تحتل قضايا الطفل و الطفولة في المغرب ، أولوية هامة ضمن أجندة الاختيارات الإستراتيجية في الظرف الراهن ، ورغم تنوع وتعدد المقاربات العلمية لقضايا الطفل (السيكولوجية منها و السوسيولوجية) ، إلا أن المقاربة القانونية و الشرعية تظل مهمة في الوقت الراهن . و إسهاما في بلورة النقاش في هذا الموضوع وتعميقه ، ومحاولة فهمه و تفهمه و الكشف عن ممكنات التساؤل فيه ، و سعيا وراء تحسيس و تنوير الرأي العام الوطني و الدولي بالجوانب القانونية و الشرعية لحماية الطفولة في المغرب نستضيف الدكتورة وداد العيدوني. نبذة موجزة جدا عن السيرة الذاتية للدكتورة وداد العيدوني الدكتورة وداد العيدوني نمودج للمرأة المثقفة الفاعلة استطاعت وضع مكان مرموق لها في المجال القانوني و التربوي والديني ، أول أمرأة من شمال المغرب تلقي بحضرة جلالة الملك نصره الله درسا من الدروس الحسنية استطاعت الحصول على لقب سفيرة أمل لسنة 2012. وهي أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة ، حاصلة على العديد من الشواهد الجامعية والتقديرية من عدد من الجامعات والمراكز البحثية الوطنية و الدولية ، خبيرة لدى مؤسسات وطنية وعربية ، شاركت في العديد من الملتقيات العلمية الوطنية والدولية و العربية إلى جانب حضورها الدائم والمتواصل في لقاءات وندوات تهم الأسرة و المرأة . وهي منسقة ماستر المهن القانونية و القضائية ومديرة مختبر الدراسات القانونية و التنمية المستدامة في الفضاء الأورومتوسطي بكلية الحقوق بطنجة ، و عضوة مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ، وعضوة المجلس العلمي بطنجة أصيلة ، ورئيسة المركز الأكاديمي للدراسات الأسرية بطنجة ، وعضو في المجمع العربي للملكية الفكرية بعمان – الأردن – وعضو المنتدى العربي للطفولة بالقاهرة . شاركت في مجموعة من الملتقيات العلمية الوطنية و الدولية ، لها مؤلفات في المجال القانوني و الشرعي ، بالإضافة إلى مقالات علمية في مجلات وطنية ودولية . 1/ في البداية ماذا نقصد بحقوق الطفل ؟ يشكل الاهتمام بالطفل أهمية قصوى باعتبار أن الطفولة هي نواة المستقبل كما يقول المثل الروماني، فأطفال اليوم هم رجال الغد، وضياع الكبار يؤدي إلى ضياع جيل واحد بأكمله ، أما ضياع الصغار فيؤدي إلى ضياع أجيال عديدة. وحقوق الطفل مركب إضافي لا يدرك معناه إلا بإدراك كل أجزائه، حيث يتألف من كلمة حقوق ، وكلمة طفل ، وهو موضوع هذه الحقوق ، ويراد بها من حيث الاصطلاح ” الحقوق التي يتمتع بها الطفل بسبب وضعيته الخاصة ” وبعبارة أخرى : ” مجموعة الاحتياجات و المطالب التي يلزم توافرها بالنسبة إلى عموم الأطفال دون أي تمييز بينهم في هذا الخصوص ، سواء لاعتبارات الجنس أو النوع أو اللون أو الأصل أو لأي اعتبار آخر “. و تشغل قضية الطفولة اليوم ، اهتمامات الفكر الدولي و الوطني أكثر من أي وقت مضى ، وذلك في ظل التصاعد الملحوظ للمطالبة بالنهوض بأوضاعها . 2/ العناية بالطفل في المواثيق الدولية بدأت بالظهور بعد أن مر الطفل بصنوف من الإهمال و التعذيب فبدأ الاعتراف الدولي بحقوقه منذ إعلان جنيف لعام 1924 ثم توالت بعده العديد من الاتفاقيات هل لك أن تقريبنا منها ؟، بالفعل ، فحقوق الطفل لم تكرس دفعة واحدة في المواثيق الدّولية ، بل جاءت بشكل تدريجي إلى أن شملت جميع الحقوق المادية و المعنوية ، وهو ما يمكن رصده في العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان بشكل عام و بحقوق الطفولة بشكل خاص ، حيث كرست هذه الأخيرة العديد من المبادئ الحقوقية لحماية الطفولة في جميع الاوضاع . و عموما فإن المواثيق الدولية التي تحدثت عن حقوق الطفل صنفان : – إما اتفاقيات دولية عامة مثل :الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 ، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يعتبر أول تقنين عالمي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية، وكذا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. – أو نصوص دولية خاصة بحقوق الطفل مثل: الإعلان عن اتحاد غوث الأطفال لحقوق الطفل 1923 ، و كذا إعلان جنيف لحقوق الطفل 1924 عن عصبة الأمم ، و إعلان الاتحاد الدولي لرعاية الأطفال الصادر عن الاتحاد الدولي لحماية الأطفال 1948، و إعلان الأممالمتحدة لحقوق الطفل 1959، والاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم 1960، و اتفاقية السن الدنيا للتشغيل أو الاستخدام 1973و الإعلان الخاص بحماية النساء والأطفال في حالة الطوارئ والنزاعات المسلحة 1974 ، و القواعد النموذجية الدنيا لإدارة قضاء الأحداث وسجون الأحداث 1985 ، و اتفاقية حقوق الطفل 1989، و الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته 1990 ، و اتفاقية الأممالمتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث: مبادئ الرياض 1990 ، و إعلان مكافحة الاستغلال القائم على الاتجار الجنسي للأطفال 1996، و الاتفاقية تامتعلقة بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها سنة 1999 ، و وثيقة عالم جدير بالأطفال 2002..الخ. 3/ ما هي المميزات و المظاهر العامة للاهتمام بحقوق الطفل في الشريعة الإسلامية ؟ أعتقد أنه لا يمكن مبدئيا أن نتصور فضل الشريعة الإسلامية من حيث حمايتها للطفل إلا إذا عرفنا وضعه في ظل القوانين القديمة التي سبقت أو عاصرت الشريعة الإسلامية عند نزولها ، و يأتي في مقدمة هاته التشريعات القانون الروماني الذي هو أساس القوانين الأوربية الحديثة ، إذ أن الطفل في هذا القانون لا يحظى بالحماية اللازمة التي تليق بوضعه كصغير ، فالقانون الروماني لا يميز بين الصغير و الكبير ، و في ذلك إجحاف كبير بحقوق الطفل. أما الشريعة الاسلامية فقد كرست منطقا خاصا و شاملا في التعامل و الاهتمام بالطفل ، فالحقوق تنشأ مع الطفل منذ بداية خلقه في رحم أمه ، وهي حقوق لا يجوز التنازل عنها ، فلا يجوز للطفل أن يتنازل عنها ، ولا يملك التنازل عنها أيضا من كانت له الولاية على الطفل ، كما |أنها حقوق ممنوحة للطفل دون أن يقابلها واجبات عليه . هذا التكريس الذي بدأ منذ ما يزيد عن 14 قرنا من الزمان ، نجده قد كفل للطفل حقه من جوانب شتى حيث وردت في القرآن الكريم حوالي 25 سورة قرآنية تضمنت تصريحا وتلميحا ما يقارب 66 حقا من حقوق الطفل ،وأول حق ذكر للطفل في القرآن هو لليتيم في سورة البقرة ،( وَإِذ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) وآخر حق كذلك هو لليتيم وذلك في سورة الماعون (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) وهذا ما يعكس الأهمية البالغة للعناية بهذا الصنف من الأطفال . كما اهتمت السنة المطهرة بالطفل وحظي في كنفها بكل عناية واهتمام ، و رسم لنا الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في ذلك ، حيث كان أرحم الناس بالأطفال ، وأكثرهم اهتماما بهم . 4/ من خلال تتبع حقوق الطفل في الشريعة و المواثيق الدولية هل هناك توافق بينهما ؟ بالطبع ، فبمجرد استقراء كل من مضامين كل من الاتفاقيات الدّولية و الشريعة الاسلامية بخصوص هذا الموضوع ، نجد أن جل الحقوق الأساسية التي أقرتها تلك المواثيق للطفل تتفق مع ما منحته الشريعة له من حقوق ، وذلك كحقه في الإسم منذ مولده ، وفي النفقة و في التعليم وفي التربية و التوجيه وفي العيش الكريم إلى غير ذلك من الحقوق التفصيلية التي نصت عليها تلك المواثيق ، والتي جاءت في معظمها موافقة لروح الشريعة الإسلامية وتتماشى في أهدافها مع تربية النشء وتوجيهه ، كما جاءت منسجمة مع فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لذلك كان من الإنصاف تزكيتها مادامت لا تتعارض مع أصل من الأصول الثابتة في الشريعة . ومن جهة أخرى فإنه رغم الاتفاق بين الشريعة و القانون من حيث تشابه الحقوق الممنوحة للطفل ، إلا أن هذا الاتفاق لا يؤخذ على إطلاقه ، إذ أن هناك بعض الفروق بينهما سواء في الحقوق الممنوحة للطفل قبل مولده أو بعده. فبالنسبة لحقوق الطفل قبل الولادة في الشريعة و الاتفاقيات الدولية يلاحظ أن الحقوق التي أقرتها المواثيق للطفل قد اقتصرت على رعاية الأم الحامل من الناحية الصحية وذلك في المادة 24 من اتفاقية حقوق الطفل ، وفي المقابل فإنها أغفلت حقوقا أساسية منحها الإسلام للطفل قبل ميلاده ، وهي ذات تأثير هام على مستقبله ، وأهم هذه الحقوق حصر العلاقة الشرعية بين الرجل و المرأة بالزواج الشرعي ، و الاعتراف بحق الملكية الخاصة للطفل منذ كونه جنينا .إذ بمجرد ثبوت الحمل عند المرأة يثبت حقه في الإرث وفي الوصية ، بالاضافة الى حق الطفل في النفقة عليه من خلال النفقة على أمه الحامل في جميع الظروف و الأحوال سواء كانت زوجة أو مطلقة . و من الحقوق كذلك حق الحياة الذي نصت عليه المادة 6 من اتفاقية حقوق الطفل :وهو من أعظم الحقوق التي أقرها الإسلام للطفل وهو جنين ، وبعد ولادته ، ولو نظرنا إلى ما ذكر بالمواثيق الدولية بخصوص هذا الشأن ، نجد أن هناك اتفاقا على حماية الطفل قبل الولادة وبعدها ، حيث الإقرار بضرورة وجود قوانين مناسبة تحمي الطفل في مرحلة ما قبل الولادة وبعدها . كذلك الحق في الإسم منذ مولده ، كما تنص على ذلك المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل ، وفي الحفاظ على الهوية كما تنص على ذلك المادة 8 من نفس الاتفاقية ، وكذا الحق في النفقة و في التعليم وفي التربية و التوجيه وفي العيش الكريم إلى غير ذلك من حقوق تفصيلية مشار إليها في المواد 26 و27و28 و29 نصت عليها تلك المواثيق جاءت في معظمها موافقة لروح الشريعة الإسلامية . ومن الحقوق المكفولة للطفل بعد الولادة في الشريعة و الاتفاقيات الدولية مثلا الحق في الرضاع حيث نجد أن المواثيق الدولية تعهدت بتزويد المجتمع بالنشرات و المقالات حول جدوى الرضاعة الطبيعية ومزاياها. أما في ما يتعلق بالنفقة على الأم المرضع خلال فترة الرضاعة فهذا ما لم تنص عليه الاتفاقيات الدولية . هذا بالإضافة إلى حقوق الطفل المادية و الاجتماعية كالحق في النفقة والحق في التعليم وقد جاءت المادتان (28)، (29) من مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل موافقة للتشريع الإسلامي في إرسائهما حق الطفل في التعليم. كما تعتبر الحقوق النفسية للطفل النموذج الأكمل في رعاية الطفل في الإسلام ومن أمثلة ذلك : ما روي من أحاديث في تقبيل الأولاد حتى أفرد علماء السنن والمصنفات الحديثية المصنفة على الأبواب أبواباً لهذا المعنى ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع : إنّ لي عشرةَ من الولدِ ما قبلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم قال :”من لا يَرحم لا يُرحم”. فهذا رسول الله صلى الله عليه و سلم نبيُّ الرحمة يجعل تقبيل الأولاد ورحمتهم سبباً لرحمة الله. 5/ على المستوى الوطني أين تتجلى المظاهر الحمائية للطفل ؟ لا يخفى عليكم أن المغرب بذل جهودا كبيرة منذ توقيعه على اتفاقية حقوق الطفل من أجل النهوض بأوضاع الطفولة وتكريس حقوقها ، و ذلك من خلال ملاءمة التشريعات الوطنية مع توصياتها وإنشاء مؤسسات خاصة بالأطفال مثل المرصد الوطني لحقوق الطفل باعتباره مؤسسة وطنية تهتم بمعالجة قضايا الطفولة وتكريس حقوقها في المجتمع بالإضافة إلى تتبع إعمال مقتضيات الاتفاقية الدولية بالإضافة إلى المجالس الجماعية للأطفال ، و برلمان الطفل و الذي يعد بحق منتدى للحوار و التشاور بين الأطفال . أما بخصوص المنظومة التشريعية المغربية فقد توزعت الحماية القانونية لحقوق الطفل بين تشريعات مختلفة ، وذلك حسب الطبيعة القانونية لكل منها وانتمائها إلى أحد فروع القانون ، فما له علاقة بشخص الطفل ونمائه ورضاعه وحضانته ومعاشه وعلاقته بأسرته من حقوق تكفلت بحمايته مدونة الأسرة ، وما تعلق بأموره المدنية ورد في قانون الالتزامات و العقود ، وما تعلق منها بحمايته جنائياً تكفلت به نصوص القانون الجنائي ، وما ارتبط بعمله اختصت به نصوص مدونة الشغل وهكذا ، على أن توزيع قواعد الحماية الحقوقية للطفل في العديد من التشريعات لا يعني وجود حواجز جامدة بينها، إذ الحاصل أن كل منها يكمل الآخر وتشترك جميعها في الغاية نفسها و هي حماية حقوق الطفل. وعموما فإن التشريعات القانونية التي اهتمت بالطفل هي : مدونة الأسرة : و ذلك من خلال المواد المتعلقة بأوضاع الأطفال، الأسوياء وغير الأسوياء، الأصحاء أو المعاقين ، حيث حرص المشرع على تلاءم نصوص القوانين الداخلية مع مقتضيات الاتفاقات الدولية ، فمثلا قضت المادة 54 من مدونة الأسرة على أن للأطفال على أبويهم الحقوق التالية : -حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد. العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة بالنسبة للاسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية. -النسب والحضانة والنفقة وإرضاع الأم لأولادها عند الاستطاعة. – اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال وذلك بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا. – التربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل، والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل. – التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع. -يتمتع الطفل المصاب بإعاقة، إضافة إلى الحقوق المذكورة أعلاه، بالحق في الرعاية الخاصة بحالته، ولاسيما التعليم والتأهيل المناسبان لإعاقته قصد تسهيل إدماجه في المجتمع. و بالإضافة إلى ذلك نجد تكريس حقوق حماية الطفل في مجموعة من النصوص الخاصة ، كقانون الحالة المدنية وقانون الجنسية ،ومدونة الشغل ، و التشريع الجنائي . ففي قانون الحالة المدنية :حرص المشرع المغربي على حماية حق الطفل في التسجيل في الحالة المدنية طبقا لمقتضيات المادة 16 من قانون الحالة المدنية ومنحه إسما يعرف به،ويعد رسم الولادة أول سند رسمي يعتمد عليه لمعرفة هوية الطفل .وألزم أقرباء المولود بضرورة التصريح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية داخل الأجل القانوني ، واعتبر عدم التصريح بالولادة داخل الأجل القانوني في الحالات المنصوص عليها في المادة 16 والتي يكون فيها التصريح واجبا جريمة معاقب عليها بنص القانون (الفصل 468 من القانون الجنائي : عقوبة حبسية من شهر إلى شهرين و بغرامة من 120إلى 200درهم . وفي قانون الجنسية : تقرر حق تمتع كل طفل بالجنسية منذ الولادة ويتم إسناد الجنسية عن طريق النسب أو عن طريق الرابطة الترابية بالنسبة للمولودين فوق التراب الوطني طبقا لمقتضيات الفصل 6 و7،كما أقر الجنسية للطفل المنحدر من أم مغربية وأب أجنبي طبقا لمقتضيات الفصل 6 من قانون الجنسية . أما في قانون كفالة الأطفال المهملين : فقد تم تحديد مجموعة من الحقوق مثل الالتزام بالرعاية و الحماية و النفقة كما يفعل الأب مع ولده دون أن يترتب عن ذلك أي حق في النسب أو الإرث . وفي مدونة الشغل : تم رفع السن الأدنى لعمل الأطفال في 15 سنة كاملة كما تقضي بذلك المادة 143 من مدونة الشغل حيث تم تحديد هذا السن انسجاما مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام لسنة 1973 و التي صادق عليها المغرب سنة 2000. كما يمنع تشغيل الأطفال في المهن الخطيرة كالمناجم طبقا لمقتضيات المواد 179 و180 و181من مدونة الشغل . هذا بالاضافة إلى قانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين الذي نشر بالجريدة الرسمية في غشت 2016 و الذي حدد السن الأدنى للتشغيل في 18 سنة مع فتح المجال للذين تتراوح أعمارهم مابين 16 و18 سنة خلال الفترة الانتقالية التي حددها المشرع في خمس سنوات من تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ ،مع التأكيد على الموافقة الكتابية المصادق عليها من أولياء أمورهم قصد توقيع عقد الشغل المتعلق بهم حسب ما نصت عليه المادة 6 القانون المشار إليه سابقا . هذا ، فضلا عن مجموعة من الحقوق التي خولها المشرع في القانون الجنائي للطفل أو الحدث الجانح ، بالإضافة إلى الخطة الوطنية “مغرب جدير بأطفاله ” و التي أطلقها المغرب وفاء لالتزاماتنا الدولية، وإسهاما في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. 6/ وعلى مستوى الحماية القضائية كيف ساهم القضاء المغربي في تكريس حماية الأطفال خاصة الأطفال المهملين ؟ أولى المشرع المغربي أهميّة خاصة بوضعية الأطفال المهملين ، إذ أن الامر يتعلق بأطفال صغار في وضعية صعبة ، متخلى عنهم و يفتقدون إلى فضاء أسري و عائلي يأويهم ، وهذا الوضع الهش هو ما جعل هذه الفئة من الاطفال يستحقون رعاية خاصة و حماية قانونية نوعية ، و لعل هذا المنطق هو الذي كان سائدا عند المشرع عندما سن قانون 15.01 المتعلق بالاطفال المهملين ، إذ نجد تجليات العناية بهذه الفئة من الأطفال في مختلف مواده سواءا عند مسطرة الاهمال ، أو عند إسناد الكفالة ، أو عند المواكبة و التتبع عند السفر بالطفل المهمل خارج أرض الوطن، و كذا عند انتهاء الكفالة . و كانت هذه النظرة أيضا حاضرة ، عند التطبيق العملي لهذا القانون عند قضاة محاكم الموضوع ، هذا بالإضافة إلى أن اجتهادات محكمة النقض- كمحكمة قانون- ذهبت في اتجاه تأسيس توجهات تصبو إلى كفالة حماية خاصة للأطفال المهملين . ومن أمثلة ذلك ، البحث الذي تجريه اللجنة الرباعية في المادة 16من قانون 15.01 و الذي يستهدف بيان ما إذا كان الشخص أو الجهة الراغبة في الكفالة متوفرا على الشروط المنصوص عليها في المادة 9 من القانون ، كشرط الاسلام و خلوه من الامراض و انعدام السوابق و التوفر على الموارد المالية لسد احتياجات المكفول ، حيث ذهبت محكمة النقض في قرارها عدد 427 الصادر بتاريخ 21.01.2012 في الملف الشرعي عدد 2012-1-2-159 إلى تأييد القرار القاضي بإسناد الكفالة استئنافيا بعد التحقق من التطبيق السليم للمادة 16، فقضت محكمة النقض برفض الطلب. و على سبيل المثال ، فإنه بالنسبة لضرورة توافر شرط الاسلام في الراغب في الكفالة المنصوص عليه في المادة 9 من القانون 15.01 قضت محكمة النقض في قرارها عدد 928 الصادر بتاريخ 2013-12-24 في الملف الشرعي عدد 2013-1-2-471 بنقض القرار الاستئنافي المطعون فيه بعلة أن المادة 9 من ظهير 2002 ليس فيها من بين الشروط التي نصت عليها لإسناد كفالة الاطفال ما علل به القرار المطعون فيه من ناحية اشتراط توافر العلم باللغة و بأحكام الدين في الراغب في الكفالة ، فالنص يشترط الإسلام فقط و الذي يرتب أثره بمجرد النطق بالشهادتين و هو الاتجاه الذي كرسته محكمة النقض في العديد من قراراتها. 7/ كلمة أخيرة في الأخير يجب التأكيد على أن قضية الطفولة قضيةٌ تنمويةٌ وحضارية في المقام الأول واختبار ومحك لنمو الوعيِ الحضاري للامة ، وهي شعار للتنميةِ المتكاملةِ و المتوازنةِ ، إذ يُفتَرَضُ أن يكون الوعي الحضاري وعيا موصولا ينطلق من الأسرة نفسها. ولما كانت صناعة المستقبل تتطلب قيام المجتمعات الإنسانية باختيار مضمونٍ ثقافيٍّ واجتماعيٍ وتربويٍ لمستقبلها، فإنه قد آن الأوان للمجتمع المغربي أن يختار لمستقبله مضموناً يتمحور حول إعداد أطفاله إعداداً سليماً خالياً من كل أشكال الإساءة إلى طفولتهم أو الاعتداء عليها، ليكونوا قادرين على صنع المستقبل المأمول لوطنهم المغرب. وهذا ما أكد عليه أمير المؤمنين نصره الله في رسالته السامية التي وجهها إلى المشاركين في الدورة العاشرة للمؤتمر الوطني لحقوق الطفل بقوله ” وبالرغم مما حققته بلادنا…