يعرفها الجميع دون استثناء من خلال أعمالها الفنية التي نالت استحسان الجمهور، تابعها المغاربة من خلال عملها الأخير "حديدان"، هي مخرجة أمازيغية ارتبطت بالتراث وأصبحت من عشاقه، إيمانا منها بأنه عندما يتشبع الإنسان بالتراث، لا يظل فقط مستهلكا له. وإنما يصبح مبدعا فيه هو الآخر. همها الكبير أن تضيف شيئا للدراما المغربية ولا تسعى كما تقول لإضافة اسمها إلى لائحة المخرجين. "المغربية" التقت بوبكدي فكان معها هذا الحوار. بداية، من هي فاطمة علي بوبكدي؟ هي قهوة خفيفة (تضحك)، أنا نشأت وسط أسرة فنية، وبالخصوص أخي الأكبر إبراهيم علي بوبكدي، الذي كان يمارس المسرح منذ سنوات الإعدادي، وأسس فرقة مسرحية. ولأن دور الشباب في تلك المرحلة كانت قليلة جدا، كان أعضاء الفرقة المسرحية يتخذون من منزلنا فضاء للتداريب وتجسيد بعض المشاهد. في هذه المرحلة كنت فقط أشاهد وأتابع ما يجري، إلى أن تفاجأت في إحدى المرات أنه سيمنحني دورا في إحدى المسرحيات باللغة العربية الفصحى. هل تتذكرين هذه المسرحية؟ طبعا أتذكرها جيدا، فهي بعنوان "دوامة الجحيم"، كما أنني لازلت أحفظ المسرحية كاملة عن ظهر قلب. بعد ذلك أعاد أخي إخراج هذه المسرحية، وأصبحت مقتصرة على شخصيتين فقط، بحيث أصبحت أجسدها في المدرسة أنا وشقيقتي فقط. فهذه المسرحية كانت هي انطلاقتي الفعلية في عالم الفن سنة 1977، وهنا بدأت أتعلق بالخشبة وأصبحت هي الفضاء الذي أحقق فيه ذاتي كطفلة، وكانت هي فضاء نضجي كذلك. متى وقع الانقلاب في مسارك من طفلة تجسد أدوارا الى مخرجة تسير الأدوار؟ اشتغلت في المسرح منذ الطفولة إلى سن 22 سنة تقريبا، لأنني في الجامعة اشتغلت على مسرحية فردية لي لمدة سنتين، وهذه المسرحية جسدت فيها جميع الأدوار (طفلة، امرأة، عجوز، رجل...)، رغم كل هذا لم أكن أعتقد أنني سأمارس الإخراج يوما ما. وفي إحدى المرات، كانت وزارة الشبيبة والرياضة نظمت دورة تكوينية بشراكة مع بعض المؤطرين الألمان، بحيث جرى المناداة علي للتكوين كممثلة، وكان هؤلاء يمنحونا حرية الارتجال، بعد ذلك يطلب منا المؤطر ملاحظاتنا حول ارتجال الآخرين، وكانت ملاحظاتي الشخصية تؤخذ بعين الاعتبار، بحيث أن هذا المؤطر كان يحس بأن ملاحظاتي كانت دقيقة جدا. في إحدى الليالي تفاجأت كذلك أن المؤطرين عقدوا اجتماعا مع مدير الدورة التكوينية، قصد تحويلي من ورشة تكوين الممثل إلى ورشة الإخراج. في نهاية الدورة جسدت مسرحية ميمية وأتذكر أن المسرحية كانت تلخص الكون بصفة عامة، بحيث جسدت مشاهد للانفجار الكبير الذي يقال إنه وقع في البداية مرورا بصراع قابيل وهابيل حول فتاة، وصولا إلى التطور الحالي مع صناعة (الروبو). المؤطرون قاموا بتوجيهي نحو الإخراج في نهاية الدورة، وبحكم أن هذا التخصص لم يكن يُدَرس بعد في المغرب، اقترحوا علي إتمام دراستي بإحدى الجامعات الألمانية في هذا التخصص، لكنني رفضت هذا الاقتراح، لأنني لم أكن أتصور يوما أنني سأسافر إلى بلد أجنبي، رغم أن دراستي الجامعية في المغرب كانت في الأدب الإنجليزي. في آخر سنواتي الجامعية كان شقيقي إبراهيم سيشتغل في سيناريو مسلسل "الدار الكبيرة" مع المخرجة فريدة بورقية واقترحني رفقة المنتج، كمساعدة مخرجة في هذا العمل، وهنا بدأت انطلاقتي في ميدان الإخراج. كنت أراهن على أن تكون أعمالي في مستوى تصاعدي، وهو ما حدث بالفعل، إذ استحسن الجمهور هذه الأعمال إلى جانب الصحافة التي كانت تنتقدها بشكل بناء وتسير في اتجاه تطوير العمل، كما كنت أحس أن مسؤولية على عاتقي من أجل النهوض بالدراما المغربية، فأنا لا أسعى إلى إضافة اسمي إلى لائحة المخرجين المغاربة، ولكنني أسعى إلى إضافة شيء إلى الدراما المغربية. بعد إثبات ذاتك في أعمال الفانتازيا التاريخية، اتجهت نحو المسلسلات التي تعتمد على التراث والهوية المغربية، كيف جاء ذلك؟ بعدما أصبحت مولعة بهذا النوع من الفن، الذي ينهل من التراث، لم أكن أرى أية صعوبة في الاتجاه نحوه. التراث عندما يتشبع به الإنسان لا يظل فقط مستهلكا له، وإنما يصبح مبدعا في التراث هو الآخر، لذلك أصبحت أبدع في أمثال لم أسمعها من قبل، ولم ترو لي وإنما أتصورها فقط من خلال الأماكن والفضاءات، التي أوجد بها، فأغلب الأمثال التي تابعها الجمهور في مسابقة "سولو حديدان"، غير مستهلكة، إذ قمنا بابتداعها فقط ك"سولو السبولة على حر المناجل وسولو المرا على سم الراجل"، أو "باقي فحفير الساس وطاحت من يدو عروة الفاس"، فهذه أمثال جديدة، إذن هذا الاشتغال على التراث أكسبني سلاسة في العمل، بل أصبحت ألتقي الناس في الشارع ويطلبون مني أن أسمع حكايات يريدون أن يبلغونها لي، إلى درجة أن شيخا كهلا طريح الفراش، طلب أن آتي إليه لكي يبلغني بعض الحكايات قبل أن يوافيه الأجل. تميلين أكثر إلى التلفزيون بعدما كان تكوينك في البداية مسرحي، لماذا لم تقتحمي عالم السينما وأين تجدين ذاتك؟ كنت وما أزال أجد ذاتي فوق خشبة المسرح، فالآن عندما أرى خشبة مسرح حقيقية يتملكني شعور وإحساس غريب. ولكن في التلفزيون أمارس المسرح من خلال أجساد أخرى. ومن خلال التلفزيون قمت كذلك بنسج علاقات بيني وبين جمهور عريض لا يستطيع الذهاب إلى القاعات السينمائية، بل منهم من فقد الثقة فيما يعرض فيها، فالنصوص التي أشتغل عليها هي نصوص بسيطة ولكنها غنية، بالإضافة إلى أنني أشتغل بحب لهذه المهنة وهذا التراث، لهذا فالتلفزيون أسهل وسيلة للوصول إلى أكبر عدد من الجمهور، ويأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لي، فالجمهور ألفني في التلفزيون، وإذا أردت أن يتبعني هذا الجمهور إلى السينما فيجب علي أن أقدم له عملا سينمائيا قويا جدا، كي لا أخذله. فأنا أتوفر على مشاريع سينمائية، ولكنها مؤجلة إلى أجل آخر، لأن التلفزيون أخد لي كامل الوقت، حتى أصبح الجمهور ينتظر الجديد وكأنني أسرد له حكاية وينتظر نهايتها. قمت أخيرا بإخراج فيلم "دموعك يا فريحة" وهو عمل يتطرق إلى معاناة المغاربة المحتجزين بتندوف، كيف جاءتك فكرة هذا العمل؟ هي فكرة لشقيقي إبراهيم، وكانت تتمحور حول كيفية انشقاق مجموعة من القبائل الصحراوية قبل 1975 فيما بينها، بعد أن تسلل إليهم مجموعة من قادة البوليساريو وأغروا عددا منهم. كما يصور الفيلم طريقة العودة إلى الوطن الأم. وعندما اطلعت على السيناريو لم أتوقف عند هذا الحد، بل وجدت أن أمرا مهما يجب التطرق إليه، وهو لب المأساة الحقيقة، ألا وهو الممارسات اللاإنسانية التي كانت تمارس على المحتجزين هناك، من خلال التعذيب والتنكيل والأعمال الشاقة، ناهيك عن قضاء زهرة العمر في تلك القفار، فهذا الفيلم ما هو إلا انطلاقة جديدة لمحاولة إثارة هذا الموضوع وهذه المعاناة والمأساة في أعمال أخرى. من المعروف عليك في "بلاطو" التصوير التعامل بحزم، كيف يتقبل الممثلون والتقنيون هذا الأمر؟ بصراحة، الطاقم الذي يشتغل معي يعجب دائما بالاشتغال معي، إذ نعمل في جو عائلي وحميمي، ويهمني جدا أن يحب المرء العمل الذي يقوم به، بعيدا عن أي أهداف مادية بالدرجة الأولى، وعندما أرى عكس ذلك، أغضب وأنفعل سريعا، كما أنه لا يعجبني العمل في الأجواء التي تكون مشحونة أو منغلقة، إذ رغم الحزم، لكنني أضحك كثيرا أثناء التصوير، كما أنني أقول بين الفينة والأخرى بعض النكت من أجل الترفيه، ولكن لا أريد أن تكون النكت فقط من أجل الضحك وتضييع الوقت "الضحك حدو ساعة والقمح حدو الكاعة". كيف ترين مسألة تتويج الأعمال الفنية بالجوائز؟ أبدا، ليست الجائزة هي معيار جودة العمل. فأحيانا تتوج أعمال رديئة ودون المستوى في مهرجانات كبيرة ومشهورة، فهذا الأمر أثر على مصداقية المهرجانات والجوائز على حد سواء. فأحيانا تتوج أعمال فقط من أجل تبادل المصالح والمجاملات فيما بينهم. كيف تقيمين الأعمال الفنية التي بتت خلال شهر رمضان الماضي؟ ما دام الجمهور غير راض على عدد كبير من الأعمال التي برمجت خلال شهر رمضان، فهي بالطبع دون المستوى، مهما كانت قيمة تلك الأعمال. وأنطلق من نظرة الجمهور، فهو الذي يملك الحق في قبول أو رفض أي عمل فني، فالتلفزيون ملك للجمهور ومن حقه أن يشاهد فيه ما يريد، أما المبدع إذا أراد أن يبدع شيئا خاصا به، فلينتج "فيديو" ويضعه في بيته. ما موقفك من المشاهد الجريئة في السينما أو التلفزيون؟ كل مخرج أو ممثل له رؤيته الخاصة لهذا الأمر، وكل واحد منهم أعماله تشبه مبادئه وتربيته. فأنا لا أنتقد المخرجين أو الممثلين الذين يظهرون في مشاهد جريئة، لأن هذا الفن له عشاقه كذلك ومحبوه، ولكن لا تعجبني هذه المشاهد ولا أرتاح لها، ولا أستطيع تصوير أعمال فيها هذه المشاهد. فأنا لا أستطيع تصوير عمل أحس أن التقنيين من حولي يخجلون منه، فما بالك بالجمهور. من جانب آخر، أرى أن هناك مجانية في توظيف المشاهد الجريئة في بعض الأعمال، فقد أحترم مخرجا وظف مشهدا لأن الموقف يتطلب ذلك، أو أنه أراد أن يعالج انحراف أو آفة في المجتمع وليس فقط من أجل التسويق. ما جديد المخرجة فاطمة علي بوبكدي؟ أجد نفسي عاجزة عن البدء في عمل فني أحبه كثيرا، ألا وهو سلسلة "سبعة رجال"، وهو عمل فني روحاني أتناول فيه الزوايا في المغرب، وهو يتحدث عن فترة زمنية قديمة جدا وحديثة كذلك، بالإضافة إلى بعض الظواهر الأخرى. ومن المنتظر أن يصور هذا العمل في البادية بين الأشجار والجبال، بالإضافة إلى بعض المشاهد في المدينة. هناك أيضا سلسلة كوميدية تراثية هي "زهر ومرشة"، بالإضافة إلى الجزء الثاني من سلسلة "حديدان"، الذي يطلبه الجمهور وطلبته كذلك القناة الثانية "دوزيم". إذن المشكل من سيكون الأول، أي هل سينتصر حديدان أم سبعة رجال؟، ولكن أرى أن "حديدان" هو من سينتصر بحيله دائما.