها لأن تؤسس وتشرف على بعض المهرجانات الوطنية، منها المهرجان الدولي للعود، ومهرجان "أصوات نسائية" في دورته الأولى، و"ملتقى الأندلسيات" بشفشاون. جرى اختيارك لإحياء حفل جائزة الأركانة للشعر، كيف تلقيت هذه الدعوة؟ الدعوة أثلجت صدري كوني سأشارك في أهم لحظة في المشهد الثقافي بالمغرب. تلقيتها بكل سرور واعتزاز من الإخوة المنظمين في بيت الشعر الذين عبروا عن سعادتهم باستضافتي. لم يترددوا في التصريح لكل المنابر الإعلامية عن دواعي اختيارهم لي في إحياء حفل جائزة الأركانة في دورتها السابعة. فشددوا على القيمة الفنية والموسيقية للون الإبداعي الذي أشتغل عليه من جهة، ومن جهة أخرى أكدوا على أن رسالتي الفنية التي تتقاطع مع رسالة الشاعر انطونيو غامونيدا المتوج بجائزة الأركانة العالمية للشعر، الذي يعمل بدوره على أنْ يكون الشعر صوتاً للحوار الإنساني ووسيلة للحوار الحضاري. أشكرهم على هذه المقاربة التي أعتبرها تثمينا لتجربتي الفنية. حضورك يوم 30 مارس في الحفل يشكل حدثا متميزا في مسارك الفني لأنك فنانة تهتم بالتراث الفني بالدرجة الأولى كما أنك ستكونين وسط جمهور مثقف بامتياز وعاشق للشعر؟ مما لا شك فيه أن اختياراتي الفنية واضحة جدا. مراميها البحث عن جمهور ذواق وتواق لكل جيد وجاد. فالجمهور الذي أخاطبه هو جمهور المثقفين الذين تستهويهم الكلمة الشعرية العميقة واللحن الرصين، الذي يخاطب العقل والوجدان. من خلال الريبرتوار التراثي القرسطوي والنهضوي، الذي تميزت به في أداء غنائيات البحر الأبيض أبحث عن متلقي الجمالية الأصيلة والخلاقة للإبداع الفني. لا يستهويني الحضور بشكل مكثف في المهرجانات أو التظاهرات بقدر ما تستهويني المشاركات النوعية التي تحمل طابعا ثقافيا. فالحفلات من قبيل حفل جائزة أركانة تتيح لي اللقاء بجمهور متذوق يقبل بشروحاتي وإيضاءاتي الجمالية والعلمية التي أستعين بها في كل العروض التي أقدمها. لذا حضرت لجمهور جائزة الأركانة ربيرتوارا متنوعا يحتفي بشعر الزجل ما بين الضفتين. باعتبار هذا الفن دخل لأول مرة إلى الجزيرة الإيبرية بدخول العرب. سأفتتح الحفل بأول قصيدة مخضرمة بالعربية والقشتالية القديمة بعنوان ثلاث فتيات عرببات في جيان عائشة، فاطمة ومريم. هذه الأغنية جاءت لأول مرة على لسان عريب، أحد قيان الشهير زرياب الذي أنشا أول معهد موسيقي بأوروبا في عهد عبد الرحمان الأوسط. القطعة انتقلت من قرطبة لتصل إلى بعض دول الجزيرة الإبيرية وتغنى بلغات مختلفة. العرض ستتخلله قصائد أخرى أعلن بها عن احتفائي بشعر الزجل وبتأثيره في الشعر الإبييري. ومن هنا يتجدد لقائي بالذاكرة المشتركة لرد الاعتبار للحضارة الإنسانية التي رأت النور بالأندلس نتيجة التفاعل والتواشج الحضاري العميق بين كل مكونات المجتمع الأندلسي. كيف تنظرين إلى مثل هذه المناسبات الثقافية والفنية بالمغرب؟ أشد على أيادي كل من بيت الشعر ووزارة الثقافة ومؤسسة صندوق الإيداع والتدبير على خلق مثل هذه اللحظات الرفيعة في المشهد الثقافي المغربي. فما أحوجنا للمناسبات التي تكرس لثقافة التكريم واستحضار الرموز الفكرية في إعلاء روح الإبداع والعطاء. فجائزة الأركانة أقوى اللحظات الأدبية التي تحتفي بالشعر وبعشاقه وتجعل موضوعاته منفتحة على الأسئلة العميقة الكبرى. منذ إحداثها من قبل بيت الشعر ونحن نسجل اتساع رقعتها دورة بعد دورة، بكل موضوعية ومصداقية، خصصت لشاعر ينتمي إلى إحدى جغرافيات العالم. فجائزة هذه الدورة من نصيب الشاعر الإسباني أنطونيو غوميدا، من طينة من يزيدون الجوائز قيمة. ما جديدك الإبداعي؟ أستعد لطرح ألبوم جديد عن عمل فزت به بالجائزة الكبرى لجوائز مؤسسة المهاجر بأستراليا سنة 2011. وهو عمل يضم أشعارا صوفية بالالخامية الإسبانية. وهي لغة قشتالية مكتوبة بحروف عربية، كتبها شعراء مسلمون عاشوا بإسبانيا في أواخر القرن 16 وبداية القرن 17. القصائد أخذتها من بعض المخطوطات الموجودة في مكتبة الأسكوريال بمدريد ووضعت لها ألحانا مستلهمة من الفضاء الموسيقى النهضوي للبحر الأبيض المتوسط التي استمدت جذوره من الأندلس. قبل طرح الألبوم بعنوان "من البشرات إلى عرفات" سيكون لي أول لقاء مع الجمهور في يونيو المقبل في فعاليات مهرجان الموسيقى الروحية بفاس. العمل من تلحيني وتوزيع اليوناني لوانيس باباينو والإدارة الفنية للفنان نبيل اقبيب وعزف مشترك بين موسيقيين من المغرب واليونان وأرمينيا. منكبة كذلك في تحضير عمل فني جديد بعنوان "من أعالي الجبال"، أحضره للسنة المقبلة، وهو عبارة عن توليف موسيقي بين الشعر الأمازيغي المغاربي والموسيقى المتوسطية. إن شاء الله ستكون لنا فرص أخرى للحديث عن تفاصيله. هل تعتقدين أن الساحة الإبداعية المغربية مازالت بخير على مستوى الإبداع الأدبي والغنائي؟ مما لاشك فيه أن الإبداع المغربي باختلاف مجالاته حقق تراكما ت مهمة، وأصبح في السنوات الأخيرة، يشكل مكانة متميزة في المشهد الثقافي. إلا أن صداه لا يتعدى نطاقا محدودا، هذا يفرض التفكير في صيغ وتدابير عملية للتعريف بالأعمال المميزة وضمان نشرها على نطاق واسع. رغم ما يعرفه الإبداع المغربي من مد وجزر، فالساحة تعرف أعمالا جيدة وقيمة. أظن أن المغرب لا يعرف أزمة إبداع بقدر ما يعرف أزمة الاحتضان والنشر والتوزيع.