أكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي السابق، نزار بركة، الأربعاء بالعرائش، أن جائحة فيروس كورونا تعتبر مناسبة لوضع وترسيخ نموذج تنموي جديد مغاير للسياسات الماضية، التي بلغت مداها، لتحقيق إنعاش اقتصادي ذي وقع إيجابي على المواطنين. وأوضح السيد بركة، في ندوة بالكلية المتعددة التخصصات بالعرائش حول « أي إنعاش اقتصادي بعد جائحة كورونا؟ »، أن هناك عدة خيارات مطروحة للخروج من الأزمة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، مشددا على ضرورة القيام بخيار استراتيجي وفق تعاقد اجتماعي جديد لرسم مسيرة المغرب للخروج من الجائحة، تماشيا والتعليمات الملكية السامية لوضع نموذج تنموي جديد وإطلاق استراتيجية للإنعاش اقتصادي. وبعد أن وصف ب « الخطير » خيار اعتبار أن الأزمة « ظرفية » و « عابرة » تقتضي العمل على ضمان الصمود الاقتصادي والمواصلة على نفس النهج، دعا السيد بركة، الذي سبق وشغل منصب وزير الاقتصاد والمالية، إلى ضرورة القيام بخيار إنعاش اقتصادي يقوم على إقرار سياسات مغايرة لتسريع وتيرة النمو وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وتعزيز التماسك الاجتماعي وضمان استدامة الاقتصاد الوطني. في هذا السياق، شدد بأن أي نموذج للإنعاش يتعين أن يركز بشكل خاص على تقوية السيادة الوطنية (ضمان الأمن الطاقي والغذائي والمائي والسيادة الاقتصادية) وتشجيع إنتاج واستهلاك المنتج الوطني، وتقوية أدوار الدولة الراعية (ضمان النجاعة وتحسين الخدمات العمومية للمواطنين) ومراجعة نمط الحكامة (الانتقال من منطق رد الفعل إلى المقاربة الاستباقية والتنسيق جماعي) وتقليص الزمن بين اتخاذ القرار أو تشريع القانون وتنفيذه، وتقوية التماسك الاجتماعي وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وربح تحدي التحول الرقمي والأخضر. للخروج من الأزمة والانطلاق في الانعاش الاقتصادي، دعا إلى ضرورة الاشتغال على ستة محاور، تتمثل أولا في تعزيز دور الدولة وجعل المواطن محورا للسياسات العمومية، وثانيا البحث عن محركات جديدة للاقتصاد الوطني تكون ملائمة لمتطلبات اليوم (اقتصاد الصحة، الرقمنة، الإنتاج القريب، الطاقات المتجددة، خفض الكربون ...)، وثالثا إنعاش التشغيل والحفاظ على مناصب الشغل. وتابع السيد نزار بركة أن رابع المحاور يتمثل في الاشتغال على رفع الطلب وتحسين القدرة الشرائية، وخامسا ضمان تقوية التماسك والتضامن الاجتماعيين عبر تقليص الفوارق، وسادسا العمل على تسريع التحول الرقمي والإيكولوجي للاقتصاد الوطني. وبعد أن استعرض مجموعة من المؤشرات التي تعكس التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا التي جاءت لتعمق من الفوارق المجالية والاجتماعية الموجودة ورفعت من معدلات الفقر والبطالة، سواء بالمغرب أو بالعالم، أشار إلى أن تقريبا كل دول العالم، ومنها المغرب، اضطرت للجوء للاستدانة لتغطية العجز، مشددا على أنه يتعين مواصلة العمل لخفض حجم الديون بالنسبة للناتج الداخلي الخام وضمان التوازن بين الديون الداخلية والخارجية. من جانبه، أشار رئيس جامعة عبد المالك السعدي، بوشتى المومني، إلى أن هذه المحاضرة القيمة تطرقت إلى مجموعة من التصورات والتحليلات والتوجهات والاستراتيجيات الكبرى، التي انخرط فيها المغرب، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، للخروج من الأزمة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا. وذكر بأن الجائحة دفعت الجامعات المغربية، ومن بينها جامعة عبد المالك السعدي، إلى النهوض بدور البحث العلمي في مواكبة الإنعاش الاقتصادي، مذكرا بأن الجامعة أطلقت طلب عروض للبحث في مجال العلوم الانسانية، الاجتماعية والاقتصادية، لدراسة تأثيرات الجائحة على الاقتصاد والمجتمع. وجرى اللقاء، الذي يندرج ضمن سلسلة « مواعيد مع العلوم »، بحضور عدد من طلبة وأساتذة الكلية المتعددة التخصصات والفاعلين الاقتصاديين والأكاديميين والمنتخبين بإقليم العرائش.