"من الخيمة خارج مايل"، هذا المثل ينطبق بشكل كبير على مجلس مدينة الدارالبيضاء، إذ كان يعتقد أن التركيبة الحالية للمجلس ستصحح بعض الهفوات في التسيير، التي وقعت، خلال التجربة السابقة، لكن هاهي ثمانية أشهر تمر دون أن يظهر في الأفق أي تغيير في منهجية العمل، وظهر ذلك جليا خلال الأيام الأخيرة. العارفون بما يجري داخل دهاليز مجلس المدينة يؤكدون أن هناك صراعا بين أحزاب الأغلبية، خاصة بين حزبي العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة. فالحرب، التي بدأت بين الحزبين أثناء تشكيل المكتب المسير، ما تزال تبعاتها مستمرة لحد الساعة، إذ لم تستطع الأحزاب المشكلة للأغلبية الانصهار في وحدة متناسقة. وإذا كان بعض نواب الرئيس يحاولون دائما أن يظهروا للمراقبين أن كل شيء على ما يرام، فإن الأيام الأخيرة أظهرت أن هناك شيئا ليس على ما يرام في بيت العمدة، محمد ساجد، الذي وجد نفسه مضطرا إلى رفع سلاح تأجيل الدورة، لأول مرة في هذه التجربة، وربما اختار هذا الطريق، لأنه يدرك جيدا أن الأجواء متوترة، وأن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت لتهدئة الأعصاب، والاتفاق على كلمة سواء بين جميع الأطراف. فهو يعرف أن عقد الدورة في ظل "الحرب" بين التيارات المختلفة في المجلس لن يجر الدورة إلى بر الأمان. قرار تأجيل الدورة إن كان اتخذ بمبرر عدم اكتمال النصاب القانوني، فهو يخفي مسألة عدم التوافق على مجموعة من القضايا بين الأطراف المتحكمة في صنع قرار الشأن المحلي في المدينة، ما يتجلى في الرفض المطلق لبعض المنتخبين لمسألة إدخال التعديلات على النظام الداخلي، لأنه سيلجم أصواتهم، إضافة إلى تأكيدهم أن هناك من يريد أن يستحوذ على اتخاذ القرارات في المجلس، وهذا ضد أهداف الديمقراطية المحلية، التي تنبني على التشاركية في اتخاذ القرار. لكن دعونا من هذا الكلام، فأين مصلحة البيضاء من كل ما يجري في مجلس المدينة؟ وهل مشاكلنا تكمن في تعديلات نظام داخلي لن يتعدى مفعوله مقر ولاية البيضاء، حيث يعقد مجلس المدينة اجتماعاته. وماذا تستفيد الدارالبيضاء من حروب علنية وسرية بين عدد من أعضاء المجلس؟، لن نحتاج لنذكر أن مشاكل البيضاويين أكبر بكثير من هذه القضايا، وأن مصلحة البيضاء تكمن في نكران الذات وترجيح المصلحة العامة على الصراعات السياسوية الضيقة، التي لا تزيد إلا تأزيم الوضع، ولسنا في حاجة إلى التذكير بأن الاستعداد لمحطة 2015، تاريخ الانتخابات الجماعية المقبلة، بدأت منذ الإعلان عن نتائج اقتراع 2009. فليس بالتجاذب والصراع سنقنع المواطنين بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، وليس بالحروب الصغرى سنزيد من نسبة المشاركة، "الرجوع الله".