كثيرة هي التكريمات التي خصصت للقاصة والمبدعة المغربية ربيعة ريحان، بمختلف المدن المغربية، ومن جمعيات، وأندية ثقافية، وأكاديميات القاصة ربيعة ريحان (خاص) لكن تكريمها يوم الجمعة 3 يونيو الجاري، بمدينتها الأثيرة، ومسقط رأسها آسفي، من طرف جمعية الشعلة للتربية والثقافة، وجمعية حلقة أدب بآسفي، له وقع خاص في نفسها، فهي المدينة، التي شهدت إرهاصاتها الأولى في الكتابة، وعتقت ذاكرتها بمخزون من الفضاءات، والأمكنة، والشخصيات، التي ما زالت حاضرة في نصوصها إلى الآن، رغم أنها تقيم بالعاصمة الرباط، وأقامت لفترة معينة في مدينة خريبكة. لآسفي سحر خاص على الكاتبة، التي أخلصت لجنس القصة القصيرة، وأعطت للمدينة بعدا جماليا وشعريا في كتاباتها، وخلقت بها ملتقى للكتابة النسائية، حين كانت عضوة بالمكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، وهو ملتقى تحج إليه المبدعات من العالم العربي، ومن مختلف المناطق بالمغرب، يحتفي بالإبداع النسائي في مختلف الأجناس، ويكرم الأصوات النسائية المتميزة. ملتقى واصلت تعاطفها معه، ومساندتها له، رغم أن المشرفين عليه في اتحاد كتاب المغرب، من بعدها، لم يذكروا ولو مرة اسمها، ولو بإشارة أو التفاتة، رغم أنها مؤسسة هذا الملتقى، الذي جندت كل طاقاتها من أجل جلب الدعم له. وعن هذا التكريم قالت القاصة ربيعة ريحان في تصريح ل "المغربية" إنه "التفاتة مشرفة بالنسبة لي، كما هو الحال بالنسبة للعمل الثقافي، وأعتبره ارتقاء بحالة مواجهة واستجابة بين الكاتب وآفاق مجهوداته ومشاريعه، كما أنه خطوة دافعة في مجال التفعيل والتنشيط من جهة، وفي مجال تقويم الأعمال الإبداعية للكاتب وتقديمها للجمهور. على أية حال نحن ككتاب ومبدعين نعتبر التكريم احتضانا للمبدع في مسيرته الإبداعية، ودفقا جديدا لتفعيل جهده ودعمه معنويا". وأضافت ريحان أنها كرمت في أكثر من جهة ومدينة، لكن تكريمها في مدينة آسفي من طرف جمعية الشعلة، وجمعية حلقة أدب، والفعاليات التي تقف خلفهما، سيكون استثناء، على اعتبار أن مدينة آسفي تشكل بالنسبة إليها الحنين، والاشتياق، وتنطوي جوانحها على تقدير خاص لها، عبرت عنه في كتاباتها، فكل حادثة ، كما قالت، "مفردة، وكل تفصيلة تناظر خبرة عشتها في آسفي وكتبت عنها، ليس كناقلة أو مجرد وسيطة، بل ككاتبة تنتسب لهذه المدينة، وتنفعل معها، وتمزج بين درجة عالية من العشق لهذه المدينة، ولكل تواصلها الشفوي، وخبراتها الشعبية الآسفية الخاصة". وعن الحضور القوي لمدينة آسفي في كتاباتها، أشارت ربيعة ريحان إلى أن كل ما كتبته في نصوصها عن آسفي، بحضورها الزماني والمكاني، وما أنتجته لحد الآن، هو بالنسبة إليها عمل تتعرف المدينة من خلاله على نفسها، وتعرف الآخرين عليها، موضحة "أعرف الآن أنها مدينة عارمة بالفوضى، ولها تطلعات كثيرة، لكنني لم أتوقف أبدا عن التفكير فيها بعقلي، وقلبي، ووجداني، لأستحضر من ذاكرتي الروح الكرنفالية لآسفي بشخصياتها الاستثنائية، بأزقتها، بشرفاتها، بإثنياتها. هذا ما يحضرني من آسفي، ربما لأنني عشت جزءا من حياتي خارج آسفي، فظلت هذه المدينة في ذاكرتي منارة مثيرة وآسرة وفاتنة، رغم كل الحيرة التي تخالطنا نحن جميعا، أبناء هذه المدينة، الذين لسبب من الأسباب، أخذتنا الحياة خارج سياقاتها، فظل سحرها، وإعجازها، وبهجتها، هو الوجه الأمثل لهذه المدينة، التي نتمنى بالفعل أن تعود كما كانت، مدينة رائعة ومعززة للحياة". أما الكاتب والناقد عبد الحميد عقار، الذي يشارك في هذا الحفل التكريمي إلى جانب الميلودي شغموم، وحسن المودن، وحسن رياض، وعبد الرحيم خصار، وعبد الحق ميفراني، ومنير الشرقي، فسبق وتحدث عن العوالم القصصية للكاتبة ربيعة ريحان، ووصف تجربتها بأنها "تجربة تحيى فيها القصة انتظامها الخاص، ويلمس فيها القارئ وعيا جماليا متأصلا يقظا. تجربة تميزها دقة الإصغاء والمشاهدة، والتقاط ما هو قصصي في اليومي، والشيء الذي له قدرة على خلق الدهشة لدى القارئ". وأشار عقار إلى أن جمالية القصة لدى ربيعة ريحان تتأسس على عدة عناصر أجملها في براعة الاستهلال والاختتام، وبناء تصور قصصي متوازن بين السرد والحوار، واللغة الباذخة في الأسلوب والظلال، وخلص إلى أن قصص ربيعة ريحان ذات منحى تصويري تعبيري، تركز فيها على العلاقات وليس الأوضاع، مما يجعلها قصصا تمكن المحللين من كيفية اشتغال الذهنية المغربية. للإشارة فربيعة ريحان صائغة ماهرة للعناوين والحبكات القصصية، فمنذ مجموعتها الأولى "ظلال وخلجان"، الصادرة في طلائع تسعينيات القرن الماضي، وهي تبهر بكتاباتها، وبعوالمها الحميمية، ولغتها الشفيفة والشاعرية، التي تحلق بها في ثنايا الحكي القصصي، لدرجة أنها لم تخيب نبوءة الكاتب السوري الكبير حنا مينة، الذي ذكر في تقديمه لمجموعتها الأولى "لقد ولدت مع هذه المجموعة قاصة رائعة في المغرب العربي كله، ومعها سيكون للقصة العربية القصيرة شأن آخر مع قصص المرأة في الوطن العربي بأسره... هذا ليس استشفافا، إنه اعتراف موضوعي". بعد مجموعتها الأولى "ظلال وخلجان" أصدرت قصصا أخرى هي: "مشارف التيه"، و"مطر المساء"، و"شرخ الكلام"، و"بعض من جنون"، و"أجنحة للحكي"، وصدرت لها، أخيرا، عن "دار بيت الياسمين" المصرية، مجموعة قصصية سابعة بعنوان "كلام ناقص".