ر (إن خسارة الولاياتالمتحدة ل"البوابة" المصرية إلى الشرق الأوسط سيكون "كارثة استراتيجية" لأنها سوف "تضعف كل استراتيجيتنا وشبكتنا الدفاعية في الشرق الأوسط" – دراسة أميركية بعد الثورة) بقلم نقولا ناصر* بعد تقارير الأخبار عن استعدادات غربية بقيادة أميركية لشن عدوان عسكري وشيك على سوريا، أكد وزير الخارجية المصري نبيل فهمي أن مصر "لن تشارك في توجيه أي ضربة عسكرية" لسوريا "وتعارضها بقوة" بينما راجت أنباء إعلامية غير مؤكدة أقرب إلى الشائعات تفيد بأن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي منع مرور السفن الحربية الأميركية من المرور في قناة السويس وأعلن التزام مصر باتفاقية الدفاع المشترك بينها وبين سوريا. وبالرغم مما تثيره مثل هذه الأنباء، المؤكد وغير المؤكد منها، من آمال مستقرة في الوجدان العربي الشعبي في أن تعود مصر فعلا إلى لعب دورها القيادي في الدفاع عن الأمة فإن "الجذور العميقة" للعلاقات الأميركية المصرية التي أرستها اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 تبقيها مجرد أمنيات يحتاج تحقيقها إلى ثورة جذرية تغير النظام ولا تقتصر على تغيير رؤوسه ورموزه. بعد ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني / يناير عام 2011، وفي المدى القصير "المباشر لمدة أربع أو خمس سنوات"، سوف يستمر "التعاون الأمني بين الولاياتالمتحدة وبين مصر بينما يخطط قادة مصر الجدد للالتزام بمعاهدة السلام" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي "بالرغم من السلام البارد" معها. كانت هذه هي خلاصة دراسة من سبعين صفحة تغطي عام 2011 كتبتها سوزان اس. فوجلسانج، وزارة الخارجية الأميركية، بعنوان "التعاون الأمني بين الولاياتالمتحدة وبين مصر بعد ثورة مصر في يناير 2011″ التي أقرت نشرها في نهاية العام ذاته مدرسة الدراسات العسكرية المتقدمة بكلية القيادة والأركان العامة لجيش الولاياتالمتحدة في فورت ليفنوورث بولاية كنساس، منوهة بان الآراء والاستنتاجات والتوصيات الواردة فيها لا تمثل وجهة نظر رسمية لها أو لغيرها من وزارات ووكالات الحكومة الأميركية. وتخلص الدراسة إلى ان "التعاون الأمني بين الولاياتالمتحدة وبين مصر سوف يصمد" بعد الثورة لأن "القيادة العسكرية المصرية لم تتغير" ولأن "القيادة السياسية المسيطرة" من المرشحين للرئاسة والأحزاب "يؤيدون المعاهدة" مع دولة الاحتلال. وتحاول الدراسة الإجابة على سؤال: "هل يمكن للتغييرات في القيادة الناتجة عن ثورة يناير 2011 في مصر أن تقتلع جذور ثلاثين سنة من التعاون الأمني بين الولاياتالمتحدة وبين مصر؟" تجيب الدراسة على سؤالها الأساسي بأن سياسات الطرفين يمكن أن تسبب تغييرا في التعاون الأمني بينهما لكن "على الهوامش" فقط، و"فقط إذا ألغت مصر اتفاقيات كامب ديفيد يمكن للثورة أن تتلف الجذور العميقة للتعاون الأمني بين البلدين"، و"فقط انتهاك معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وفقا لاتفاقيات كامب ديفيد يمكنه أن ينهي على نحو مفاجئ التعاون الأمني" المصري مع الولاياتالمتحدة. ف"حجر الزاوية للعلاقة هو المعاهدة المصرية الإسرائيلية المنبثقة من اتفاقيات كامب ديفيد". و"الجذور العميقة" ل"المصالح الاستراتيجية" التي نجمت عن التعاون الأمني هي جذور"عميقة إلى حد يستحيل قلعها ما لم يحدث تغيير درامي مثل أي رد مصري على أي هجوم إسرائيلي على غزة". وتحذر الدراسة من أن "أي محاولات" مثل عرض المعاهدة مع دولة الاحتلال على "استفتاء عام في مصر" يمكنه أن "يعرض للخطر حرمة المعاهدة، ويهدد التعاون الأمني" مع الولاياتالمتحدة. وهذا "التعاون الأمني" بين البلدين، حسب الدراسة، يضرب "جذوره في اتفاقيات كامب ديفيد ويدعم على حد سواء معاهدة السلام بين مصر وبين إسرائيل والمصالح الاستراتيجية الرئيسية الأخرى للولايات المتحدة ومصر. فالولاياتالمتحدة تكسب طريق وصول استراتيجية إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال التعاون الأمني، وتحمي القوات المسلحة المصرية قوتها الاقتصادية". كما توضح بان "الولاياتالمتحدة تود أن ترى مصر ناشطة في معارضة (حركة المقاومة الإسلامية) حماس، ويشمل ذلك حدودا مغلقة مع غزة". و"يبدو استمرار دعم إدارة (الرئيس باراك) أوباما لمصر" بعد الثورة "مؤشرا إلى استعداد لرؤية مصر تعدل دورها في المنطقة بإظهار قدر أكبر من الاستقلال عن الولاياتالمتحدة في السياسة الخارجية واصطفاف أكثر مع السياسة العربية. وربما يكون السبب أنه بينما يساعد التعاون الأمني في الحفاظ على السلام بين إسرائيل وبين مصر، فإنه سيكون لهذه الاستقلالية والاصطفاف العربي قيمة استراتيجية أوسع للقوات المسلحة الأميركية". وتستدرك الدراسة: لكن "حتى لو كان تحول مصر نحو جيرانها العرب تحولا حقيقيا … فإن لن يصبح تحولا راديكاليا بمائة وثمانين درجة. فهذا التحول لن يذهب ببساطة إلى حد إلغاء المعاهدة بين مصر وبين إسرائيل وتهديد التعاون الأمني" مع الولاياتالمتحدة. وتذكر الدراسة في هذا السياق بأن "نظام (الرئيس الأسبق حسني) مبارك تعامل مع الاعتماد على التعاون الأمني للولايات المتحدة بالتكرار المستمر لدعمه فلسطين بينما كان يدعم الولاياتالمتحدة الحليف الأفضل لإسرائيل". وتظل القوات المسلحة المصرية ضمانة أساسية لاستقرار مصر وأمنها كما تقول الدراسة، لكنها تظل أيضا ضمانة لاستمرار التعاون الأمني، وإذا كانت القوات المسلحة "تسيطر على دائرة الرئيس أو على الاقتصاد أو على كليهما" فإن ما بدا بعد الثورة "كتغيير رئيسي إنما كان في الواقع اضطرابا على السطح ترك البنية السياسية العميقة في مكانها". ومع أن الميزانية العسكرية المصرية "سرية"، تقدر الدراسة ميزانية القوات المسلحة المصرية بخمس مليارات دولار أميركي، و"المساهمة الأميركية فيها هامة، ربما ثلثها. وحسب بعض التقديرات، توفر الولاياتالمتحدة ثلاثين في المئة من إجمالي الميزانية العسكرية لمصر وثمانين في المئة من ميزانية مشتريات أسلحتها". إن خسارة الولاياتالمتحدة لما وصفته الدراسة ب"البوابة" المصرية إلى الشرق الأوسط سيكون "كارثة استراتيجية" لأنها سوف "تضعف كل استراتيجيتنا وشبكتنا الدفاعية في الشرق الأوسط." لكن "التعويل" على العلاقات المتينة على المستويات كافة بين القوات المسلحة للطرفين بعد الثورة وعلى استمرار هذه العلاقات أكده مسؤول "التعاون الأمني" في القيادة المركزية الأميركية. لقد ألغى أوباما مناورات "النجم الساطع" السنوية "الميدانية" لصنوف الأسلحة كافة مع مصر احتجاجا على عزل الرئيس السابق محمد مرسي، لكن هذه ليست المناورات المصرية المشتركة الوحيدة مع الولاياتالمتحدة، وإن كانت أكبرها وأهمها، فهناك مناورات "ايغل ارينا" (ميدان النسر) الجوية ومناورات "ايغل ساليوت" (تحية النسر) البحرية ومناورات "ايرون كوبرا" (الكوبرا الحديدية) لعمليات القوات الخاصة. وطبقا لتقدير مكتب المحاسبة الحكومي (جي ايه أو) لسنة 2006 للتعاون والمساعدات الأمنية الأميركية: قدمت مصر إذنا ل(36553) طائرة حربية أميركية بالتحليق عبر المجال الجوي المصري بين عامي 2001 و 2005، ومنحت (861) سفينة تابعة للبحرية الأميركية حق المرور العاجل في قناة السويس خلال الفترة ذاتها مع توفير الدعم الأمني لعبورها، على سبيل المثال. وتستمر واشنطن في ارتهان القوات المسلحة المصرية لتمويلها وتدريبها وتسليحها، وفي "تسهيل" إعدادها "شريكا" في أي "ائتلاف" تقوده الولاياتالمتحدة، وفي "توفير الحماية بالقوات لنظيرتها الأميركية "في المنطقة"، وفي "ضمان استعمال الولاياتالمتحدة لقناة السويس وطرق التحليق الجوي" كما اقتبست الدراسة من تقرير ل"مكتب المحاسبة العامة" الأميركي. إن القوات المسلحة المصرية اليوم أمام اختبار تاريخي يخيرها بين استمرار "التعاون الأمني" مع الولاياتالمتحدة الذي يضمن تنسيقها الأمني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وبين استمرار مغالاة البعض في النظر لها ك"جيش أميركي" ينبغي "تفكيكه" كما اتهمها على هواء فضائية عربية مؤخرا القيادي في حزب العمل المصري والنائب السابق الصحفي المخضرم مجدي أحمد حسين. ف"ثورة يناير 2011 زرعت بذور التغيير الذي يمكنه أن يبدل طبيعة التعاون الأمني ومستواه. وإذا ظلت سيطرة القوات المسلحة في مكانها، لن تؤثر بذور التغيير في العلاقة الأمنية، وعندئذ سوف يبقى الأساس الوطيد للتعاون في مكانه للأجل المباشر" كما تتوقع الدراسة. و"الآن، كما كان الحال قبل ثورة يناير، يعتمد التعاون الأمني بين الولاياتالمتحدة وبين مصر على صيانة مصر لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية".