سواء في تصورها لذاتها أو تقديرها لطاقاتها وإمكانياتها، أو في الأدوار التي يمكن أن تلعبها في الحياة، أو حملها لما يوكل إليها من مسؤوليات، أو في توقعاتها من الآخرين وتطلعاتها، تنطلق المرأة العربية من أرضية تتحدد بتأثير الظروف التي سنتكلم عنها في الفقرات التالية.والمرأة العربية في الغالب لا تستطيع أن تتصور ذاتها في استقلال عن ذات الرجل ولا أن ترى حياتها في غير ارتباط بحياته، ولا أن تخطط لدور ت قوم به يخرج عن الدور أو الأدوار التي تستلزمها علاقتها بالرجل.والخطير في الأمر أن المرأة العربية لا تتصور نفسها وأدوارها على أنها مكملة لذات الرجل وأدواره، وإنما على أنها تابعة للرجل متوقفة عليه عاجزة عن أن توجد في استقلال ذاتي (سواء كان ذلك الرجل أبا أو أخا أو زوجا أو صديقا ).. وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن هذا الموقف من المرأة ليس قاصرا على جيل الكبيرات في السن غير المتعلمات اللائي قد يجدن من العسير أن يتخلصن من قيم وأفكار ومعتقدات قديمة تجاوزها الزمن، وإنما يوجد أيضا لدى الشابات في مستوى المدرسة الثانوية والجامعة فهؤلاء وإن كن يملن أكثر من الشبان في سنهن إلى تأكيد حقهن في حريات أوسع لا يختلفن عنهم كثيرا في تصور طبيعة المرأة وأدوارها في الحياة وهو تصور تقليدي إلى حد بعيد. والمرأة العربية كما تبدو في نتائج استطلاعات الرأي التي أشرنا إليها هي كائن ضعيف في قدراته وملكاته، هش في تركيبه وبنيانه، غريب في أحواله وتصرفاته -خلق بحسب بعض التصورات المتطرفة ليشبع حاجات الرجل العاطفية والجنسية ومن ثم فليس من الوارد أن يتمتع بالحقوق ولا أن يتمتع بالمسؤوليات التي تبدو "طبيعية" بالنسبة للرجل. ومن أهم ملامح صورة المرأة التي تكشف عنها تحليلات مادة وسائل الإعلام التي تلخص في دقة ما يشيع في المجتمع من قيم ومعايير وأفكار ومعتقدات ونظم وغيرها، إن المرأة من جهة أولى تميل إلى السلبية، لا تقوى على التعبير عن مشاعرها الحقيقية، ضعيفة غير قادرة على مواجهة المشكلات، ولا التكيف بالسرعة المطلوبة مع ما تتطلبه هذه التحديات وهي مستجيبة للأزمة -أية أزمة بالبكاء، بدلا من التصرف باتجاه حلها، يدفعها شعورها بالعجز إلى أن تعتمد على الرجل في اتخاذ القرارات حتى تلك التي تعنيها، هي في المحل الأول، وهي لا تفعل ذلك مرغمة مكرهة وإنما تفعله باختيارها الحر، فهي تعتقد في قرارة نفسها أنها في حاجة إلى سند مادي ومعنوي من خارج دائرتها.والبعد الثاني في صورة المرأة كما تبدو في تلك الدراسات هو أنها (عاطفية ) في مقابل (العقلانية ) ويتمثل ذلك في السلوك القائم على المشاعر الوجدانية تجاه الآخرين والمواقف المختلفة، والإغراق في تلك المشاعر والتصرف وفقا لها. وإغفال الاعتبارات الموضوعية، وعدم القدرة على تخطي الموقف الانفعالي.وتتميز المرأة من ناحية ثالثة، بأنه يغلب على مشاعرها وتصرفاتها، الغيرية، بعكس الأنانية سواء كان ذلك في علاقاتها مع أهلها أو زوجها، أو أبنائها -تميل إلى التضحية وتظل تخلص إلى من تحب حتى بعد أن يتخلى عنها. ويقدم الفولكلور العربي شواهد عديدة على تأصيل تلك الصورة الشاذة إنسان ممسوخ، وليس أصدق من الحكم والأمثال والأغاني في التعبير عن ذلك. طاقة إنتاجية معطلة :في حين تستلزم التنمية الاقتصادية والاجتماعية -وما يترتب عليها من تحديث الزراعة وخلق قطاع صناعة حديثة وتطوير الخدمات إحلال نظام جديد لتقسيم العمل محل النظام القديم، تستغل فيه الطاقات البشرية المنتجة، فإن تقدم التنمية في عديد من المجتمعات، والبلاد العربية بخاصة يؤدي إلى تعطيل الطاقة الإنتاجية للمرأة أو الجزء الأكبر منها على الأقل فقد كانت المرأة تقوم بدور هام في الاقتصاد القروي في صوره البسيطة بشكل خاص لا تتعارض مع أدوارها كزوجة وأم وربة بيت. أما الآن فإنها لا تجد، في الغالب، غير مجالات محدودة للعمل في نطاق الاقتصاد المتطور التي تجد دورها فيه يتعارض مع أدوارها التقليدية كزوجة وأم وربة بيت. ولا يبدو أن وضع المرأة في القوة العاملة في المغرب مثلا أفضل كثيرا من الحال في مصر، أو في الجزائر أو سوريا أو غيرها من البلدان العربية الأخرى. والاقتصاد القروي البسيط، اقتصاد الاكتفاء الذاتي هو اقتصاد عائلي : فالعائلة هي الوحدة الإنتاجية وهي التي تستهلك ما ينتج من سلع. (صحيح أن العائلة قد تستفيد من جهد غير أعضائها، وقد تقايض ببعض ما تنتجه من سلع أو تبيعه خارج القرية ولكن ذلك لا يمثل غير الاستثناء عن القاعدة ).وفي الاقتصاد القروي -البسيط بخاصة تقوم المرأة بدور إنتاجي هام وربما كان الدور الهام : إذ تتولى مسؤولية الزراعة، وتربية الحيوانات والدواجن، وبعض الحرف التقليدية فضلا عن مسؤولياتها التقليدية الأخرى، في حين يتفرغ الرجال للصيد أو يعاونون في الزراعة أو بعض الأعباء الأخرى..ومن الملاحظات الطريفة أنه في نظام الزراعة البسيطة كان نظام تعدد الزوجات للزوج الواحد أمرا شائعا ومقبولا بل إنه كان أمرا تتحمس له الزوجات أنفسهن على أساس أنه كان يضمن أن تضاف قطعة أرض، تملكها الزوجة الحديثة إلى حيازة العائلة، فضلا عما يوفره من أيد عاملة جديدة تخفف العبء عما يوجد لدى العائلة من أيد عاملة.إلا أن التحول من الزراعة البسيطة -تقوم بها العائلة للاستهلاك إلى زراعة حديثة متطورة -يعتمد في جانب منها على أيد عاملة ماهرةتتجه لإنتاج محاصيل التصدير أدى إلى تغييرات جذرية في نظام تقسيم العمل وتوزيع الأدوار كان من أهم نتائجها أن فقدت المرأة دورها الإنتاجي أو فقد دورها أهميته السابقة، ودفعت إلى التفرغ لوظائفها التقليدية وانحط مركزها الاجتماعي.ولقد تكاثفت في تحقيق هذا التحول الخطير الإدارة الاستعمارية في المستعمرات السابقة وصفوات التحديث الوطنية من الطبقة الوسطى بعد الاستقلال، وساعد في تحقيقه تمايز التركيب الطبقي في المجتمعات القروية لوجود طبقة من كبار ومتوسطي الملاك والحائزين تقابلها طبقة من المعدمين والعمال الزراعيين التي تقبل العمل بأي أجر. وتنطوي الهجرة من الريف إلى المدن، على تجهيزات أخرى ضد المرأة وتتسبب في تدهور وضعها الاجتماعي. فالذين يهاجرون هم أساسا الذكور في سن الإنتاج، وإذا هاجرت أسرهم معهم فليس لكي يعمل أعضاؤها وإنما لكي يكونوا مرافقين لرب الأسرة. المرأة والحياة السياسية :صراحة وضمنا تلقن المرأة أنها مخلوق عاطفي هش أو رقيق، لم يخلق للعمل العام والتركيز هنا على النشاط السياسي فتنشأ مقتنعة بفكرة أن الاشتغال بالسياسة هو من مهام الرجال يتناسب مع طبيعتهم الخشنة نسبيا ويتفق مع مسؤولياتهم في الحياة : مسؤوليات القيادة والتوجيه. وترسخ تلك القيمة أو الفكرة الموجهة للسلوك حقيقة هامة هي أن نسبة الأمية بين النساء في المجتمعات العربية أعلى بكثير من النسبة بين الذكور.. وفضلا عن ذلك فإن المواطن العادي في عديد من البلدان العربية لا يأخذ فكرة المشاركة في العمل السياسي مأخذ الجد، لأنه يعلم من تجربته اليومية أن الحياة تسير بدونه وفي غير مصلحته في أحيان غير قليلة، وأن تشريعات المشاركة المختلفة، وإجراءات الترشيح والانتخاب وافتتاح البرلمانات أو المجالس التشريعية واجتماعها وفضها، هي من قبيل الطقوس التي لا يعلم أحد الهدف الحقيقي منها على وجه التحديد.نستطيع إذن أن نفهم يسر عزوف المرأة العربية عن المشاركة في العمل السياسي وأن نعرف أن تمثيلها في التنظيمات النقابية أو في المجالس التشريعية أو حتى في الوزارة لا يخرج في معظم الحالات عن كونه عملا من أعمال "الديكور" أو محاولة الظهور بمظهر "الحداثة" ومن ثم فإن صور النساء المحجبات -اللائي يبدو على مظهرهن رقة الحال وهن يتزاحمن أو بمعنى أدق يتكدسن -أمام صناديق الاقتراع في انتخابات المجالس التمثيلية أو الاستفتاءات أو غيرها ينطوي على امتهان لكرامتهن كمواطنات وعلى استخفاف بعقول الآخرين ممن يحاول أن يوهمهم بأن المرأة العربية ليست أقل من الرجل حرصا على المشاركة في السياسة والتنمية والعمل العام.إذن تدور المرأة العربية في نوع من -الدائرة المفرغة لا تتاح لها فرص نمو صحي يساعد على النضوج الحقيقي فتجيء شخصيتها ممسوخة عاجزة عن تحمل بعض المسؤوليات الاجتماعية، وهو وضع يتحيز مبررا لاستبعادها من مجالات ذات تأثير ولا يبقى لها غير المهام ذات القيمة الهامشية في عملية الإنتاج الاجتماعي.وبصراحة أكثر، لم يبق للمرأة العربية غير دور طفيلي في الحياة هو ببساطة دور إشباع حاجات الرجل إلى الدفء العاطفي والجنسي وإلى أن تكون له أبناء، وبيتا...ونحن نزعم أن المرأة العربية -لأسباب استعرضناها في الفقرات السابقة غير قادرة على أن تقوم بأي من مهامها "الطفيلية" بكفاءة وبصورة صحية سليمة.نحن لا نعتقد أن مجتمعاتنا تعد الفتاة إعدادا سليما للقيام بدور الزوجة، أو هي تعدها للقيام به على نحو شاذ مريض.. فهي لا تخرج في تصورها لدور الزوجة عن حدود العلاقة الزوجية. إذ تلقن الفتاة أن جسمها "عورة" ومن ثم تخلق منها تناقضا بين العداء له والاعتداد به.وتعمد بعض المجتمعات العربية (مصر والسودان مثلا ) إلى "ختان" الفتاة فتحكم عليها بدور غير كفء في العلاقة الجنسية وترسخ في أعماقها شعورا دفينا بالقهر والظلم.وتترك التنشئة الاجتماعية والقيم السائدة المرأة موزعة بين مطلبين متعارضين : أولهما أنه لا يليق بالمرأة "الفاضلة" أن تعبر عن أحاسيسها وحاجاتها الجنسية بصراحة، والمطلب الآخر هو أن تكون قادرة على التجاوب مع الرجل وتوفر له فرص الاستمتاع بالجنس وليس فقط الإشباع.والحقيقة أنه على الرغم من تزايد معدلات استهلاك مجتمعاتنا لنتائج التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل الذي استطاعت الدول المتقدمة أن تحققه، فإنها -مجتمعاتنا لم تستطع أن تطوعه لترشيد دور المرأة في مجال الأمومة وتنشئة الأطفال وما زالت المرأة العربية -لأميتها وتخلفها تكره على سلوك طريق لا تقبله وتعتمد على الفطرة ومزاج اللحظة في أدائها لأقدس مهامها في الحياة.. فإرهاق المرأة بالحمل والوضع والحضانة مرات عديدة خلال فترة خصوبتها أو استهلاك لكيانها وطاقاتها لا مبرر ولا معنى له، ولا اختيار كبير لها فيه : فصورة الزوجة الصالحة ومركزها في الأسرة في البادية أو الريف العربي، هي صورة المرأة الولود والتي تلد ذكورا على وجه الخصوص.وإنه امتهان صارخ لآدمية المرأة ما يحدث في بعض المجتمعات الريفية العربية من تزويج فتيات دون سن العاشرة وفي سن تصل إلى السابعة في بعض الأحيان وتعريضهن لتجربة الحياة الجنسية الكاملة وهن ما زلن دون مستوى النضج اللازم وإرهاقهن بالحمل والوضع بمجرد الحيض. وحين تأتي مسؤولية المرأة في تنشئة الأبناء يواجهها الواقع بسؤال هام : هل تستطيع المرأة العربية وهي في الأغلبية أمية جاهلة تستمد تصورها لدور الأم من نظم حضارية متميزة -بصورة شاذة ضد المرأة، ومن وسائل إعلام لا خلاف على تأثيرها الضار في عملية التثقيف العام، وتعاني هي نفسها من القهر والاستغلال والكف، نقول هل تستطيع امرأة تعيش مثل ذلك الواقع أن تنشئ الأبناء تنشئة سليمة.لا مجال للشك في أن أمهات كثيرات تعطين في سخاء غريب ولكن الإشكال هو أن السخاء في العطاء هو والشح في البذل، سواء بسواء، كلاهما ضار. تعليق :الذين لا يتصورون للمرأة في مجتمعنا دورا غير أدوارها الطفيلية المحدودة القيمة -من الناحية الإنتاجية والذين ينادون بعودة المرأة إلى البيت (بحجة وجود فائض كبير في قوة العمل، أو خوفا على أطفالها الصغار من الضياع ) يغفلون في تقصير لا يغتفر عديدا من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية الهائلة التي ينطوي عليها المستقبل -القريب للبلاد العربية أو معظم مناطقها على الأقل.. فمن ناحية أولى تزخر المنطقة العربية، وكل من بلادها على حدة بموارد اقتصادية هائلة لا تقتصر على البترول والمعادن الكثيرة الأخرى، وإنما تتعداها إلى الأراضي الصالحة للزراعة والقابلة للاستصلاح والسواحل بثرواتها المائية بل والمناخ، فإمكانيات النمو الاقتصادي بغير حدود تقريبا، ويحتاج إلى استثمارها، فيما يحتاج -إلى كل الطاقات البشرية الموجودة وفائض العمالة الموجود في بعض البلاد العربية ليس سببا في بطء النمو الاقتصادي وإنما هو عرض من أعراض عجز أسلوب العمل الحالي على تحقيق تنمية اقتصادية بمعدلات عالية.وإن النسبة الكبيرة للأشخاص الذين يحتاجون لمن يعولهم -الأطفال الصغار وكبار السن 15 سنة إلى 65 سنة مثلا وهو ما يعرف بمعدل الإعالة لا تترك لمجتمعاتنا الخيار : فإن عليها أن تستغل طاقة كل مواطن في سن الإنتاج ويكون قادرا على رجلا كان أو امرأة.وهناك من ناحية ثانية، تغيرات هامة في الملامح الديمغرافية للمجتمع العربي وهو ميل حجم الأسرة في قطاع الحضر إلى التناقض بعد أن بدأ يكثر نمط الأسرة بطفلين، وثلاثة أطفال. وهذا يعني إعفاء المرأة من مسؤوليات ومتاعب حمل ووضع وحضانة لا مبرر لها. وكذلك تقليل الأعداد التقليدية المرتبطة برعاية الأبناء. وفضلا عن هذا وذاك فإن الاستغلال المبكر نسبيا للأبناء يعفي المرأة من كل أعباء الأمومة تقريبا في مرحلة مبكرة، أي أن فترة "الأمومة النشطة" تقصر بالنسبة لعمر الأم حقبة بعد حقبة.ولما كانت المرأة تعيش في المتوسط عدة سنوات بعد أن تكتمل دورة حياة الأسرة -أي يستغل كل الأبناء بحياة خاصة ويموت الزوج فإن وقع الترمل سواء من الناحية الاقتصادية أو الناحية النفسية يكون أقسى على المرأة التي لا تعمل أو لم تعمل، وحتى في المراحل الأخيرة من دورة حياة الأسرة -في نهايات الأربعين بالنسبة للزوجين تتوقف الحياة الأسرية عن توفير الدفء العاطفي الذي كان توفره في المراحل الأولى من الزواج وتقع المرأة فريسة فراغ هائل قاسي إذا لم تكن تعمل.وفضلا عن كل ما تقدم، فإن التقدم ا لتكنولوجي الهائل المطرد يوفر أدوات تمكن الأسرة من إنجاز كل أعباء المنزل بكفاءة عالية وبجهد أقل وفي وقت أقصر، وخلق بذلك وضعا لم يعد معه وجود المرأة في البيت كل الوقت أمرا لازما. ما التفسير ؟لم تعد فكرة تفوق الرجل على المرأة -بيولوجيا ونفسيا تطرح كمبرر لتسلطه عليها وتحكمه فيها. وليس ذلك لأن الرجل قد قبل بتحقيقه المساواة بين الجنسين، وما يترتب على التسليم بها من تحرير حقيقي للمرأة وإنما لأن العلم -في تخصصات عديدةبيولوجية ونفسية واجتماعية قد كشف عن التزييف الذي تعرضت له طبيعة المرأة في مقابل طبيعة الرجل.. والحقيقة الأكيدة هي أن الفروق التشريعية الملاحظة بين الرجل والمرأة هي أقل أهمية من جوانب الاتفاق بينهما، وهي على أية حال لا تعني شيئا أكثر من بعض الفروق الوظيفية، ولا تعني على الإطلاق أن الرجل أقوى من المرأة. بل إن المرأة أقوى من الرجل أو تتفوق عليه في جوانب هامة : فالمرأة أبطأ في الإحساس بالإجهاد والتعب، وأقدر على المثابرة. وأقوى في مقاومة المرض من الرجل، ثم إنها تعيش أطول من الرجل في المتوسط بأكثر من خمس سنوات، أما ما نلاحظه من رهافة المرأة وضعف بنيتها فإنهما من صنع الظروف التي تعيش فيها.ويعمد البعض إلى القول لا يتفوق الرجل على المرأة إنهما مختلفان فقط -فالمرأة بحسب القول الشائع الآن ليست أدنى من الرجل بالضرورة، ولكنها تختلف عنه بالقطع. والاختلافات بينهما -في رأي الرجل يبرر أن يوجد نظام لتقسيم العمل وتوزيع الأدوار، تختلف فيه أعباء الرجل، وفي ظل هذا النظام يحتفظ الرجل لنفسه بالأدوار التي تسمح له بالسيطرة على وظائف الإنتاج الاقتصادي وتوزيع الناتج والضبط الاجتماعي ويترك للمرأة الأدوار ذات الطبيعة الهامشية أو غير المؤثرة اقتصاديا.واقع الأمر إذن هو أن الرجل تمكن نتيجة -لعمليات تاريخية طويلة معقدة من أن يستحوذ على الأدوار الاجتماعية التي تسمح له بالتسلط اجتماعيا واقتصاديا، وأن يضع المرأة في مستوى أدنى من المستوى الذي يوجد هو فيه بل وأن تكون هي موضع استغلاله وتحكمه والرجل في ظل النظام الاجتماعي والاقتصادي الحالي ليس على استعداد بأن يسمح للمرأة بأن تتحول من وضع التابع إلى وضع الشريك الحر الإرادة الكامل الحقوق. هل ثمة أمل في التغيير ؟نعم، لم تعد المرأة حبيسة البيت، وإنما هي تركته وارتادت مجالات لم يكن وجودها فيها مألوفا ولا مقبولا حتى وقت قريب.ازدادت لنسبة الفتيات في مختلف مراحل التعليم وهي ترتفع سنة بعد أخرى ونما حجم قوة العمل النسائية في مختلف مجالات العمل تقريبا، وتحررت المرأة من بعض سيطرة الرجل وتحكمه، وتعاظم تأثيرها في عملية اتخاذ القرار في الأسرة وفي المجتمع والدولة، بل إننا نجد وزيرات وعضوات في مجلس النواب وشاعرات وأديبات وفنانات وسفيرات وقاضيات.. ولكن التغيير الذي طرأ على بعض أبعاد وضع المرأة العربية في المجتمع تم في إطار تبعيتها للرجل وطفيلية الدور الذي تلعبه في الحياة.. أي أن ما حدث لا يخرج عن كونه مجرد تغييرات جزئية لا تصل إلى حد الثورة التي يتحقق بها التحرر الكامل للمرأة.ولسنا بهذا نقلل من قيمة ما حدث، ولكن علينا أن نقدمه بحجمه الحقيقي، والذين ينتظرون أن يؤدي تراكم تلك الإصلاحات الجانبية إلى تغيرات نوعية في وضع المرأة في المجتمع سينتظرون طويلا بدون جدوى.المطلوب لتحرير المرأة الكامل، هو إستراتيجية للعمل على المدى البعيد تتجه إلى تخليص العلاقات من طابع الاستغلال وتحقيق المساواة بالعمل السياسي النشيط. وعلى المدى القريب مطلوب من المرأة ومنا جميعا أن تعي أبعاد المأساة التي تعيشها وأن تعرف أن مزيدا من التعليم وفرص العمل والحرية وغيرها أمور مقبولة ومفيدة جدا ولكنها لن تحل أزمة وضعها في المجتمع.