قالت فائزة بن حديد، مسؤولة البرامج والدعم الفني بمركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوتر)، إن المركز "يشتغل بصفة شمولية، على محاور أساسية، بينها التمكين الذاتي للنساء، ويشمل التمكين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي" معتبرة أن النساء في حاجة إلى التمكين الذاتي، حتى يستطعن تجاوز بعض المعيقات المرتبطة بالتربية التي تلقينها، والمؤسسة على أن المرأة النموذجية هي التي لا تطالب بحقوقها، وتلتزم الحشمة. وسجلت بن حديد، في حوار أجرته معها "المغربية"، على هامش الندوة الإقليمية حول "المرأة الريفية والتنمية المحلية" التي نظمها مركز "كوتر" ومنظمة "أوكسفام كيبيك" في إطار المشروع الإقليمي "التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية" أن المغرب عرف إصلاحات عدة على مستوى التشريع. وأبرزت بن حديد، الفاعلة النسائية الجزائرية، أن الفعاليات التي تقود مبادرة إنجاز التقرير الإقليمي حول التمكين الاقتصادي للنساء الريفيات والإشكاليات المعيقة، منكبة، في إطار تقوية القدرات، على إنجاز دليل الخدمات المتعلقة بالأعمال، سواء المرتبطة بالقروض أو الاستثمار أو مبادرات التأهيل، أي كل الخدمات التي قد تحتاجها المرأة من أجل إطلاق مشروع أو مواصلته أو تطويره. واعتبرت الخبيرة الدولية، التي كانت شغلت منصب مستشارة في صندوق الأممالمتحدة للسكان في قضايا النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، أن الجانب المشترك بين النساء الريفيات، هو أنهن "مجاهدات، يشتغلن ويكافحن من أجل تحسين وضع أسرهن، ومستوى عيشهن، ولكن هذه المهام التي يقبلن عليها، تضيف إليهن، في كثير من الأحيان، أعباء إضافية، بحكم أنها غالبا ما تكون غير مهيكلة، وغير قوية". كهيئات نسائية في العالم العربي، تشتغلون على وضع تقرير حول الآليات والتشريعات من أجل التمكين الاقتصادي للنساء الريفيات (القرويات)، لماذا اختيار هذه التيمة بالذات؟ - نحن، في مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث "كوتر" نشتغل بصفة شمولية، على محاور أساسية، تروم تغيير التشريعات والعقليات، ومن هذه المحاور التمكين الذاتي للنساء، ويشمل التمكين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فالمرأة تحتاج إلى التمكين الذاتي، لأن بعض جوانب التربية التي تلقتها تعاكس مفهوم التمكين، إذ عليها وفق هذه التربية ألا ترفع صوتها، وأن تلتزم بالحشمة، وألا تطالب بحقها. طبعا، اشتغلنا طويلا على التمكين الاقتصادي للنساء، وهذا التقرير، الذي نحن اليوم بصدد إعداده، ويأتي في إطار تعزيز جهودنا، يدخل ضمن مشروع إقليمي، بشراكة مع منظمة "الأوكسفام" الكندية، وبدعم من الحكومة الكندية، وسينفذ في أربع دول عربية هي تونس ولبنان والأردن وفلسطين، ورغم أن الأمر يتعلق ب"المشروع الإقليمي للتمكين الاقتصادي للمرأة العربية"، إلا أننا نشعر وكأن كل بلد يشتغل بصفة منعزلة عن البلدان الأخرى، ولذلك فنحن نطمح إلى بلورة البعد الإقليمي الحقيقي لهذا الموضوع. وتفعيلا لهذا الهدف، وظفنا خبيرة دولية، زارت البلدان العربية الأربعة، والتقت الشركاء الأربعة للمشروع، ما سمح بأن نحدد معا، القضايا التي من الممكن الاشتغال عليها مع بعض، على اعتبار أنها قضايا مهمة بالنسبة للمنطقة، ولها ملحاحيتها. وتبين أن مسألة التمكين الاقتصادي للنساء، وبالذات المرأة الريفية، هي واحدة من هذه القضايا. ولأننا لا نتوفر على المعطيات الكافية المتعلقة بأوضاع هذه الفئة من النساء، انكببنا على إنجاز دراستين، وانطلقنا من طرح عدد من التساؤلات، وعلى سبيل المثال تساءلنا لماذا عدد النساء ضعيف في الغرف التجارية، علما أن النساء في المناطق الريفية يقمن بعدة مهام، ويشتغلن في عدد من المجالات، لكن طموحنا هو العمل على جعل عمل النساء مهيكلا، ويضمن لهن التطور. وقفنا على تجربة صديقاتنا الفلسطينيات على اعتبار أنهن يقدمن مشاريع للنساء منذ عدة سنوات، في مجال التمكين الاقتصادي، كما وقفنا عند موضوع التنمية المحلية والتمكين الاقتصادي للمرأة الريفية، علما أن الشركاء الأربع يهتمون بهذا الموضوع ويشتغلون على عدد من المشاريع والبرامج التي تستهدف المناطق الريفية. ونحن في إطار تقوية القدرات، ننكب على إنجاز دليل الخدمات المرتبطة بالأعمال، سواء المتعلقة بالقروض أو الاستثمار أو مبادرات التأهيل، أي كل الخدمات التي قد تحتاجها المرأة من أجل إطلاق مشروع أو مواصلته أو تطويره. ترسمون أهدفا تتوخى تمكين النساء اقتصاديا، لكن ما الهدف من التقرير الذي أنتم اليوم بصدد إعداده؟ - إن التقرير، الذي سنعده، يتأسس على تحديد أوضاع النساء، وبشكل أدق النساء الريفيات، حتى نستطيع وضع برامج مبنية على أدلة وعلى معطيات مضبوطة، تحدد الإشكالية بدقة، ولذلك أنجزنا بحوثا، وكان البحث الثاني مخصص للتشريعات، وحين وقع اختيار شركائنا علينا، كمركز إقليمي له تجربة في هذا المجال، من أجل إنجاز هذه البحوث، حرصنا على التركيز في هذه البحوث على السياسات والآليات والمؤسسات ذات العلاقة بالتمكين الاقتصادي، وأول مبادرة سنقدم عليها انطلاقا من هذا التقرير، إطلاق حملة من أجل الدفاع وكسب المناصرة 2012 2013، على المستوى الإقليمي، وعلى مستوى كل بلد، وتنكب هذه الحملة حول القضايا التي تبين أنها أكثر أهمية، وذات أولوية وواقعية، حتى نتمكن من الإسهام في تغيير المواقف ومستوى الوعي، وندفع صانعي القرار إلى اتخاذ مبادرات للتغيير في مجالات معينة. قدمت خلال اللقاء أربعة تقارير لكل من الأردن ولبنان وفلسطينوتونس، ما هي أوجه الشبه بين هذه التقارير الأربعة؟ - عندما ننطلق في العمل على قضايا تخص المناطق الريفية (القروية) كثيرا ما نقابل بالقول إن هذا لا ينطبق على أوضاعنا، وأن هناك اختلافات على مستوى تحديد المصطلحات والمنطلقات، والحال أن مصطلح المرأة الريفية هو عام وشامل، وممكن تحديده جغرافيا وحسب ظروف عيش النساء في هذه المناطق. حين قررنا إيجاد همزة وصل للتنمية والمرأة الريفية، لم نجد أي دراسة تربط هذه الفئة بالتنمية المحلية، ليس لأن النساء الريفيات غير فاعلات، ولكن لأن جهودهن ومشاركتهن غير معترف بها، لأن إمكانياتهن محدودة، وبالكاد يستطعن الفعل داخل محيطهن الأسري، ولذلك اقترحت الأخوات الفلسطينيات وضع "كوطا" للنساء من أجل تمكينهن من احتلال مواقع في الهيئات المنتخبة محليا، وهو ما وجدناه مهما جدا. إضافة إلى هذا الجانب، واستحضارا لنقاط التشابه داخل المناطق الأربع، يمكن أن نشير إلى أن أوضاع النساء الريفيات، سواء في فلسطين أو الأردن أو لبنان أو تونس، تتسم بالفقر، وهناك الحاجة إلى الدعم من أجل تمكينهن اقتصاديا، وهو ما لمسناه من خلال الدراسات التي أنجزت، مع ضرورة التأكيد على أن الدعم الذي نتحدث عنه لا نحصره في مبالغ بسيطة تمنح للنساء في هذه المناطق، من أجل أن يمارسن أنشطة غير مهيكلة، بل نطمح إلى أن تصير النساء في الأرياف نساء أعمال، مثلما هو الوضع بالنسبة للرجال. ويمكنني التأكيد على أن الجانب المشترك بين النساء الريفيات، ومن خلال الدراسات التي أجريناها داخل البلدان الأربع، هو أنهن مجاهدات، فهن يشتغلن ويكافحن من أجل تحسين وضع أسرهن، ومستوى عيشهن، لكن هذه المهام التي يقبلن عليها، تضيف إليهن، في كثير من الأحيان، أعباء إضافية، بحكم أنها غالبا ما تكون غير مهيكلة، وغير قوية. فمثلا، في"واد الصبائحية" بتونس، ومن خلال البحث الذي أنجزناه في هذه المنطقة، يتبين أن النساء يعلن 900 فرد، بحكم أن الرجال هناك يهاجرون، لتظل النساء مسؤولات عن إعالة الأسر. هل تعتبرون أن الدراسات، التي أنجزتموها في البلدان الأربعة (تونس والأردن وفلسطين ولبنان)، وتمحورت حول أوضاع النساء الريفيات، يمكن أن تعكس واقع النساء في المنطقة العربية؟ - أفرز البحث الخاص بالمرأة الريفية والتمكين والتنمية الاقتصادية، خلاصات تؤكد أن هناك قواسم مشتركة بين البلدان العربية، طبعا نحن لا نغيب في تحاليلنا أن منطقة الخليج لا توجد بها مثل هذه الفئات، بل هناك فئات نسائية لها مشاكل وأوضاع أخرى مغايرة، لكن يمكن القول إن المغرب العربي والشرق الأوسط تتشابه فيه المشاكل، مع وجود بعض الخصوصيات، كما أثبتت الأبحاث المنجزة. وما هي الخلاصات التي خرجتم بها على مستوى التشريعات؟ بداية، من المفيد التذكير بأن مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث "كوتر"، ينجز عددا من الدراسات، ويضمن نتائجها تقريره الإقليمي حول أوضاع المرأة العربية، الذي يصدره كل سنتين، وللإشارة فالتقرير المقبل سيتمحور حول موضوع التشريعات. واعتبارا لهذه المعطيات، أنجزنا دراسات حول التشريعات على مستوى البلدان الأربعة نفسها، واعتبرنا أن هذه الدراسات ستمكننا من الوقوف على الوضع التشريعي في هذه الدول، في علاقتها بالتمكين الاقتصادي، وهو ما سيمكن من الوصول إلى خلاصات ملموسة، سنضمنها التقرير الإقليمي، عوض الاعتماد على معطيات متوفرة، وسنعمل على توسيع خريطة البلدان التي شملتها الدراسة، لتهم بلدانا أخرى لها خصوصيات بالنسبة للبلدان الأربعة، حتى نقف على القضايا المشتركة بين الدول العربية، والخصوصيات التي تميز بعض البلدان عن أخرى، ليكون التقرير الإقليمي الذي يصدره المركز أكثر دقة وأكثر شمولية. وفي سياق الإعداد للتقرير الإقليمي حول التشريعات في علاقتها بالتمكين الاقتصادي للنساء الريفيات، الذي نهيئه بشراكة مع منظمة "الأوكسفام" الكندية، بدعم من الحكومة الكندية، سينفذ في أربع دول عربية هي تونس ولبنان والأردن وفلسطين، أنجزنا دراسات معمقة على مستوى البلدان الأربعة، شملت التشريعات والسياسات والآليات، وأثناء تقديم هذه الدراسات، خلال لقاء عمان بداية شهر مارس، قدمت عرضا يمكن وصفه بالقراءة السريعة لواقع الحال في البلدان الأخرى، بما فيها المغرب، الذي نعتبر أنه عرف عدة إصلاحات على مستوى التشريع، إذ أوردنا التغييرات التي جرت في عدد من الدول على مستوى التشريعات، مع الحرص على ذكر النصوص القانونية، واستحضرنا التجارب الإيجابية، سواء تأسست على إصلاحات جرت في فترات بعينها، أو كانت موجودة من قبل. واستطعنا من خلال هذه الدراسات الوقوف عند القضايا المشتركة، واعتبرناها خلاصات يمكن الاشتغال عليها، وطبعا هذه الخلاصات لا نعتبرها مشتركة بين الدول العربية الاثنين والعشرين، العضو في جامعة الدول العربية، مثل مسألة إجازة الأمومة، وإن كنا نعتبرها من أكبر المشاكل التي تعاني منها النساء، مع اختلاف حجم المشكل من بلد إلى آخر، على مستوى مدة هذه الإجازة، التي تقتصر في بعض البلدان على أسبوعين، إلى جانب عائق الأقدمية، الذي تواجهه النساء من أجل الاستفادة من عطلة الأمومة، ولذلك نرغب في توحيد القانون بانسجام مع المعاهدات الدولية، والتزامات البلدان التي هي عضو في منظمة العمل الدولية. التوصيات التي تمخضت عن الدراسات التي جرى عرضها خلال لقاء عمان، هل ستترافعون بشأنها إزاء الحكومات، أم إزاء المنظمات الحكومية أم مؤسسات المجتمع المدني؟ - ستكون المنظمات غير الحكومية ضمن الحلفاء، لأنها لا تملك القدرة على التغيير، سواء على مستوى السياسات أو القوانين، لكن ستشكل حليفا لنا في الحملة التي نعتزم إطلاقها لمدة سنة (2012 2013)، كذلك الشأن بالنسبة للمنظمات الأممية، لكن على الحكومات أن تتحمل مسؤولياتها، لأنها الرابح الأول في هذه القضية، فالحكومات تعلن باستمرار أنها تشتغل على أهداف التنمية للألفية، وكما هو معلوم فأولى هذه الأهداف هو محاربة الفقر، بعيدا عن الحديث عن المساواة وعدم التمييز، لأنه إذا أخذنا القضية من زاوية محاربة الفقر، فالتمكين الاقتصادي للنساء يعني التقليص من نسبة الفقر، لأنه، كما هو واضح من خلال الإحصائيات سواء المحلية أو الدولية، فأفقر الفقراء هم النساء، لأن نسبة الفقراء كبيرة، لكن النسبة الأكبر للفقراء تمثلها النساء، لذلك إذا قلصنا معدل الفقر لدى النساء، حتما سيتقلص في المجتمعات. ما هي أهم التوصيات التي خرجتم بها من خلال الدراسات التي قدمت في أشغال الندوة الإقليمية حول" المرأة الريفية والتنمية المحلية" المنعقدة في عمان؟ - أهم ما يمكن تسجيله، هو أننا اتفقنا على الأولويات، التي سنشتغل عليها خلال السنة المقبلة، سواء على المستوى الوطني لكل بلد من البلدان الأربع، أو على المستوى الإقليمي، وعقب هذه الندوة، عقدنا دورة تدريبية حول التخطيط للدعوة من أجل التغيير في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة، وهي أول مرة نعتمد فيها هذه المنهجية، التي ارتكزت على إنجاز بحوث أولا، ثم المصادقة على نتائج هذه البحوث، على مستوى البلد ثم بعد ذلك على المستوى الإقليمي، لنمر إلى التدقيق في الأولويات التي نبني خطة العمل عليها، والفئات المستهدفة من الحملة، وأيضا تحديد الجهات المسؤولة التي علينا التوجه إليها في هذه الحملة. وبالنسبة للقضايا التي اتفقنا حولها، وسننكب على الاشتغال عليها، نعتبر أن أهم قضية هي حماية حق المرأة في الملكية ووضع إطار لحماية حقها في الإرث، وتتجلى الأولوية الثانية في تطبيق مبدأ المساواة وعدم التمييز في العمل، ومادامت بعض الدول تعتمد هذه المبادئ، فإننا سنعمل على رصد البلدان التي لا تحتكم إلى هذه المبادئ من أجل الدعوة إلى إدماجها، لما لذلك من إسهام في خلق إطار لتطبيق القوانين، لأن مسألة تطبيق القوانين تعد من أهم الإشكاليات التي تعيشها العديد من المنطقة العربية، إذ أن القوانين تكون جذابة ومنطبقة مع الاتفاقيات الدولية، إلا أنه لا يجري إحداث إطار لتطبيق هذه القوانين فتظل فارغة من المحتوى. اشتغلنا أيضا على الحق في العمل بالليل، لأننا نعتبر ذلك قضية مشتركة بين العديد من البلدان العربية، فالمرأة يحدد حقها في العمل بتحديد حقها في العمل بالليل، مع أن هذه الدول صادقت على اتفاقيات المنظمة الدولية للعمل، والأساسي هو أن المدة المحددة للعمل الليلي في القوانين الوطنية هي 11 ساعة، ونحن نعلم أن مدة العمل الليلي في بعض السياقات المهنية، قد تصل إلى 12 ساعة، والعمل الليلي لا يمنع على المرأة، فهي تمارسه في المستشفيات، لأنه مجال يرتبط فيه عملها بدورها التقليدي، لكنها تمنع من العمل الليلي في مجالات أخرى، وفي بعض البلدان هناك عشوائية في التعامل مع قضية عمل المرأة الليلي، إذ يمنح لجهة معينة سلطة تحديد العمل الشاق بالنسبة للمرأة والعمل غير الأخلاقي، وهذا بطبيعة الحال يحد من حقها في العمل. ومن الأولويات التي خلصت إليها أشغال الندوة الإقليمية كذلك مسألة تكافؤ الفرص في العمل والأجور بين الرجل والمرأة، وسن قوانين تحمي حقوق النساء. وعندما سنطلق الحملة الوطنية والإقليمية، سنحدد من منظور الإدارة المركزة على النتائج، مؤشرات التغيير الذي نطمح إليه، وسنقترح في حملتنا، الحلول التي ينبغي أن تكون واقعية، وتراعي الظرفية السياسية والسياق، وألا تكون لها انعكاسات، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي.