ظلت القضية الفلسطينية في صلب انشغالات المملكة المغربية منذ بدايتها، حيث انخرط المغرب في حمل مشعل الدفاع عن هذه القضية في المحافل الدولية والإقليمية وداخل المنتظم الأممي مبرهنا بذلك على التزام ثابت وتعبئة مستمرة في الدفاع عن القضايا العربية. وسارع المغرب عقب العدوان الأخير على قطاع غزة من لدن قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى التنديد بهذا العدوان الغاشم٬ ودعا إلى اتخاذ قرارات قوية ومؤثرة وفاعلة للرد عليه٬ كما دافع٬ بوصفه العضو العربي الوحيد داخل مجلس الأمن الدولي عن تطلعات الشعب الفلسطيني، وحث المجتمع الدولي على البحث عن تسوية جدية ونهائية لهذا الصراع الذي طال أمده. وتعبأ المغرب على الدوام في إطار هذه القضية دفاعا عن الحوار والتفاوض والتعايش المشترك٬ وعمل منذ حصوله على صفة العضو غير الدائم داخل مجلس الأمن على جعل القضية الفلسطينية في صلب أولوياته من أجل الوصول إلى حل سياسي متفاوض بشأنه بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في أفق إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وواكبت هذه الجهود الدبلوماسية مساعي ميدانية فورية تمثلت في إرسال مساعدات غذائية وطبية عاجلة إلى قطاع غزة بتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ للتخفيف من معاناة الفلسطينيين ودعمهم في الظروف الصعبة التي يمرون بها حاليا. وجرت في هذا السياق، إقامة مستشفى ميداني طبي وجراحي يتوفر على مختلف التخصصات، ويشرف عليه طاقم طبي متكامل، حيث توافد عليه، منذ السبت المنصرم، المئات من الفلسطينيين. وخلال العدوان السابق لجيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة أواخر سنة 2008، وبداية العام الموالي، بادر المغرب إلى فتح حساب لدى البنك المركزي تحت اسم "حساب مساعدة فلسطين"، خصص لجمع التبرعات الرامية إلى إعادة بناء المرافق الأساسية وتخفيف الآثار التي خلفها العدوان، وهي المبادرة التي لقيت إقبالا واسعا من لدن مختلف مكونات الشعب المغربي. كما ساهم صاحب الجلالة شخصيا في عملية إعادة الإعمار، حيث تحمل تكاليف بناء كلية الزراعة التابعة لجامعة الأزهر في غزة من ماله الخاص. كما أن لجنة القدس، التي ترأسها جلالة المغفور له الحسن الثاني منذ إحداثها٬ مازالت تشكل اليوم٬ تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ أداة فعالة للحفاظ على الطابع الإسلامي للمدينة المقدسة، حيث وضعت اللجنة من بين أهدافها تعبئة الموارد المالية من أجل الحفاظ على التراث الديني والثقافي لهذه المدينة المقدسة. وتعكس هذه الالتفاتات التضامنية سلوكا راسخا في علاقات المغرب بالدول الشقيقة والصديقة، التي تمر بأزمات تتسبب في خسائر بشرية وفي ضحايا يحتاجون لتدخل طبي وإنساني عاجل٬ ويندرج في هذا الصدد أيضا المستشفى الميداني الذي أقيم بالأردن لفائدة اللاجئين السوريين. وعكس الخطاب الملكي السامي الموجه إلى القمة العربية المنعقدة في الدوحة سنة 2009، بشكل واضح التعبئة الثابتة للمملكة المغربية٬ حيث أكد جلالة الملك أن "انخراط المغرب في جهود المصالحة العربية٬ مثل التزامه بعملية السلام ليجسدان خياره الاستراتيجي الراسخ في التعامل مع القضايا المصيرية لأمتنا٬ وفي طليعتها قضية فلسطين٬ بروح الحوار والتوافق والتضامن٬ وفي إطار الحق والشرعية". وتجسد هذا التوجه في عدد من المبادرات الرامية إلى تعزيز العمل العربي المشترك٬ حيث تحضر في مقدمة هذه الانشغالات القضية الفلسطينية والرغبة في التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للنزاع العربي الإسرائيلي تخرج بموجبه إلى النور الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. كما يبرز هذا التوجه في العناية الخاصة التي ما فتئ جلالة الملك يوليها للمدينة المقدسة للحفاظ على خصائصها الثقافية والحضارية والدينية٬ لاسيما عبر وكالة بيت مال القدس. وضمن التوجه نفسه٬ ساهم المغرب في الجهود العربية والدولية الرامية إلى تحقيق سلام عادل٬ ودائم وشامل في الشرق الأوسط٬ علما أن المملكة احتضنت٬ من بين 23 قمة للجامعة العربية ست قمم٬ وهو أكبر عدد من القمم يعقد خارج القاهرة مقر هذه المنظمة العربية٬ كما يقوم المغرب بجهود حثيثة داخل لجنة متابعة مبادرة السلام العربية لتقوية الوضع التفاوضي للجانب الفلسطيني.(و م ع)