أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمس، صلاة الجمعة، بمسجد القاضي عياض بمدينة الدارالبيضاء. (ح م) وبين الخطيب، في مستهل خطبة الجمعة، أن من أهم الأمور، التي ينبغي التأكيد عليها والتناصح في موضوعها هي قضية تعلم أمور الدين الصحيح، لأن الدين علم ولا يجوز شرعا أن نأخذ ما يهم الحلال والحرام والواجب والمعروف والمنكر عن أي مصدر كان دون تحقق. وأوضح أنه يعتمد في التحقق على أمرين اثنين، أولهما صحة المصدر، وثانيهما عدالته، لما في مخالفة هذا التقيد من مخاطرة ومجازفة، لأن أهل العلم إذا كانوا خالين من الأغراض الدنيوية والأهواء الشيطانية، فهم وحدهم المؤتمنون على الدين، مصداقا للحديث النبوي الشريف: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". وأكد الخطيب أن هذا الحديث واضح الدلالة، إذ يبين أن الناس معرضون لأخطار ثلاثة أصناف من المتلاعبين بالدين، هم المتطرفون المنعوتون في الحديث بالغالين، والمبطلون الذين يظهرون في صفة الغيورين المدافعين عن الدين وهم مجرد منتحلين، أي مزورين لشخصيتهم، ثم الجاهلون الذين يفسرون القرآن والحديث بغير علم. ولكي ينجو المرء، يضيف الخطيب، من أخطار هذه الأصناف الثلاثة من المفسدين، عليه أن يتوجه إلى حملة العلم من العلماء الموصوفين في الحديث بالعدول، أي أصحاب الطريق الوسط الخائفين من المجازفة بالتأويل في الدين، والذين يشفقون من إلقاء الناس إلى التهلكة والفساد. وقال إن أصناف المفسدين الثلاثة يجدون في هذا العصر وسائل نشر تأويلاتهم الباطلة، ويغررون بمن لا يراعون أحكام أخذ العلم والاحتياط فيه، من بسطاء العقول وأغرار الانطوائيين، فيؤدي ذلك إلى مرض النفوس، وقد يؤدي إلى الفساد الكبير المفضي إلى إزهاق الأرواح، وإفساد الممتلكات بأنواع التصرفات الإرهابية، مع أن أمر الشرع واضح لا غموض فيه في بيان الفرق بين الإصلاح والفساد، فكل يوم يسمع عموم المومنين قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". وأبرز الخطيب أن كلمة البر والتقوى، هي كلمة جامعة لكل معاني الخير والصلاح والفلاح التي يجب على كل مسلم ومسلمة أن يحملها في قلبه ونفسه وأن يعيها في شعوره وفكره، في حين تدل كلمة الإثم والعدوان على العكس من ذلك، على معاني الشر والفساد وارتكاب الذنوب والمعاصي وإذاية النفس أو الغير بأي طريقة. وأشار إلى أن من الأسس الدينية والمقاصد الشرعية الحكيمة، التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف، حفظ النفوس والأعراض والممتلكات من أي إساءة لها أو إضرار بها، وصيانتها من أي إفساد عليها، لأنه لا يجوز شرعا وإنسانيا واجتماعيا لأي أحد المساس بها بغيا وعوانا وظلما وطغيانا، مؤكدا أن الإسلام حرم تحريما صريحا الاعتداء على النفس وإزهاق أرواحها ظلما وعدوانا والمساس بها غدرا ومكرا، واعتبر ارتكاب شيء من ذلك في حق أي إنسان من أعظم الجنايات وأكبر الذنوب والآثام، ورتب عليه القصاص في الدنيا، وشديد العقاب والعذاب في الحياة الأخرى. ودعا الخطيب إلى الحرص على أن ننعم في المغرب بنعمة الأمن والاطمئنان والاستقرار والازدهار، في ظل القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله. وأكد أن المغاربة عاشوا أسبوعا من الأسى بعد أن حل بهم الفعل الإجرامي الغادر، فإذا بهم يروا يد الغيب التي حفظت على الدوام بلادهم تتدخل، وآيات اللطف الرباني تتجلى، عندما أسفر التحري والبحث عن كشف أصل الداء، وجرثومة البلاء في الفكر الضال، الذي يزعم الصلاح وهو عين الفساد، فحق لهم ووجب عليهم أن يشكروا الله وأن يتيقنوا أنه سبحانه وتعالى لن يخذلهم ولن يخزي أمير المؤمنين أبدا، كما لم يخز جده الرسول الأكرم، الذي واجه المحن والفتن وخرج منها عزيزا منصورا. فأمير المؤمنين "هو مدار عزنا وأمننا واستقرارنا ويعمل حفظه الله للصلاح والخير ليل نهار ومعه وتحت إمرته وتوجيهه فتية من رجال الأمن، الذين لا تغمض لهم عين يستمدون حرارة شعورهم بالشفقة على أهل هذا البلد، من روح أمير المؤمنين وتوجيهاته وسهره". وشدد على أنه ما كان لمؤمن بالله وباليوم الآخر أن يرتكب جناية الاعتداء على نفسه أو على حياة غيره، بأي شكل من الأشكال، ولا يتوهم أن ذلك جهاد واستشهاد إسلامي، بل هو بعيد كل البعد عن الجهاد والاستشهاد الشرعي، الذي له ضوابطه وأحكامه المستمدة من الكتاب والسنة. وتضرع الخطيب إلى الله تعالى بأن يحفظ المغاربة من المحن، ويجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل بلدهم آمنا مطمئنا في ظل القيادة الرشيدة والريادة الحكيمة لجلالة الملك، رائد الإصلاح والازدهار والرخاء، والساهر الأمين على كل تنمية اجتماعية وثقافية واقتصادية. كما تضرع إليه جلت قدرته بأن ينصر أمير المؤمنين نصرا عزيزا يعز به الدين، ويعلي به راية الإسلام والمسلمين، ويسدد خطاه، ويحقق مسعاه، ويوفقه لما يحبه ويرضاه، وأن يحفظه في ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، وأن يشد عضده بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وسائر أسرته الشريفة. وابتهل إلى الله تعالى بأن يتغمد برحمته الواسعة جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، وأن يكرم مثواهما ويسكنهما فسيح جناته.