" ورقة السويد أخر حرب دبلوماسية بالوكالة تستخدمها الجزائر" بمنطق التخويف وإحتكار الفكر وثقافة حقوق الإنسان، بدا موقف السويد تجاه قضية الصحراء المغربية غريبا بعض الشيء وينطوي على قدر من المبالغة في توظيف إعترافها بالجمهورية المزعومة، وبجر المغرب إلى خندق من المحاور والمفاوضات ستحمل لا محال إنعكاسات وتدابير طارئة على ملف الصحراء المغربية دوليا. بالملموس، هل إتخاذ حكومة السويد قرار الإعتراف بالبوليساريو كدولة سيطرح عدة عراقيل داخل الأممالمتحدة لتحريك ملف الصحراء المغربية؟. أوسيكون مأزق جديد في مسيرة البحث عن الحل النهائي للنزاع المفتعل وخاصة تزامنا مع الحملة المنظمة الحالية التي يشنها الإتحاد الإفريقي ضد الحكم الذاتي الذي تبناه المغرب؟. لنفق بعض الوقت عند لغة الديمقراطية والحقائق والأفكار والرأي الحر الذي تتبناه دولة السويد، ونُلقي الضوء على كيفية فهم السويديين لمصالحهم ومسؤولياتهم، تجاه العالم العربي وخاصة شمال إفريقا منه. " لم تصبح الديمقراطية حقيقية في السويد إلا بعد أن عاش السويديّون زمان سالف إتّسم بالظلم والقهر، أصبحوا اليوم ينعمون بحريّة إختيار قادتهم ويتمتّعون بحماية قانونيّة لكافة حقوقهم. لكن طريق السويديّين إلى الديمقراطيّة كان طويلاً. ففي يومنا هذا، تُعتبَر السويد من الدول الحديثة، المتقدّمة والديمقراطيّة التي تتميّز بأعلى المعايير العالميّة من ناحية مستوى الحياة والرفاهيّة. ومع ذلك، يكفيك أن تعود بالتاريخ قليلاً إلى الوراء لتجد نفسك أمام أمّة من الفلاحين الفقراء معدومي الحقوق والمحكومين من الأنظمة المستبدّة. إن التحوّل الذي أعطى للشعب السويدي السلطة والقدرة لم يَحدث بين ليلة وضُحاها بفعل ثورة ما، بل تدرَّج على مدى مئات السنين وتأثّر بعوامل إجتماعيّة وإقتصاديّة ودينية عديدة ومختلفة. فالنظام الحكومي السويدي سلطته كلها منبثقة من الشعب ودستورها يرتكز على أربعة قوانين أساسسية؛ أداة الحكومة؛ قانون التعاقب؛ حرية الصحافة؛ حرية التعبير. يوجد حاليا ثمانية أحزاب ممثلة في البرلمان" حزب المحافظين (Moderaterna )، والحزب الديمقراطي المسيحي (Kristdemokraterna)، وحزب الشعب الليبرالي (Folkpartiet Liberalerna)، وحزب الوسط (Centerpartiet)، وحزب الخضر (Miljöpartiet de Gröna)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (Socialdemokraterna)، وحزب ديمقراطيي السويد (Sverigedemokraterna) وحزب اليسار (Vänsterpartiet)". تعيش السويد خلال الخمس سنوات الاخيرة إنقسامات سياسية كبيرة، زادت حدتها منذ إنتخابات 2010 عندما استطاعت أحزاب اليمين المتطرف دخول البرلمان فيها. في عام 1995 إنضمت السويد الى الإتحاد الأوربي، فأصبح في السويد مستوى أخر للحكومة، المستوى الأوربي. فالسويد مشمولة بمنظومة القواعد السائدة في الإتحاد الأوربي بصفتها عضواً في مجلس الإتحاد الأوروبي. كل هذه المعطيات والمستندات تدفعنا نتساءل: ماذا بوسع السويد أن يفعل.؟؟ وكيف على الحكومة المغربية أن تتصرف؟؟ بإختصار شديد، لديهم نظام ملكي ولنا نفس النظام؛ لديهم حكومة منتخبة ولنا مثل الشيء؛ لديهم ديمقراطية ولنا نفس النهج؛ لديهم ثمانية أحزاب لدينا كذلك ثمانية رئيسية ممثلة؛ لديهم ثقافة الفيكا أي شرب القهوة ولدينا الشاي المغربي، لكن الذي نغفله أن للسويد مصالح كبيرة ومتشابكة مع العالم العربي، لكنه رغم ذلك يظل أقل اللاعبين الأوربيين تأثيرا في الساحة العربية وخاصة شمال إفريقيا منه. فالسويد يتعامل بواقعية مع الحالة السياسية في مصر، إنفتح على الحكومات السابقة ولم يقطع علاقاته مع المكون السيادي الحالي في القاهرة حيث لم يبخل في التعاون الصحي فيما يتعلق مثلا بصناعة الأدوية. وقد فعل الأمر مثله مع حكومة الجزائر، سفيرالسويد بتونس هو منجز السياسات الإستراتيجية بالمنطقة، الفراغ الدبلوماسي لازال سيد الموقف بين الرباط وستوكهولم. مسألة المصالح، كما تتبين، تتجاوز الحسابات السياسية. التنافس الدولي والإقليمي الشرس على ليبيا في المرحلة الراهنة يدفع بالسويد لامحالة إلى نيل حصته من الكعكة المغاربية. فبدعم من الجزائر وبتنسيق مع جبهة البوليساريو، وفي الوقت الذي يرغب فيه الحزب الإشتراكي الحاكم في جعل السويد حاضرا ومساهما في صنع القرارات الدولية والإقليمية فيما سمي بالنموذج السويدي، وهذا هو منطق البرلمان السويدي وإعلامه حاليا. تم، وبصورة مفجعة وبعين من العداوة والكراهية من الحكومة الجزائرية وبدون إعتبار حجم الخسائر المحتملة في المنطقة المغاربية مقابل مكسب وقوف السويد مع محور الجزائر تندوف، اللجوء إلى أسلوب الإقتحام الديبلوماسي الذي تعتمد حكومة الجزائر عليه في سياساتها الخارجية. هذا الأسلوب الذي يُخيم على الفكر السياسي الجنرلاتي في الجزائر والذي تفتخر وتتغنى به في جميع المحافل من خلال بعض المفكرين وأساتذة جامعيين ومراكز للأبحاث الإستراتيجية والسياسية كأن وزارة خارجيتها سلطة مستقل كما هو حال السلطة القضائية بألمانيا أو سويسرا. وهذا في رأيي أمر صحيح من جانب أخر، فالخارجية الجزائرية هي ثكنة عسكرية مستقلة عن باقي المؤسسات الأخرى في الوطن الشقيق والبلد المجاهد، بلد المليون والنصف شهيد. فالملاحظ، أن تداعيات وتتصريحات الحكومة الجزائرية على هامش الدورة 70 للامم المتحدة وعلى لسان وزيرها في الخارجية ضد الصحراء المغربية، جاءت خصيصا لتحث المجتمع الدولي من جديد على وجود مستعمرة إفريقية، ولتضع علامات إستفهام كثيرة وراء إستمرار الحرب الإعلامية والدبلوماسية التي تشنها حكومة الجزائرضد المغرب. ولايمكن أن يكون هذا التصعيد من طرف واحد ، بقدر أن تكون هناك أطراف دخيلة مشاركة فيما تتطلع إليه إستراتيجية الجزائر بالمنطقة ككل، حيث إستغل وجوده السيد الوزير رمطان العمامرة، بنيويورك، لممارسة مزيد من المناورات، وخاصة بعد لقائه بوزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم، عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هذا الاخير الذي يتبنى النمودج السويدي الذي ذكرته من قبل ، والذي يخيم على الفكر السياسي الإشتراكي في السويد، حيث ترغب السويد في ترجمته أبعد عبر الحضور في مجلس الأمن، فهي تطمح تولي مقعدا دائما في مجلس الأمن لتمثيل صوت السلام وحق الأقليات وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وحسب مصادر إعلامية وسياسية سويدية تحتاج هذه الأخيرة تأييد ودعم من قبل الدول الأفريقية لهذا الغرض. فالذي يجري الأن هو أن الحكومة الجزائرية تريد من السويد قبول الإعتراف بالجمهورية المزعومة وبأدوار مختلفة من خلال خبرة السويديين الواسعة في نشر السلام وحماية حقوق الإنسان ونصرة القضايا العادلة مقابل دعمها داخل الإتحاد الإفريقي وهي دعوة كذلك لتمكين السويد من رعاية مصالحها وتسويق صناعتها وخطوط تجارتها بوساطة جزائرية في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء. في حين المجتمع الأوروبي الذي تنتمي إليه السويد حريص على التوازن والإعتدال في قضية الصحراء المغربية تماشيا مع الشرعية الدولية ومصالحه في شمال إفريقيا؛ هذا الإعتدال يدعم الحكم الذاتي الذي إقترحه المغرب كحل نهائي لأنه يتناسب مع منظومة القواعد الديمقراطية السائدة في الإتحاد الأوروبي ومطابق لما تطمح به قواه السياسية ومنظماته الحقوقية والمدنية . الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي مواقع عديدة، تريد المغرب في صفها، هو في معظم الأحيان إلى جانبها في قضايا مختلفة كمحاربة الإرهاب ونشر النمودج المغربي في الإصلاح والأدوار الإستراتيجية في القارة الإفريقية وحل النزاعات في مالي وليبيا والمسجد الأقصى والتطرف الديني حيث يتم إقرار النمودج المغربي المعتدل لقضايا الشأن الديني في الوقت الحاضر على مستوى أوسع في أوروبا وجنوب الصحراء في الوقت الذي كانت تُقر سابقاً بطريقة عشوائية. فحسب تصريحات السفير الأمريكي الأسبق إدوارد غابرييل " السويد تتحرك ضد مصالحها وعليها مراجعة موقفها"، مما يدل على أن لغة أمريكا جاءت هادئة إلا أنها حازمة، مايوحي بإحتمال تصاعد الموقف الأمريكي ضد الموقف السويدي في قضية الصحراء المغربية إلى ماهو أكثر من ذلك إن هي الحكومة بستوكهولم إستمرت في تصعيد الأزمة. فالتاريخ خير دليل على ذلك، حين رحل الجنود الإسبان من جزيرة ليلى شمال المملكة في جنح الظلام عام 2002 بعد التدخل الأمريكي المباشر والحازم ضد أطماع مدريد . زد عن ذلك أن الرباط وعلى لسان قائدها الأعلى للقوات المسلحة الملكية الملك محمد السادس صرح قائلا " الصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود. والمغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ". فالسقف واضحا لإنهاء النزاع المفتعل بالصحراء المغربية وعلى الحكومة السويدية إعادة النظر في مبالغة توظيف إعترافها بالكيان البولساريو، لإن الظروف الدولية والإقليمية تفرض على السويد ذلك. ولن تستطيع لا السويد ولاغيرها من فرض أساليبها على سيادة المغرب على مناطقه الصحراوية، وإنما من الأفضل أن تبقى في وسط الشرعية الدولية، لإنها خارج هذه المساحة لن تستطيع مواصلة الحرب الدبلوماسية الجزائرية بالوكالة الممنهجة من سياسة جنرلات الجزائر تجاه المغرب. فعلى السويد الإلتزام بقواعد الإتحاد الأوروبي الذي تنتمي إليه، هذا الأخير الذي نوه بالنمودج المغربي في الإصلاح الديمقراطي والجهود التي تبذلها المملكة في مجال حقوق الإنسان من خلال شهادات هيآت وشخصيات فاعلة ولها وزنها داخل المنظومة الدولية من مثل الأمين العام لجهاز العمل الخارجي الأوروبي آلان لوروي، ببروكسل مارس 2015، حيث أكد في تصريح له أن الإتحاد الأوروبي معجب جدا بحجم الإصلاحات الديمقراطية التي إنخرط فيها المغرب خلال الأعوام الأخيرة. على الحكومة المغربية، وفي رأيي المتواضع، لتحقيق تقدما ملموسا في حماية مصالح المغرب داخل الحكومات الأوربية وخاصة نصرت قضيتنا العادلة الصحراء المغربية بصفة رسمية أمام الرأي العام الأوروبي ومنظماته الحقوقية ومجتمعاته المدنية، يتوجب عليها التفكير في عمل منظم ومُؤطر لإعداد وتشكيل مجموعات الضغط من أبناء ونساء ونخب الجالية المغربية المقيمة في أوروبا، فإنه من المنطقي أن تتم صيانة المصالح وإعداد الآراء الإستشارية وضمان حقوق الوطن في بلدان التوتر أي إنطلاقا من المهجر، وليس من المغرب. فمثلا المجتمع المدني والحقوقي السويدي يغلب عليه الطابع النسوي، لهذا يتطلب من المرأة المغربية ومؤسساتهن التحرك في هذا الإتجاه، كما يتوجب على القادة السياسيين المغاربة أن يعوا الإنقسامات السياسية الكبيرة التي تعيشها دولة السويد خلال العقود الأخيرة وتدعم المعارضة السياسية السويدية داخل البرلمان وتعمل على ربط علاقات إقتصادية وثقافية من خلال إحداث جسرللتواصل وخلق رؤية مستقبلية واضحة ودقيقة لتحقيق مصلحة البلدين. كما يتوجب على الدولة المغربية اللعب على وتر مجلس التعاون لدول الخليج وأصدقائنا العرب فيه لإن السويد لها علاقات إقتصادية وتجارية كبيرة في المنطقة وتخشى فقدانها. فالمسار السلمي الذي ينعم به المغرب من الداخل لاينفي أن وطننا الحبيب يمر من منعطف حاسم ولايمكن لأي طرف الجزم أو التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه أموره من الخارج . لذا يبدو لنا أن الوقت قد حان لكي يتجه إهتمام الدولة المغربية بنخب الجالية لإحداث لجان الدعم داخل صفوفها، وذلك من أجل تلبية توقعات التحديات الدولية المنتظرة من جهة ولتسليط الضوء على الإمكانات التي توفرها الجالية للبلد من جهة أخرى، وبالتالي السماح لهذه النخب والطاقات الوطنية في الخارج كي تصبح بطاقة رابحة في كل رهان يتعلقبالمصالح السياسية والاقتصادية للدفاع عن بلدنا المغرب. فالمهمة وإن كانت صعبة، خصوصا مع وجود إكراهات وطنية وشبه دولية، فعلى صناع القرار بالبلد أن يدركوا أن الجالية المغربية هي مشروعا سياسيا كاملا وإستراتيجية واضحة لا يمكن الإستغناء عنها في دعم العلاقات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والثقافية بين المواطنينالمغاربة داخل الوطن وبين شعوب العالم، وأيضا هي من تعزز دورالمغرب السياسي أوروبيا وعالميا.
زبير علي الزبير باحث في شؤون الهجرة رئيس حركة الوسيط للجالية الناطق الرسمي ل" المؤسسة المحمدية لمغاربة أوروبا"