ينطلق موسم دراسي جديد بالمغرب محمل بتراكم الخطايا السياسية التي تخلفها وزارة تلو الأخرى، دون أن تنجح إحداهن بالتكفير عن أغلاط سابقاتها، و تستمر اللامبالاة المستورة بالخطابات المنمقة و المنافقة حول الإصلاح و الرغبة في الإصلاح و النيات الحسنة التي يكذبها الواقع و إجراءاته و تدابيره على المستوى العملي. مدارس دون بنيات تحتية و لا وسائل تعليمية ، لا تصلح معها طبعا أي نوع من أنواع البيداغوجيات، و لا يرممها أي ديداكتيك مهما كانت درجة إبداعيته، متعلمون يلجون من معاناة نحو أمل في مدرسة تخفف العناء و تزرع الأمل، لكن الصدمة تكون كارثية حينما لا تقوم المدرسة بغير تكريس المعاناة و التشاؤم، لن أسرف في وصف حالة التعليم بالمغرب فالأرقام التي لم تشخص الوضع كفاية تعكس بعضا من الصورة القاتمة لهذا القطاع، و الواقع أدهى و أمر، لكنني اليوم أريد أن أتطرق لحالة واقعية يعيشها قطاع مهم من الأساتذة في العالم القروي منذ عهد بعيد لتتسرب الحالة إلى العالم الحضري أيضا، هذه الحالة هي " الحضية" بدل التدريس. يعمل عدد كبير من مدرسي الابتدائي في جل القرى و بعض المدن في القسم المشترك أو القسم المتعدد المستويات، و طبعا لمن لا يعرف هذه الظاهرة الشاذة فالقسم المشترك هو قسم يضم مستويين دراسيين في نفس الوقت و نفس الحجرة و بأستاذ واحد، حيث يقوم هذا " السوبر" أستاذ بالعمل في نفس الآن مع القسمين معا دون تكوين خاص للتعامل مع مثل هذه الحالة و لا مقررات خاصة ، اللهم ما كان من اجتهاد شخصي منه إن كان من محبي الاجتهاد، و هذا نادر في بلادنا، و القسم المتعدد المستويات هو قسم يضم ثلاث مستويات إلى ستة مستويات في نفس الحجرة و في نفس الوقت و مع "سوبر" أستاذ أيضا، و الملاحظ هذه السنة أن عدد الأقسام المشتركة قد تزايد بشكل مذهل حسب ما يتداوله رواد المواقع الاجتماعية من الأستاذة أنفسهم و حسب ما يقولون فان هذا الازدياد سببه ضم الأقسام إلى بعضها لاستخلاص أساتذة يتم إخراجهم من مقر عملهم إلى مقرات أخرى لسد الخصاص الذي تشهده نيابات التعليم في العديد من مؤسساتها، و من باب الطريف المبكي أن الأساتذة الذين يرفضون هذه النوعية من الأقسام يقولون أن رفضهم يواجه بالإصرار من طرف المسؤولين الذين يقولون للأساتذة أنهم غير مسؤولين عن التدريس في هذه الحالات، بل يكفي مراقبة التلاميذ و بعبارة متداولة بين الأساتذة " غير حضوهم شكون گاليكم قروهم" و الأمر و إن كان على سبيل التنكيت الذي يدعي العديد من الأساتذة انه واقع و ليس نكتة ، إلا أن ضم المستويات بداعي العدد يعتبر فعلا تكريسا لرعاية التلاميذ و مراقبتهم دون تدريسهم و تربيتهم في ظل ما يفرضه الحيز الزماني و المكاني لهذه النوعية من الأقسام، و إذا كان العالم الحضري يشتكي من الإكتضاض بتواجد أكثر من 50 تلميذا في الفصل الواحد ، الإكتضاض الذي أصبح يتعدى التعليم العمومي إلى الخصوصي، فان العالم القروي و بعض العالم الحضري يشهد اكتضاضا قد يصل إلى أزيد من 50 تلميذا و ضما للمستويات قد يتعدى المستويين في نفس الفصل. أين هي إذا الإرادة السياسية في الإصلاح و أين هي الادعاءات التي يطلقها المسؤولون عن القطاع حول رغبتهم في الإصلاح؟ إن الإصلاح يحتاج إلى الإرادة السياسية أولا و أخيرا، وسط هذه الإرادة السياسية يحتاج القطاع إلى البنية التحتية و الفوقية و التكوين ثم البيداغوجيات الناجعة، و إلا فإن تدهور التعليم كفيل بتهديم البلاد عقولا و جدرانا.