نظم الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة القنيطرة، الأسبوع الماضي، بقاعة غرفة التجارة والصناعة والخدمات، ندوة لتسليط الضوء على نتائج المؤتمر التاسع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان..باعتباره مؤتمرا أثار جدلا واسعا في صفوف المناضلين، وفي محيط الجمعية، ما دفع الفرع المحلي بمدينة القنيطرة، كما أشار المسير، لتنظيم هذه الندوة، لتوضيح ظروف وملابسات ونتائج هذا المؤتمر. وحضر الندوة الحقوقية هيئات حزبية، ومنظمات شبيبية، ومركزيات نقابية عدة. محمد السكتاوي: الإنسان قبل السياسة أسس رئيس أمنستي – المغرب، محمد السكتاوي، عرضه المتمحور حول " قواعد الحياد والاستقلالية في الهيئات الحقوقية "، بتفكيك مفهومي الحياد والاستقلالية في الهيئات الناشطة في المجال الحقوقي، باعتبارهما شرطين أساسيين للفعل الحقوقي الموضوعي، الذي ينحاز ل "الإنسان قبل السياسة ". ثم انتقل لاقتراح وطرح آليات إجرائية عدة تساهم، حسب السكتاوي، في تحصين المنظمات الحقوقية من الانحراف عن مبدأ الحياد أو السقوط في تبعية حزبية أو سياسية تضرب في العمق استقلالية المنظمة الحقوقية. وتناول العرض بالتحليل، من الناحية المنهجية، شروط الحياد والاستقلالية، وآليات بلورتهما في صياغة وبناء المواقف الحقوقية. وفي تفكيك مفاهيمي للحياد والاستقلالية، قال رئيس فرع امنستي - المغرب إنه إذا كان الحياد، هو مقاربة القضايا المختلفة بروح الانفتاح، دون تحيز مسبق أو ذاتية أو خلفية معينة، بما يمكن من إصدار القرارات، فقط، على أرضية وقيم حقوق الإنسان الكونية، فإن الاستقلالية، هي أن تكون المنظمة قادرة على بلورة المواقف خارج أي وصاية أو تأثير خارجي لأي سلطة سياسية أو مالية أو عقائدية. وفي مجالات تطبيق قواعد الحياد والاستقلالية، حصر محمد السكتاوي مجالات تطبيق قواعد الحياد والاستقلالية في ثلاث مجالات، هي مجال تقصي الحقائق، المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان، ومجال الأبحاث واتخاذ القرار، ومجال تنظيم الحملات والأنشطة الإعلامية والنضالية. وتتفرع عن كل مجال عدة أنشطة تفصيلية، اقترح، من خلالها السكتاوي آليات إجرائية، لتأمين حياد واستقلالية المنظمات الحقوقية. وفي ختام مداخلته، أكد المحاضر ضرورة التزام الجمعيات الحقوقية بقاعدتين ذهبيتين، هما أولا، عدم تأييد أو معارضة الحكومات والأنظمة السياسية، ثانيا، عدم تأييد أو معارضة أراء الضحايا، كما شدد على أن النضال الحقوقي، يجب أن يركز على قضايا حقوق الإنسان، بعيدا عن أي إديولوجيات الحكومة أو معتقدات الضحايا، الإنسان قبل السياسة. محمد الصبار: الجمعية تعاني التباسات مرجعية وأزمة تنظيمية خانقة في بداية مداخلته، أكد محمد الصبار، القيادي السابق في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ضرورة الدفاع عن هذا الإطار الحقوقي من منطلق كفاحي، تعددي وديمقراطي. لكنه، أضاف أن الانتساب للجمعية لا يعفي مناضليها ومناضلاتها من مناقشة وتدارس الأزمة التنظيمية، والالتباس الفكري للجمعية، كمحصلة لممارسات هيمينة، وغير ديمقراطية. وأن المؤتمر التاسع للجمعية شكل لحظة إعلان عن هذه الأزمة المركبة، لكن الوجه الإيجابي لهذه الأزمة هو تحرير النقاش، ونزع القدسية عن هذا الإطار الحقوقي المناضل، وإشراك المجتمع في مناقشة قضاياه الداخلية، كما نبه إلى أن الانكباب على تدارس مشاكل الجمعية لا يروم تبخيس الفعل الحقوقي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وتركزت مداخلة محمد الصبار حول حيثيات ونتائج المؤتمرالتاسع، ومظاهر الأزمة المركبة، والحصيلة. المؤتمر التاسع نجاح شكلي وفشل المضمون الديمقراطي اعتبر محمد الصبار أن المؤتمر الأخير للجمعية عرف نجاحا شكليا، من حيث احترامه لبعض المقتضيات الشكلية، انعقاده في الزمن المحدد، واستيفاؤه لجدول الأعمال، وانتخاب اللجنة الإدارية، والمكتب المركزي، إلا أن المؤتمر أفرغ من مضمونه الديمقراطي، على خلفية عجزه / فشله في تدبير الاختلاف في عدة قضايا خلافية (العلمانية، والأزمة التنظيمية، والصحراء المغربية)، ومصادرة تقارير اللجان، وإحالتها، في سابقة الأولى في مؤتمرات الجمعية، إلى اللجنة الإدارية، التي لم يراع في انتخابها احترام نمط الاقتراع السري أو لجنة الترشيحات، ما يشكل خرقا قانونيا وتنظيميا، موضحا أن طريقة فرز "الأجهزة" المنبثقة عن المؤتمر، تحكم فيها هاجس الهيمنة العددية للتيار المهيمن، ما أدى إلى إقبار وتصفية التنوع الفكري والسياسي والعقائدي. الالتباسات الفكرية والمرجعية تتعدد مظاهر الضبابية والالتباس الفكري، والانحرافات التنظيمية للجمعية، على عهد القيادة الحالية، ويمكن الإشارة إلى مظاهرها، على سبيل الذكر لا سبيل الحصر، في قضايا العلمانية، والجماهيرية، والتباس الهوية، والأزمة التنظيمية، وتغليب الموقف السياسي على التعاطي الحقوقي، كأعطاب بنيوية ناجمة عن انحرفات مسترسلة للتيار المهيمن، في ما يلي تركيز لأهم أوجه وتجليات الأزمة، التي تتخبط فيها الجمعية، كما طرحها محمد الصبار. هل العلمانية مطلب حقوقي أم وصفة سياسية؟ إن العلمانية ليست مطلبا حقوقيا وإنما هي، حسب الأستاذ محمد الصبار، وصفة سياسية، على اعتبار انعدام أي نص أو صك أممي في الشرعة الدولية يتضمن مبدأ العلمانية . وهذه الأخيرة ليست "معيارا" قاطعا لتحديد الطبيعة الديمقراطية لنظام معين من عدمه، ففي تركيا، خلال المرحلة السابقة، وفي إسبانيا الفرنكاوية كان نظامهما يقوم على فصل الدين عن الدولة، لكنهما لم تكنا دولتين ديمقراطيتين، بل دولتين استبداديتين. إن المطالبة بالعلمانية، واستدماجها في المطالب الحقوقية للجمعية، يؤشر، إلى جانب التباسات مرجعية أخرى، على ضبابية في تحديد أولويات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على عهد القيادة الحالية، ويؤكد الالتباس الحاصل في القاموس الحقوقي (الإمبريالية، الدولة المخزنية،،، الخ) غير المنسجم مع المرجعيات الحقوقية، الذي يعانيه التيار المهيمن على قيادة الجمعية. الجمعية بين طموح الجماهيرية والسقوط في التجييش العددي ميز الناشط الحقوقي محمد الصبار بين "الجماهيرية" والتجييش في الفعل الاستقطابي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ اعتبر الأولى، الجماهيرية، تقاس بمدى تأثير المنظمة الحقوقية في محيطها في سياق نضالها، من أجل تنميط وعي الجمهور وتشريبه الثقافة الحقوقية. وأوضح الصبار أن الجمعية سقطت ضحية للتجييش الكمي، في غياب البنيات الاستقبالية وضعف التأطير والتكوين الحقوقي. بالمقابل، فالجمعيات الحقوقية هي قوة معنوية وليست قوة عددية. واعتبر أن هذا التجييش العددي الخاضع لولاءات قبلية، يوظفه التيار المهيمن على أجهزة الجمعية ل "حسم" القضايا الخلافية، في إطار ديمقراطية شكلية، تجهز على تنوع الحساسيات الفكرية، والمقارباتية، وتؤسس لسيادة رأي وموقف وحيد للاتجاه المهيمن عدديا في المؤتمر الأخير للجمعية. وفي مقابل هذا التجييش الكمي، فإن الجمعية عجزت عن استقطاب نخب وأطر جديدة تعزز الموارد البشرية لهذا الإطار الحقوقي المناضل. سؤال الهوية: هل الجمعية منظمة ثورية أم حركة إصلاحية؟ مهد محمد الصبار جوابه عن السؤال المطروح في شأن هوية الجمعية بالتأكيد أن دور المنظمات الحقوقية ليس هو الثورة على الأنظمة القائمة، وإنما ينحصر عملها في التمهيد لنضال الحركات الاجتماعية وتأطير الضحايا للدفاع عن حقوقهم وإشاعة الثقافة الحقوقية ... ما يجعل من المنظمات الحقوقية، وضمنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ضمن حركات إصلاح وتدرج تساهم في خلق فضاءات من الحرية ليتمتع الناس بحقوقهم. إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على عهد التيار المهيمن عدديا، يشرح القيادي السابق في الجمعية ذاتها، يراد لها أن تتحمل فوق طاقتها، وأن تقوم مقام الأحزاب والنقابات، كمظهر من مظاهر الانفلات في هوية، وأدوار الفعل الحقوقي. وخلص المحاضر، إلى أن مهام الجمعيات الحقوقية ليس هو تحطيم الاستغلال، بل تلطيف هذا الاستغلال، باعتبار أن التغيير هو من مهام الأحزاب والحركات السياسية. قواعد العمل الحقوقي: هل التزمت الجمعية موقف الحياد في قضية الصحراء؟ أسس محمد الصبار مقاربته لهذا المحور، بالتأكيد على خلاصات العرض الذي قدمه الأستاذ " السكتاوي " في شأن قواعد الحياد والاستقلالية في العمل الحقوقي، إذ تساءل هل الجمعية التزمت موقف الحياد في قضية الصحراء المغربية؟ وفي سياق إجابته عن السؤال المطروح، أكد المتدخل ضرورة اضطلاع الجمعية بمهامها في فضح كل مظاهر الانتهاكات مهما كان مصدرها في الصحراء المغربية. واستغرب للصمت المطبق للجمعية، على عهد القيادة المهيمنة عدديا، إزاء العديد من الخروقات والانتهاكات الجسيمة الممارسة في مخيمات تندوف، التي تتعرض للإدانة من طرف العديد من المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان. بالمقابل، نبه إلى السرعة في بلورة الجمعية لمواقف متسرعة، وذات خلفية سياسية، إزاء العديد من الأحداث في الأقاليم الجنوبية، ما يعني، بالنتيجة، انعدام حياد الجمعية في هذه القضية. انفجار الأزمة التنظيمية لحظة المؤتمر شكل المؤتمر التاسع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لحظة إعلان أو انفجار الأزمة الكامنة في الجمعية. وهي أزمة مركبة، اتخذت عدة مظاهر، استحضر منها محمد الصبار في دلالة عدد المتحفظين والمتحفظات، والمعارضين للتقارير الأدبية، والمالية، المعروضة على المؤتمر، والانسحاب من المؤتمر لمكونات وازنة داخل الجمعية، والتراشق الإعلامي والصراع في الواجهات الالكترونية بين مكونات وحساسيات الجمعية، والتفريط والإجهاز على الديمقراطية النسبية، وانتخاب جهاز مبتور، وتخصيص مقاعد شاغرة للمنسحبين والمنسحبات، وتعرض الجمعية لهجوم من طرف قوى معادية لحقوق الإنسان الخ. وأكد محمد الصبار، في معرض تسليطه الضوء على الأزمة الكامنة في الجمعية قبل المؤتمر، التي عدد منها، ضعف الحضور في الندوات الوطنية، وضعف الحضور في الجموع العامة للفروع، وضعف فاعلية العديد من الأعضاء ضمن 10 آلاف عضو وعضوة مبطقين، ومركزة مفرطة للقرار من طرف المكتب المركزي، باعتباره صانع للقرار ومنفذ له في الآن نفسه. وأشار المتدخل إلى سوء التدبير المالي، من خلال تضخم في فواتير الهاتف، والإصرار على إصدار جريدة "التضامن"، كنشرة غير مقروءة حتى من لدن أعضاء الجمعية، ما يستنزف ماليتها. حصيلة حركية وفقر التراكم الفكري أمام الالتباس الحاصل في إدراك هوية ودور الجمعيات الحقوقية، بلورة مواقف حقوقية محكومة بخلفيات سياسية مسبقة، فإن حصيلة الجمعية ضعيفة على المستوى التراكم الفكري، قياسا على الإنتاج الفكري لبعض المنظمات الحقوقية الوطنية، إذ يلاحظ، مثلا، غياب التقارير الموضوعاتية، الدراسات الحقوقية، والتقارير الموازية الخ). وحدد محمد الصبار طبيعة الحصيلة بكونها حصيلة "حركية " تغلب عليها الوقفات الاحتجاجية، والقوافل التضامنية. شهادات دون قيود حول المؤتمر التاسع هل نجح المؤتمر أم فشل؟ سؤال يكثف أهم التدخلات التي أعقبت العرضين اللذين تقدما بهما محمد السكتاوي ومحمد الصبار. فبالنسبة للعديد من التدخلات، اعتبرت أن المؤتمر التاسع كان ناجحا لعدة اعتبارات. من جانب آخر، نددت تدخلات أخرى بالهجوم الذي تتعرض له الجمعية من طرف قوى معادية لحقوق الإنسان، والتمست تأسيس لجنة للتضامن مع الجمعية. من جانب آخر، شددت العديد من المداخلات على فشل المؤتمر التاسع، بالنظر للانزلاقات التي تعرفها الجمعية وللالتباس الفكري والمرجعي. والانحراف في بناء مواقف حقوقية ذات أجندة سياسية في التعاطي مع قضية الصحراء والعلمانية. كما أثار المتدخلون لمظاهر الأزمة التنظيمية التي تنخر الجمعية، والتي تمظهرت في الإلحاقية الحزبية للجمعية، كممارسات غير ديمقراطية، وتصفية الاختلاف بالاستناد على أغلبية كمية.