حج إلى جبل العلم بإقليم العرائش، وككل سنة، عشرات الآلاف من المريدين، الذين توافدوا من كل جهات المغرب وأقطار العالم، للاحتفال بالذكرى السنوية لشيخ المتصوفة، القطب مولاي عبد السلام بن مشيش، جد الشرفاء العلميين. الشرفاء العلميون أثناء قيامهم بالصلاة المشيشية رفقة ابناء عمومتهم الصحراويين والحاجب الملكي (خاص) وشكل هذا الملتقى الروحي والديني، الذي يتواصل طيلة الشهر الجاري، حسب نقيب الشرفاء العلميين، عبد الهادي بركة، فرصة للشرفاء العلميين المشيشيين، للتزاور وصلة الرحم مع أبناء عمومتهم في كافة أنحاء المعمور، في موسم تهفو إليه القلوب، وترتاح النفوس، وهي تردد تعاليم القطب الصوفي مؤسس الزاوية المشيشية. وأكد بركة أن الموسم يشهد كل سنة زيارة وفود من قبائل الصحراء المغربية، وكذا أنجال وأحفاد هذا القطب الصوفي، بمختلف دول العالم العربي، وعدد من المريدين من كافة بلدان العالم، ويحظى المحفل الديني برعاية مولوية، تتجسد في الهبة الملكية، التي يسلمها الحاجب الملكي، كل سنة، إلى الشرفاء العلميين. وقال عبد الهادي بركة، نقيب الشرفاء العلميين، إن الاحتفال بالذكرى، خلال الموسم الحالي، يتميز كل سنة باستقبال وفد يمثل شرفاء قبائل الصحراء المغربية، مثل (الركيبات والعروسيين وماء العينين...)، ممن تربطهم علاقة عمومة مع الشرفاء العلميين. وشدد في تصريح ل"المغربية" على أن "زيارة الوفد الصحراوي غنية بدلالاتها، ورسالة واضحة لخصوم الوحدة الترابية، فأزيد من 70 في المائة من أبناء الصحراء هم أحفاد هذا القطب الرباني، الذي ذاع صيته وتفرق نسله بالمغرب وبالخارج، وهو ما يؤكد وجود علاقات قوية بين شمال المغرب وجنوبه، تمتد إلى علاقات القرابة". وجاء الوفد الصحراوي حاملا الرسالة ذاتها، إذ قال الدكتور عبد الوهاب سيبويه، اختصاصي في علم مناهج التخطيط ومحافظ زاوية أهل عبد الباقي ببوجدور، إن"المغرب يعد بلد الزهد والتقوى، وزيارتنا للمشاركة في إحياء هذا الموسم الروحي، جاءت لتعزيز أواصر المحبة وصلة الرحم بين حفدة مولاي عبد السلام بن امشيش"، مشيرا إلى أن زيارة الوفد الصحراوي لجبل العلم، "أضحت سنة حسنة، توارثناها عن أجدادنا منذ قرون وسنعمل على نقلها لأبنائنا". وأوضح عبد الوهاب أن ثلثي سكان القبائل الصحراوية المغربية يتحدرون نسبا من القطب الروحي مولاي عبد السلام بن امشيش، كما أن هذه الزيارة ترسخ مفهوما واحدا وهو وحدة المملكة المتجلية في المذاهب الصوفية، التي تربط شمال المغرب بجنوبه، إذ أن مجمل علماء التربية والتصوف يوجدون في الجنوب، في حين نجد مشايخهم في الشمال، مبرزا أن الحدث الروحي والديني نظم بعد الاستحقاق الوطني، الذي عرفه المغرب، المتمثل في التصويت على الدستور الجديد، من أجل بناء مغرب موحد حداثي ديمقراطي عصري، في ظل حكم صاحب الجلالة الملك محمد السادس. من جهته، قال محافظ زاوية سيدي احمد الركيبي بالسمارة، إن زيارة الوفد الصحراوي، تدخل في إطار إحياء صلة الرحم بين أبناء القطب مولاي عبد السلام بن مشيش في كافة أنحاء المعمور، تجسيدا لوحدة الدم بين الشرفاء المشيشيين والعلميين والأدارسة والشرفاء الصحراويين، وتأكيدا للروابط التاريخية بين شمال المغرب وجنوبه، وتجديدا لرابطة الدم والعرق، وتبيانا وتذكارا بأن أبناء الصحراء مغاربة يتحدرون من هذا الولي، خصوصا أبناء سيدي احمد الركيبي، الذي يرجع نسبه إلى القطب الأكبر مولاي عبد السلام بن مشيش. وأضاف أن "هذه الزيارة المباركة تذكرنا بجذورنا وأصولنا الضاربة في عمق التاريخ، مشيرا إلى أن المغرب يولي اهتماما خاصا بأولياء الله الصالحين، بصفة خاصة، والفكر الصوفي بصفة عامة، والحث على الاقتداء بهم من أجل مغرب موحد. وفي السياق ذاته، أكد نبيل بركة أن أغلب الطرق الصوفية تفرعت عن القطب الأكبر مولاي عبد السلام بن مشيش، مشيرا إلى أن الموسم يستقبل سنويا جل مشايخ الزوايا المغربية، وأعدادا كبيرة من المريدين من كل أنحاء المعمور، ما يجعل جبل العلم قبلة لعشرات الآلاف من المريدين الباحثين عن الصفاء الروحي. وفي هذا الإطار، أكد بركة أن الشرفاء العلميين لا يدخرون جهدا في تجديد البنية التحتية للمنطقة، التي تتسم بالوعورة، ليسهلوا على الآلاف من الزوار الوصول إلى جبل العلم، مشددا على ضرورة التفكير جديا في تنمية المنطقة، وتمكينها من استقطاب مزيد من الاستثمارات التي ستعود بالنفع على الجميع، مؤكدا أن الزاوية المشيشية الشادلية يمكن أن تلعب دورا كبيرا في تنمية المنطقة، ونشر رسالة السلام، التي تنبذ كل أشكال العنف والتطرف. من جهة أخرى، التقت "المغربية" بأحد أبناء العرائش مقيم في الدارالبيضاء، ويتعلق الأمر بالكاتب والناقد المسرحي، عبد المولى الزياتي، الذي ترك مشاغله الفكرية ليختلي بدوره في هذا الموسم، وقال إنه " لا يخلف موعد الزيارة لضريح مولاي عبد السلام بن امشيش، والموسم الديني، الذي تحييه الزاوية المشيشية، يجعله يتخلص من كل التزاماته ليحضر هذا اللقاء الديني، موضحا أن "الزيارة تعد جسرا للتلاقي مع كتاب وشعراء المنطقة، وتعميق النقاش في كل المستجدات ومسالك الإبداع"، مضيفا أن "الملتقى الروحي يهذب النفس ويعيد الاطمئنان لذواتنا، التي تفقد الهدوء في زحمة الحياة"، مشيرا إلى أنه يقضي أيام الموسم وكله سعادة، لأنه يرى وجوها ألفها وألفته، كما أنه يجدد الوصل مع آل بركة.