خلد الشعب المغربي، وفي طليعته رجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير، أمس الأحد، الذكرى 78 لمعركة بوغافر، التي خاض غمارها أبناء قبائل آيت عطا المجاهدة دفاعا عن حرية الوطن ومقدساته، والتي تعتبر محطة بارزة في تاريخ كفاح الشعب المغربي، بقيادة العرش العلوي المجيد في سبيل الحرية والاستقلال. وتعتبر هذه المعركة، التي خاضتها المقاومة المغربية دفاعا عن الحرية والكرامة والاستقلال، وحماية مقدسات الوطن ووحدته الترابية، من بين الصفحات المشرقة والخالدة في سجل تاريخ المغرب الحافل بالأمجاد والبطولات. وستبقى معركة بوغافر بمثابة معلمة وضاءة بارزة، تستلهم منها الأجيال الحاضرة والمقبلة، الدروس والعبر القمينة بمساعدتها على بناء المستقبل، ومواجهة رهانات التشييد والنماء، وترسيخ مبادئ المواطنة الإيجابية والصادقة، والإخلاص والتفاني، في نفوس الناشئة والشباب وأجيال الوطن الصاعدة، خدمة للوطن وذودا عن مقدساته الدينية والوطنية. في 13 فبراير 1933، حاولت القوات الاستعمارية الفرنسية التوغل في الجنوب الشرقي المغربي، والسيطرة على منطقة صاغرو، وإخضاع قبائل آيت عطا، التي شكلت سدا منيعا أمام توسعها، حيث شنت أول هجوم على المجاهدين، الذين لجأوا إلى جبل صاغرو باعتباره منطقة استراتيجية وعرة التضاريس، تساعدهم على المواجهة، معلنين بذلك عن رفضهم الخضوع للمحتل الأجنبي، الذي لم يفلح في النيل من وحدة المجاهدين وتفكيك صفوفهم المتراصة، بفضل إيمانهم القوي بعدالة قضيتهم، وتمسكهم المتين بقيمهم الوطنية ومبادئهم الدينية إذ تلقت قوات الاحتلال هزيمة نكراء. وأمام شراسة المقاومة واستماتة المجاهدين وشجاعتهم، التي استحال معها على القوات الاستعمارية اقتحام جبل بوغافر، لم تجد هذه القوات بدا من التراجع وإعادة ترتيب خططها ومحاولة تدارك إخفاقها في هذه المعركة، فاضطر الجنرال "هوري"، وهو القائد العام للقوات الفرنسية، إلى استدعاء الجنرالين "كاترو" و"جيرو"، وتولى بنفسه تدبير العمليات بقصف مواقع المجاهدين ومحاصرتها، مستعملا المدفعية والطيران، من 21 إلى 24 فبراير 1933، في محاولة فاشلة لإرغام المقاتلين وعائلاتهم على الاستسلام. وأمام هذه الروح القتالية العالية للمجاهدين، وما ترتب عنها من إصابات وخسائر فادحة في صفوف جنود الاحتلال، توالت الهجومات على معاقل المقاومين، واستمر القصف ليل نهار، واشتد الحصار بعد أن أغلقت كل الممرات، غير أن ذلك لم يزد المجاهدين إلا إصرارا وثباتا على المقاومة والكفاح، وازداد حماسهم بعد شيوع خبر مصرع الضابط الفرنسي "برونازيل"، وما واكب ذلك من ارتباك وتصدع في صفوف القيادة العسكرية الفرنسية، التي تأكدت من عجزها عن حسم الموقف عسكريا، فعمدت إلى حصار اقتصادي، بمراقبة المياه ونقط عبور المقاومين. وترتب عن فرض هذا الحصار كثرة الوفيات في صفوف الأطفال والشيوخ، ولم يكن لهذه الوضعية أن تثبط من عزيمة المجاهدين وتنال من صمودهم، إلى أن قرر المستعمر الدخول في حوار مع القبائل الثائرة في 24 مارس 1933، وإعلان الهدنة وبدء المفاوضات مع البطل عسو باسلام، زعيم المجاهدين، الرجل المتمرس والمجاهد المغوار، الذي قاد بحنكة دفة المعارك ضد الجيوش الجرارة للاستعمار. وأسفرت هذه المفاوضات عن قبول وضع السلاح من جانب المجاهدين وفق شروط، تضمن حرية قبائل آيت عطا وتصون كرامتهم وكرامة عائلاتهم.