تتعامل شريحة عريضة من المواطنين المغاربة بشكل لا يرقى إلى المستوى المطلوب، في طريقة اعتنائهم بنظافة وصحة أسنانهم، ما يعجل بتشويه جمال مظهرهم، ويحدث لديهم "كوارث" صحية، تمس أعضاء حيوية من أجسامهم. يأتي هذا الاستنتاج بناء على شهادة أطباء متخصصين في مجال صحة الفم والأسنان، تحدثت إليهم "المغربية"، واستنادا إلى أرقام ومعطيات رسمية مستخلصة من دراسة سابقة لوزارة الصحة. علما أن عددا من الأطباء وجراحي الفم والأسنان، يلحون على تحيين وتنقيح هذه المعطيات، موازاة مع ظهور أمراض جديدة للفم والأسنان في المغرب، ضمنها سرطان الفم، الذي ما زال مجهولا لدى العديد من المواطنين. يثير المستوى المتدني لنظافة أسنان وفم عدد مهم من المواطنين، قلق المهنيين العاملين في مجال علاج وجراحة الفم والأسنان، إذ يجدونها وضعية مزرية ومثيرة للقلق، علما أنها سلوكات تظل مستمرة في الزمن، وغير مرتبطة بمرحلة معينة من العمر. هناك إجماع وسط المهنيين في المجال، على أن العناية بأمراض الفم والأسنان ما زالت تحتل مرتبة متأخرة في المغرب، رغم أن ذلك يؤثر على عدد من أعضاء الجسم، ويصيبها بأمراض خطيرة، يمكن تفادي كلفة علاجها عن طريق الوقاية. ومثال ذلك ما يقع لدى 3 ملايين من مرضى السكري، الذين لا يراقبون صحة فمهم وأسنانهم، ما يعجل بإصابتهم بمضاعفات المرض، ويرفع لديهم احتمالات الإصابة بأمراض الكلي، والعينين، والقلب. هذا الواقع يمس كبار السن كما الصغار، حسب تأكيدات محمد جرار، رئيس الجمعية المغربية لوقاية الفم والأسنان، ل"المغربية"، بل بات هذا الواقع ينتشر حتى في البوادي كما في المناطق الحضرية، بخلاف ما كان عليه الأمر، خلال السنوات الأولى للتسعينات، إذ كانت البوادي أقل حدة من المدينة، بسبب اقتصار المواطن البدوي على تناول المواد الطبيعية، والخالية من المواد المصنعة، والمتضمنة لكميات كبيرة من السكريات. حاليا، تغير الأمر بعد أن أضحت وضعية صحة ونظافة فم وأسنان سكان البادية مزرية، بوصف محمد جرار، باعتباره اختصاصيا في المجال، وذلك رغم توالي الحملات والقوافل التحسيسية، التي تحط في عدد من المناطق الجغرافية من المغرب. وضعية تثير القلق أكثر ما يثير قلق المهنيين إزاء هذه الوضعية، إهمال عدد مهم من المواطنين لصحة أسنانهم وتخلفهم عن تطبيق النصائح المقدمة إليهم حول كيفية الاعتناء بنظافة أسنانهم وأسلوب حماية أفواههم من الأمراض الخطيرة، التي قد تصيبهم على المدى المتوسط والبعيد، علما أن تكلفة علاج التبعات الصحية لهذه الأمراض باهظة، وتحمل الدولة ومؤسسات التأمين وزر تعويض المصروفات على العلاج والجراحة والاستشفاء. ويعول الأطباء الاختصاصيون على تربية الطفل على التعامل الأفضل مع صحة فمه تمهيدا لبناء مجتمع يعتني أكثر بالأسنان، إلا أنهم مستاؤون، حاليا، من عدم توفر الطفل على المحيط الملائم، الذي يساعده على هذا النوع من التربية، لغياب آباء وأمهات يعطون العبرة والقدوة لصغارهم، عبر تحبيب لحظة نظافة الأسنان إليهم، لتتحول في ما بعد إلى سلوك يومي لا استغناء عنه. في ظل هذا الوضع، يوجه الأطباء أصبع الاتهام، أيضا، إلى تغير نمط العيش والغذاء لدى المواطنين، بعد أن أضحى مرتكزا على السكريات والحلوى والبسكويت والمثلجات، وغيرها، دون وعي بضرورة أن يلي ذلك التنظيف بواسطة فرشاة وكمية من معجون الأسنان. إن التخوف من المواد المذكورة، حسب شروحات محمد جرار، مرده لسهولة التصاقها باللثة والأسنان، ما يسهل نشاط الميكروبات ويمنحها مناخا ملائما للتكاثر والاستقواء، ما يؤدي إلى تخريب الأسنان في غفلة من المعني بالأمر. ولتوضيح الأمر، فإن نشأة تسوس الأسنان تأتي نتيجة تراكم بقايا الطعام والسكريات والتصاقها بالفم والأسنان، وبين اللثة، حيث تتكون الميكروبات وتتكاثر، فتنفث مادة الأسيد المتسببة في إصابة الأسنان بالثقوب. ما يوازي 60 غرام من المعجون 82 في المائة من المغاربة لا يتوفرون على فرشاة أسنان،أي أنهم لا ينظفون أسنانهم، استنادا إلى تأكيدات محمد جرار، الاختصاصي في جراحة الفم والأسنان، بأن 18 في المائة من المغاربة، فقط، هم الذين يتوفرون على فرشاة أسنان، إلا أنه يجهل ما إذا كان استعمالها يجري بشكل دوري أم بشكل متقطع، بينما لا يتعدى استهلاك مادة معجون الأسنان 60 غراما في السنة لكل شخص، بناء على إحصاء كم فرشاة أسنان اقتنيت، ومعاجين الأسنان المستهلكة في المغرب. المفروض، حسب الاختصاصيين، الحرص على نظافة الفم والأسنان مباشرة بعد كل وجبة أكل، أو على الأقل الالتزام بتنظيف الأسنان مرتين في اليوم، دون التراخي أو إهمال تنظيفها قبل النوم، على اعتبار أن هذه الفترة يكثر فيها نشاط الميكروبات بسبب سكون حركة الفم واللسان ونقص مادة جريان اللعاب فيه، بالشكل المعتاد خلال النهار، إذ يلعب دور المنظف الطبيعي للفم، من جهة، والمزعج لحركة الميكروب من جهة ثانية. والأكثر فداحة، بوصف محمد جرار، هو أن شريحة عريضة من الأسر لا تتوفر سوى على فرشاة واحدة، يتناوب أفرادها على استعمالها في غفلة عن مخاطر ذلك الصحية، الكثيرة، أو يستعملون فرشاة أسنان لا تتناسب ونوعية اللثة، أو يهملون موضوع تجديدها بعد فترة من انقضاء صلاحية استعمالها، فتتحول إلى مصدر ضرر للثة. أمراض الفم خطيرة تأتي أمراض اللثة، من النوع الذي يصيب حامل السن، في المرتبة الأولى، ضمن لائحة أمراض الفم والأسنان المنتشرة في المغرب، في الوقت الذي أضحى فيه هذا النوع من الأمراض قليل الانتشار في دول العالم، بتأكيد من محمد جرار، باعتباره رئيس الجمعية المغربية لوقاية الفم والأسنان، بينما تتراوح نسبة انتشار أمراض اللثة بجميع أشكالها، ما بين 3 و20 في المائة في المغرب. والواقع أن أمراض اللثة تمس اليافعين والشباب، سيما المتراوحة أعمارهم ما بين 16 و30 سنة، أي ما بين 30 و35 في المائة من المواطنين، أكثرهم من سكان المناطق القروية. واستنادا إلى آخر الدراسات المتوفرة لدى وزارة الصحة حول هذا الموضوع، فإن عددا مهما من المغاربة يفقدون مبكرا أسنانهم، نتيجة إصابتهم بأمراض اللثة من النوع المؤثر على العظم الحامل للسن، ما يعجل باستعمالهم لطواقم الأسنان الاصطناعية، وجلهم من فئة الشباب. فقدان السن المبكر لدى شباب مغاربة، ناتج عن تخلخل أسنانهم بعد سيطرة محكمة للفطريات والميكروبات على لثاهم، لينتهي الأمر بفقدان السن القدرة على البقاء في مكانها فتسقط متهاوية بشكل تلقائي رغم خلوها من أي تسوس، فيتحول المصاب من شخص سليم شاب إلى مريض هرم قبل الأوان، تواجهه مشاكل أثناء التحدث وعند مضغ الطعام. أما المرض الثاني، الأكثر انتشارا في المغرب، فهو مرض تسوس الأسنان، الذي ينتشر بنسبة 72 في المائة، يلي أمراض نزيف الفم بنسبة 28.5 في المائة، في حين تنتشر الأمراض المرتبطة بانتشار الفطريات في الفم بنسبة 34.3 في المائة. والأكثر خطورة، حسب الاختصاصيين، ظهور بعض الأمراض السرطانية في الفم، مثل التي تمس اللسان أو الجدار اللحمي للفم أو اللثة أوعظم الفم. هذه الأمراض تظهر إما بسبب وراثي أو لأسباب لها صلة بعوامل خارجية، مثل إدمان المصاب على التدخين أو تعرضه للشمس بشكل مفرط أو ارتكابه لسلوكات خاطئة تطال الفم، مثل العض المتكرر للحم الفم أو تركيب سن اصطناعية بطريقة غير ملائمة، ما يتسبب في حدوث ندوب وفتحات أو تقرحات، تتعفن فيظهر السرطان. إهمال العناية بأمراض الفم والأسنان في المغرب، يؤثر على عدد من أعضاء الجسم الحيوية، في الوقت الذي يمكن فيه تفادي تكلفة علاجها عن طريق الوقاية، وبالتالي يصبح في إمكان الدولة توفير أموال باهظة تصرف على التداوي، كما ستوفر مؤسسات التأمين الخاصة والشبه عمومية ميزانيات مهمة لصرف التعويضات الصحية على العلاج والاستشفاء. أكثر الأمراض الناتجة عن إهمال صحة الفم، لها صلة بالدورة الدموية، إذ تنتقل الميكروبات عبر الدم العابر إلى السن واللثة، ليبلغ إلى باقي أعضاء الجسم الحيوية، أهمها القلب والكلي والكبد والعينان، إلى جانب التسبب في ترسب الكلس إلى المفاصل، ناهيك عن الضرر غير المباشر المتمثل في الإساءة إلى الكبد والمعدة نتيجة سوء الهضم الناتج عن سقوط الأسنان أو استعمال الأسنان الاصطناعية. فحسب محمد جرار، 3 ملايين من مرضى السكري في المغرب لا يراقبون صحة فمهم وأسنانهم، ما يجعلهم يتعرضون لمضاعفات المرض، ولعوامل الإصابة بأمراض الكلي، والعينين، والقلب. وما يزيد الإشكال حدة، حسب الاختصاصيين، أن المغاربة الذين يزورون طبيب الأسنان، لا يتعدى عددهم 12 في المائة، ما يشكل، بالنسبة إليهم، مشكلة سلوكية، تحتاج إلى تنظيم حملات مكثفة، للتحسيس بأهمية تنظيف والعناية بصحة الفم والأسنان، مستمرة على مدار السنة ودون انقطاع. هذا بالنسبة إلى البالغين، أما بالنسبة إلى التبعات الصحية لدى الطفل، الذي تهمل أسرته الاعتناء بتنظيف فمه، فليست أقل خطورة من التي تقع للبالغ، إذ أنها تؤثر على النمو الطبيعي لصغير السن، من قبيل تسوس أسنان الحليب، وما يليها من تبعات صحية ونفسية وجمالية. سلوكات غريبة تضر بالفم من السلوكات الخاطئة لتعامل المغاربة مع صحة أفواههم، تنظيف أسنانهم قبل الفطور، بينما يتجاهلون تنظيفها بعد الأكل، إلى جانب تعود بعضهم على تنظيف الفم داخل الحمام، علما أن لذلك آثارا سلبية على صحة اللثة، يليها تجاهل خطورة احتساء مشروب ساخن يليه آخرا أكثر برودة. كذلك من السلوكات الخاطئة في تعامل الأم مع رضيعها، الإطالة في منح الطفل الرضاعة أثناء النوم، وتذوق طعامه بالملعقة قبل تقديمه إليه، ما يعني نقل الجراثيم والميكروبات إليه. ومن آخر السلوكات الخاطئة، التوجه لصانعي الأسنان لتلقي علاجات على أسنان مريضة، فتقترح عليهم إزالة السن المزعجة، رغم وجود إمكانية لعلاجها، ما يعجل بوضع أطقم الأسنان الاصطناعية.